TG Telegram Group Link
Channel: قناة أ.د. حاكم المطيري
Back to Bottom
نظرات [سورة التوبة ١٢٨].jpg
3.5 MB
#نظرات_قرآنية في سورة براءة - التوبة

- ﴿لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨]


https://hottg.com/DrHAKEM/12902
📎
https://hottg.com/DrHAKEM/12903
📎
https://hottg.com/DrHAKEM/12904
📎
https://bit.ly/45c679I

﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
#نظرات_قرآنية في #سورة_التوبة – براءة

- ﴿فَإِن تَوَلَّوا فَقُل حَسبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ﴾ [التوبة: ١٢٩]

❂ لما كان أول السورة إعلان البراءة من المشركين، ودعوتهم إلى التوبة بالإيمان بالله ورسوله ﷺ، وأن ﴿الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم﴾[التوبة: ٣]؛ جاءت الخاتمة ببيان وجوب الاستعانة عليهم بالله والتوكل عليه وحده إن تولوا وعصوا، فالفاء في ‏﴿فإن تولوا﴾ تفريع على كل ما سبق من إعلان البراءة منهم، ودعوتهم للإيمان والتوبة، فإن آمنوا وتابوا فهو خير لهم، وإن تولوا فالله الذي يحكم فيهم.

❂ وقد تكون الفاء في الآية تفريعا على الآية التي قبلها في مجيء الرسول ﷺ إليهم، والامتنان به عليهم، واتصافه بكل صفات الكمال البشري الذي توجب عليهم الإيمان به، وطاعته، ونصرته، واتباعه، ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم﴾ [التوبة: ١٢٨]، فإن آمنوا به فهو خير لهم، وإن تولوا فالله كافيه أمرهم.

❂ وفي خاتمة السورة إشارة بأن التولي سيحدث من أكثرهم، وهو ما كان فعلا بعد وفاة النبي ﷺ، حين تولى أكثر العرب وارتدوا وعادوا إلى جاهليتهم، وهو ما يوجب على المؤمنين بعد وفاة النبي ﷺ جهادهم كما جاهدهم النبي ﷺ، وهذا من الإعجاز الخبري، إذ أنه حين نزول السورة كان العرب قد دخلوا جميعا في الإسلام وتحت سلطان دولته النبوية، وذلك عام الوفود في السنة التاسعة، فلم يكن هناك بوادر تولي وإعراض منهم، إلا أن خاتمة السورة قد أشارت إليه.

❂ كما فيها إشارة إلى اقتراب أجله ﷺ، وانتهاء مهمته، وإكمال رسالته، والبلاغ عن الله على أكمل وجه، فإن تولوا فالله الذي يحكم فيهم بعدك بقضائه وقدره، ولم يخاطب رسوله ﷺ بجهادهم وقتالهم كما في أوائل السورة، وقد كانت هاتين الآيتين من آخر ما نزل من القرآن، كما روى الطبري عن أبي بن كعب رضي الله عنه بأسانيد حسنة قوله: (أحدث القرآن عهدًا بالله، الآيتان: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم﴾، إلى آخر السورة).

❂ والخطاب في هذه الآية وإن كان للنبي ﷺ ابتداءً، فأمته مخاطبة به أيضا بحكم أنه الأسوة لها، فهي القائمة بمجموعها مقامه ﷺ في البلاغ عنه، ودعوة الأمم كلها إلى دينه، كما قال تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾ [البقرة: ١٤٣].
وهي مأمورة مثله بالتوكل على الله وحده، والاستعانة به وحده في البلاغ للرسالة، والنصر على العدو، والظهور والاستخلاف في الأرض؛ ولهذا أوصى النبي ﷺ ابن عباس فقال له: (يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، تعرف على الله في الرخاء يعرفك بالشدة، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الشدة، وأن مع العسر يسرا، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف).

❂ وفي قوله:‏ ‏﴿فقل حسبي الله﴾ إخبار عن حقيقة ثابتة قد تحققت فعلا في حياته ﷺ وبعد وفاته، فقد كفاه الله أمر حفظ دينه، وظهوره على الدين كله، واستخلاف أمته في الأرض، كما قال تعالى في السورة نفسها: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ [التوبة: ٣٣].
وقال الله قبلها في السنة السادسة بعد صلح الحديبية: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا﴾ [الفتح: ٢٨].
وقال قبل ذلك في السنة الخامسة: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ [الصف: ٩].
وهذا الظهور تحقق في حياة النبي ﷺ في صلح الحديبية في السنة السادسة كما بشرت به آية سورة الصف، ثم في فتح مكة في السنة الثامنة، واكتمل في حجة الوداع، حين حج النبي ﷺ بمئة ألف من أصحابه، لا ينازعه أحد في جزيرة العرب كلها، كما بشرت به سورة الفتح حيث جاء فيها ﴿لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا﴾ [الفتح: ٢٧].
وتحقق وعد سورة التوبة بظهور دينه بعد وفاته ﷺ، وذلك بظهور أصحابه على أهل الردة من منافقي العرب ومشركيهم، ثم بفتوح فارس والروم، وظهور أمته على العالم خارج جزيرة العرب.
وما زال الوعد قائما للمؤمنين إلى يوم القيامة.
❂ فالله سبحانه حسبه ﷺ وكافيه كما كفاه حين نجاه منهم يوم الهجرة ﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾[الأنفال: ٣٠]، ونجاه الله منهم في غار ثور وقد أحاطوا به من كل جانب ﴿إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم﴾ [التوبة: ٤٠].
قال أبو بكر: (قلت للنبي ﷺ وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!، فقال ﷺ: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما).

❂ ولم يذكر في قوله: ‏﴿حسبي الله﴾ مما كفاه الله؛ ليعم كل شيء يخشى منه العباد الضر والشر، كما قال تعالى: ﴿ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون﴾ [الزمر: ٣٨].

❂ وجاء بالتعليل لهذا الاكتفاء بالله وحده، فقال: ﴿لا إله إلا هو عليه توكلت﴾ فالله حسبه وكافيه وحده لا شريك له؛ لأنه لا إله للخلق غير الله يصرف شئونهم، ويقضي حوائجهم، ويضرهم وينفعهم، وقد كان النبي ﷺ إمام الموحدين، وأسوتهم، وقدوتهم في تفويض أمره إلى الله، وتوكله عليه، والاستعانة به، في كل أمره.

❂ وتوكل العبد على الله هو باتخاذه الله وحده وكيلا: يفوض إليه أمره، ويستعين به على حوائجه، ويرضى بقضائه فيه وقدره، فمن توكل على الله كفاه ووقاه، وجعل أمره كله له خير في أوله وعقباه، كما قال تعالى في شأن التوكل عليه مطلقا: ﴿رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا﴾ [المزمل: ٩]، وقال: ﴿وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا﴾ [الفرقان: ٥٨].
فلأنه سبحانه الحي الذي لا يموت، ولأنه رب المشرق والمغرب، والوجود كله؛ فهو الرب والوكيل وحده.
وقال في شأن التوكل عليه في الرزق: ﴿ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا﴾ [الطلاق: ٣].
وقال ﷺ: (لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا).
وقال في شأن التوكل عليه في النصر على العدو: ﴿وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين﴾ [يونس: ٨٤].
فصار حقيقة الإيمان والإسلام التوكل على الله وحده، طاعة له، وثقة به.
وقد جاء وصف النبي ﷺ في التوراة بالمتوكل، كما سئل عبد الله بن عمرو عن صفة رسول الله ﷺ في التوراة؟ قال: (أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: ﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا﴾، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل ليس بفظ، ولا سخاب).

❂ والتوكل على الله يوجب الأخذ بالأسباب المشروعة المقدورة للعبد؛ لأن الله أمر عباده بها، وجعلها أسبابا لما قدره لهم من الأعمال والأرزاق، فأمرهم بعبادته لدخول جنته، وأمرهم بالعمل والسعي في الأرض لنيل رزقه، والزواج لحصول الولد، وأمرهم بالتوكل عليه وحده في ذلك كله، فلا حول ولا قوة للعبد للأخذ بالأسباب نفسها إلا بالله، ولا تترتب عليها نتائجها إلا بالله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فالأخذ بالأسباب عمل الظاهر، والتوكل على الله عمل الباطن، فلا يلتفت قلب المؤمن إلى الأسباب، بل إلى الله الذي يسرها له، ولو شاء لما تيسرت، والذي يرتب عليها نتائجها ولو شاء لما ترتبت، ولهذا كان من دعاء الصباح والمساء كما كان النبي ﷺ يعلم بعض أصحابه أن يقول: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، فلا يستغني العبد عن الله طرفة عين، ولا أقل من ذلك، إذ لا حول له ولا قوة إلا بالله.

‏ ❂ ثم قال تعالى إكمالا للتعليل بالتوكل ‏﴿وهو رب العرش العظيم﴾، فاستحق سبحانه التوكل عليه وحده، إذ هو رب العرش العظيم، والعرش أعظم مخلوق في الوجود، وجاء في الحديث: (ما السموات السبع، في الكرسي إلا كحلقة في فلاة من الأرض، وما الكرسي في العرش إلا مثل ذلك)، فإذا كان العرش العظيم لا يقوم إلا بأمر الله وحده، وهو سبحانه ربه الذي خلقه ويصرف أمر الوجود كله، فما دونه أحق بالتوكل عليه وحده.
ولهذا كان من دعاء النبي ﷺ واستفتاحه في قيام الليل: (اللهم لك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت).
تمت النظرات القرآنية في سورة براءة.
٣٠ رمضان ١٤٤٥هـ الموافق ٩ أبريل ٢٠٢٤مـ
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

#تدبر

📎مجموع النظرات

https://bit.ly/45c679I
﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
نظرات [سورة التوبة ١٢٩].jpg
3.3 MB
#نظرات_قرآنية في سورة براءة - التوبة

- ﴿فَإِن تَوَلَّوا فَقُل حَسبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ﴾ [التوبة: ١٢٩]


https://hottg.com/DrHAKEM/12906
📎
https://hottg.com/DrHAKEM/12907
📎
https://bit.ly/45c679I

﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
#عيدكم_مبارك
‏وتقبل الله طاعتكم
‏وكل عام وأنتم بخير
‏اللهم انصر #غزة وأهلها
‏وتقبل شهداءها
‏⁧ #غزة_تنتصر

﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
Forwarded from د. خالد حمدي
يرسل إلي صاحبي الأسير من وراء الأسوار ويلح في السؤال:
لعلك نسيتني؟!!
فأرد قائلا:
والله ما نسيتك، وما ينبغي لمثلك ولا لمثل من معك أن يُنْسَوا..
والله لكأنك اعتقلت الآن!!
وجع الفقد كما هو..
دموع الأشواق والاستغاثات التي تغرورق بها عيني كلما جال طيفك بخاطري، أو ألححت على الله من أجلك كما هي.
ولقمة عيالك قبل لقمة عيالي،
وحتى موضع سجنك... تعيشه أنت حالا، وأعيشه معك تخيلا وتألما رغم اختلاف الحالين واقعا..
والله يعلم أنه ما اكتملت لي لذة، لما في النفس على حالكم من ألم وغصة..
ولربما يضحك مني الوجه بينما يبكي القلب ولسان حاله:
لا تحسبوا رقصي بينكم طربا
قد يرقص الطير مذبوحا من الألم.
ليتك يا أخي تبلغ من عندك أنكم لستم سقط متاع، أو أرقاما تضاف إلى أرقام...
أنتم دافعوا أكبر وأعظم ضريبة يدفعها غارم من أجل غيره قبل نفسه...
وحق لمثلك ألا ينساه مثلنا، فقد وفيتم بكل ما تملكون، ومن الخيانة ألا نوفيكم بعض ما نستطيع ونملك.
وما أظنها ستطول كثيرا...فالأرض عطشى للمصلحين الطاهرين، وأنتم رِيها القريب إن شاء الله.
#خالد_حمدي
نظرات [سورة الزمر ١-٢].jpg
3.5 MB
#نظرات_قرآنية في سورة الزمر

- ﴿تَنزيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزيزِ الحَكيمِ ۝ إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ فَاعبُدِ اللَّهَ مُخلِصًا لَهُ الدّينَ ۝﴾ [الزمر: ١-٢]

https://hottg.com/DrHAKEM/12913
📎
https://hottg.com/DrHAKEM/12914
📎
https://tinyurl.com/542d9uef
﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
#نظرات_قرآنية في #سورة_الزمر

- ﴿تَنزيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزيزِ الحَكيمِ ۝ إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ فَاعبُدِ اللَّهَ مُخلِصًا لَهُ الدّينَ ۝﴾ [الزمر: ١-٢]

🔹 سورة الزمر سورة مكية، سميت بهذا الاسم لوروده في آخر السورة مرتين ‏﴿وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا﴾، ‏﴿وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا﴾،والزمر جمع زمرة وهي الجماعة، ولم يرد هذا الاسم في غير هذه السورة في القرآن كله، فاشتهرت به، وتكاد كل سور القرآن تتفرد بكلمات - سواء بمادتها أو اشتقاقها أو استعمالها - لا توجد إلا فيها، بما فيها السور القصار، كسورة الإخلاص، تفردت بكلمة ﴿الصمد﴾ مادةً، و ﴿يُولد﴾ اشتقاقا، و﴿أحد﴾ استعمالا.
‏وسورة الفلق تفردت بكلمات ﴿الفلق﴾، و﴿غاسق﴾، و﴿وقب﴾، و ﴿النفاثات﴾، و﴿العقد﴾، و﴿حاسد﴾.
‏وسورة الناس تفردت بكلمتي ﴿الوسواس الخناس﴾.

🔹 وهذا علم من علوم القرآن ينبئ عن سر من أسرار الإعجاز اللغوي فيه، حيث تحل فيه فرائد مفرداته محل حجر الأساس في بناء موضوعات سوره، حتى تكاد فرائد كلماته توجز مقاصد سوره كلها، فلفظ ﴿الصمد﴾ وما تقتضيه معاني الصمدية من الإخلاص لله وحده، وإفراده بمعاني الربوبية كلها، هو موضوع السورة التي تدور كل آياتها عليه؛ وهو لفظ لم يرد بمادته إلا في سورة الإخلاص، كما لم يرد لفظ ﴿يُولد﴾ باشتقاقه إلا فيها، ولم يرد لفظ ﴿أحد﴾ في القرآن كله بهذا الاستعمال صفة لله وإخبارا عنه إلا فيها؛ بيانا لكمال أحديته سبحانه؛ ليؤكد هذا الإعجاز اللغوي -وهو بعض صور إعجازه- أن هذا القرآن وحي وتنزيل من الله العزيز الحكيم.

🔹 وقد روى الترمذي وحسنه عن عائشة قالت: (كان النبي ﷺ لا ينام على فراشه، حتى يقرأ بني إسرائيل، والزمر).
وهذا دليل على فضل هذه السورة، وعلى أن أسماء سور القرآن توقيفية عن النبي ﷺ، كما ثبت ذلك في اسم الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، وغيرها من السور، وهذا هو الأصل، ثم ربما كان للسورة أكثر من اسم، وبعضها باجتهاد من الصحابة بحسب ما تميزت به كل سورة بموضوعها، أو بكلمة لم ترد إلا في السورة فاشتهرت بها، كما لفظة الزمر فإنها لم ترد إلا في هذه السورة، ولأسماء السور دلالاتها وأسرارها وحكمها، وهي في هذه السورة إشارة إلى انقسام الخلق إلى فرقتين وجماعتين مختلفتين في كل شيء، في اعتقادهما، ونظرتهما للوجود والحياة، وسيرة كل منهما، ومصيرهما، يوم القيامة، إلى الجنة أو النار.

🔹 وهو إشارة إلى دور الجماعة والمجتمع في تشكيل وعي الإنسان، كما قال تعالى عن ملكة سبأ: ﴿وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين﴾ [النمل: ٤٣]، وهذا كالتعليل لسبب صدها عن دين الله بأنها كانت من قوم كافرين، فحالوا بينها وبين الإيمان بتقليدها لهم، وكما قال ﷺ: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه).

🔹 ولأهمية أثر الجماعة على أفرادها؛ جاء الأمر القرآني والنبوي بلزوم جماعة المؤمنين، وسبيلهم، والتواصي بينهم على الصبر والتقوى، والتحذير من مفارقتهم، كما قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ [التوبة: ١١٩]
وقال ﷺ كما في الصحيحين لحذيفة وقد سأله عن المخرج من الفتن العامة عند حدوثها :(تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، وقال: (عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، وقال: (يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار).
وقد أوجزت سورة العصر هذه الحقيقة المجتمعية بجلاء فقال تعالى: ﴿والعصر ۝ إن الإنسان لفي خسر ۝ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾ [العصر: ١-٣]
وقال تعالى عن تواصي الكافرين على الصد عن دين الله: ﴿وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون﴾ [الأعراف: ٢٠٢].

🔹 ولم تشهد الإنسانية في كل عصورها فتنة أشد خطرا من فتنة الدعوة إلى الفردية، وعبادة الإنسان ذاته وشهواته، كما تدعو إليه الليبرالية الغربية اليوم، حتى انحط كثير منهم إلى درك البهيمية، بدعوى الحرية، وهي حالة مجتمعية ترعاها الدول والمجتمعات الإباحية نفسها، حين زيّن لهم الشيطان أعمالهم.
🔹 وقد رأت المجتمعات الإسلامية اليوم في واقعها خلال سنوات معدودة حين فرض عليها هذا المشروع الغربي الشيطاني كيف أدت هذه الدعوة الشيطانية إلى الفردية -وأن يهتم الإنسان بنفسه قبل كل شيء، ولا يبالي بغيره، كبيرا كان أو صغيرا رجلا أو امرأة- إلى انهيار الأسرة وهي أول لبنات السد المجتمعي أمام طوفان الإباحية الفردية، وكشفت مدى ضعف الإنسان وهشاشة الفرد أمام أمواج الفتن، ودور المجتمع المتماسك في حماية أفراده من السقوط والانهيار، وأن التعليم والتطور المادي وحده لا يقي الإنسان من السفول والانحطاط الأخلاقي، ما لم يعنه المجتمع على كبح جماح نفسه، ولهذا قال ﷺ: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فافعل ما شئت)، وإنما يكون الحياء من المجتمع نفسه أن يطلع من الفرد على ما يسقط قيمته ومكانته، فإذا لم يراع الإنسان المجتمع من حوله لم يمنعه شيء عن فعل كل شيء يدعوه إليه هواه.

🔹 وإنما تكون الفردية محمودة في حال واحدة وذلك حين يرى الإنسان المجتمع قد انحرف عن الفطرة السليمة، وما تقضي بها النفوس السوية، والعقول الحكيمة، فيتجنب سبيلهم، كما في الحديث عند الترمذي وحسنه عن حذيفة مرفوعا: (لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا).
وفي الطبراني بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود: (لا يكون أحدكم إمعة، قالوا: وما الإمعة يا أبا عبد الرحمن؟ قال: يقول: إنما أنا مع الناس إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللت، ألا ليوطن أحدكم نفسه على إن كفر الناس أن لا يكفر)، وفي لفظ عنه وسئل عن الإمعة قال: (الذي يقول أنا مع الناس، إنه لا أسوة في الشر).

🔹 وقد جاءت فاتحة سورة الزمر مناسبة لخاتمة سورة ص قبلها حيث جاء في خاتمتها قوله تعالى: ﴿إن هو إلا ذكر للعالمين﴾ [ص: ٨٧]، وجاءت فاتحة الزمر: ‏﴿تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم﴾، ردا على مشركي مكة الذين كذبوا بالذكر لما جاءهم، وأبوا الإيمان به، وأنه من عند الله، فتارة يقولون هو شعر وقول بشر، وتارة هو سحر يؤثر، فجاءت كثير من فواتح السور في تمجيد القرآن العظيم، وبيان حقيقة الوحي، وأنه من عند الله، ونقض شبههم عنه.

🔹 وقضية الوحي هي سبب افتراق الخلق إلى فرقتين، منذ بعث الله رسوله محمدا ﷺ إلى الثقلين، إلى يوم الدين، وانقسامهم في شأنه إلى مؤمنين به، وكافرين، موحدين لله، ومشركين، فمن آمن بالذكر والقرآن وأنه تنزيل من رب العالمين؛ فقد تجاوز القنطرة إلى دار الإيمان والمؤمنين، ودخل دار الإسلام والمسلمين. ومن كذب به، أو شك فيه، أو ارتاب؛ فقد حيل بينه وبينها، وبقي وراء العقبة مع الكافرين من المشركين والمنافقين.

🔹 وابتدأت السورة مباشرة بالمصدر ‏﴿تنزيل الكتاب﴾ دون التقديم بالحروف المقطعة كما في سورة غافر ﴿حم ۝ تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم﴾ [غافر: ١-٢]، فليس المراد في فاتحة سورة الزمر التحدي وبيان الإعجاز -بذكر الحروف المقطعة، واستثارة عقولهم للتفكر فيها، وأنها حروف لغتهم التي يتحدثون بها، وهم أهلها، وهي مقدورة لهم، وفي طوقهم، واستطاعتهم، فليأتوا بمثل هذه القرآن، أو سورة من سوره- بل المقصود:

١- بيان حقيقته وأنه تنزيله من عند الله العزيز الذي عز جلاله ومقامه، فلا يسامى في ذاته، ولا صفاته، ولا كلامه، والقرآن تنزيل من عنده، موصوف بصفات من أنزله العزيز الحكيم ﴿إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز ۝ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾ [فصلت: ٤١-٤٢].
ووصفه بأنه عزيز يؤكد امتناع الإتيان بمثله، فهو يعز ويسمو على كل كتاب، وحكيم محكم وحاكم على كل كتاب سماوي قبله، ومهيمنا عليها.

٢- وبيان موضوعه وغايته ‏﴿فاعبد الله مخلصا له الدين﴾، وجيء بالفاء، التي تفيد وجوب ترتب إخلاص الدين والعبادة على تنزيل الكتاب، ترتب النتيجة على وجود سببها، والعبادة الطاعة، والمخلص في الدين ضد المشرك، وهو الموحد الذي محض طاعته وعبادته لله وحده، ومحصها فلم يشرك به أحدا، والدين يعم كل ما يدان لله به من شعائر وعبادات وشرائع ودعاء وتضرع.

🔹 ولما بدأ السورة بالمصدر ﴿تنزيل الكتاب﴾ وهو محل الخلاف والنزاع بين النبي ﷺ ومن كذبوه حتى قالوا: ﴿وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا﴾ [الفرقان: ٣٢]، أردف ببيان من أنزله ﴿إنا أنزلنا﴾، وعلى من أنزله ﴿إليك الكتاب بالحق﴾.

🔹 وصيغة المصدر تفعيل ﴿تنزيل﴾ من الفعل المتعدي نزّل المضعف، ينزّل، تنزيلا، وهو يفيد معنى التأكيد، والمبالغة، والتكرير، وذلك لتكرر إنزال القرآن بحسب الوقائع التي تقتضيه، بخلاف التوراة والإنجيل، والكتب التي أنزلها الله جملة واحدة، وهو ما جعل المشركين يجادلون في سبب نزوله على هذا النحو الذي خالف ما عليه كتب الأنبياء قبله.

#تدبر

📎مجموع النظرات

https://tinyurl.com/542d9uef

﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
Forwarded from مؤتمر الأمة
"مؤتمر الأمة"
يعزي بالشيخ عبدالمجيد الزنداني
قال تعالى ﴿وَالَّذينَ هاجَروا فِي اللَّهِ مِن بَعدِ ما ظُلِموا لَنُبَوِّئَنَّهُم فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَلَأَجرُ الآخِرَةِ أَكبَرُ لَو كانوا يَعلَمونَ﴾ [النحل: ٤١]

إن "مؤتمر الأمة" إذ يعزي الشعب اليمني وأسرة الفقيد خاصة، وشعوب الأمة عامة، بوفاة العلامة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، الذي قضى حياته في سبيل دينه، وأمته: عالما داعيا، ومصلحا مجاهدا، حتى وافاه الأجل مهاجرا في سبيل الله، ثابتا، صابرا، لم يثنه مصابه في وطنه، وكبر سنه، واشتداد مرضه، من القيام بالحق، والصدع به..
ليستذكر آخر أعمال الفقيد الصالحات وذلك بدعوته الأمة وشعوبها إلى الوقوف مع غزة وأهلها، واستنهاضه الجميع لها، والدفاع عنها، وهي تواجه عدوان الحملة الصليبية الصهيونية الإجرامي الغاشم ..
وفي الحديث (إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله، ووفقه لعمل صالح قبل الموت، ثم قبضه عليه).
وهذه من عاجل بشرى الفقيد..
ونسأل الله له الرحمة الواسعة، والفردوس الأعلى من الجنة، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..
وأن يعظم أجر أهله وذويه ومحبيه..
وأن يحسن عزاء الأمة فيه..
﴿وَمَن يُهاجِر في سَبيلِ اللَّهِ يَجِد فِي الأَرضِ مُراغَمًا كَثيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ ثُمَّ يُدرِكهُ المَوتُ فَقَد وَقَعَ أَجرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفورًا رَحيمًا﴾ [النساء: ١٠٠]

الأمين العام لمؤتمر الأمة
أ.د حاكم المطيري
"مؤتمر الأمة"

‏يعزي بالشيخ عبدالمجيد الزنداني

https://hottg.com/omahone/95
﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
قال تعالى: ﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعدَ ظُلمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيهِم مِن سَبيلٍ ۝ إِنَّمَا السَّبيلُ عَلَى الَّذينَ يَظلِمونَ النّاسَ وَيَبغونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ أُولئِكَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [الشورى: ٤١-٤٢]
‏وقال النبي ﷺ: (لتأخذنّ على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض).
‏وقال: (إذا رأى الناس الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه).

‏⁧ #الكويت
‏⁧ #مساعد_القريفه
‏⁧ #الحرية_لمساعد_القريفه

﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
حزب الأمة يدعو إلى الإفراج عن المرشح مساعد القريفه

إن حزب الأمة إذ يدعو السلطة إلى سرعة الإفراج عن السيد مساعد القريفه ليؤكد رفضه لهذه الممارسات التعسفية التي تعرض لها المرشح السابق لمجلس الأمة والذي كفلت له الشريعة والدستور والقانون حق إبداء الرأي السياسي وهو ما صادرته السلطة باعتقاله وحبسه على ذمة التحقيق لدعوته للإصلاح .
كما يدعو حزب الأمة أعضاء مجلس الأمة للمبادرة إلى حماية هذا الحق الشرعي والدستوري في حرية إبداء الرأي السياسي ومنع الحبس الاحتياطي في مثل هذه القضايا التي هي من ضرورات العمل السياسي والبرلماني ..
كما يدعو القوى السياسية والمجتمعية والحراك الشعبي الإصلاحي إلى الاستمرار في الوقفات الاحتجاجية إلى أن يتم الإفراج عن السيد مساعد القريفه ووقف هذا النهج السلطوي في قمع الحريات ومصادرة الحقوق والذي رفضه الشعب الكويتي وعبر عن ذلك سابقا في تظاهرات (دواوين الاثنين) ومسيرات (كرامة وطن) وما يزال يؤكد رفضه له.
حزب الأمة
الخميس 16 شوال 1445هـ
25 أبريل 2024م
#نظرات_قرآنية في #سورة_الزمر

- ﴿أَلا لِلَّهِ الدّينُ الخالِصُ وَالَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِهِ أَولِياءَ ما نَعبُدُهُم إِلّا لِيُقَرِّبونا إِلَى اللَّهِ زُلفى إِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ بَينَهُم في ما هُم فيهِ يَختَلِفونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدي مَن هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ ۝ لَو أَرادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصطَفى مِمّا يَخلُقُ ما يَشاءُ سُبحانَهُ هُوَ اللَّهُ الواحِدُ القَهّارُ ۝﴾ [الزمر: ٣-٤]

🔹 جاء الأمر في السورة مباشرة بعبادة الله وحده ‏﴿فاعبد الله مخلصا له الدين . ألا لله الدين الخالص﴾، وهو موضوع السورة الرئيس ومقصودها الأهم، والذي سيفترق فيها الخلق إلى زمرتين: المؤمنين، والكافرين.

🔹 وجاء التعليل للأمر‏ ﴿ألا لله الدين الخالص﴾ من فرائد الألفاظ القرآنية، فلم ترد صيغة اسم الفاعل ‏﴿الخالص﴾ إلا في هذا الموضع في القرآن كله، وجاءت صفة للدين، وهذا اللفظ الفريد أشبه بحجر الأساس في السورة، فلو أريد إيجاز موضوعها لكان باختصار (إخلاص الدين) لله وحده لا شريك له.

🔹 واللام في ‏﴿لله﴾ للاستحقاق التام الكامل، فالدين كله لله:
١- ابتداءً فهو الذي أمر به وشرعه لعباده، كما قال تعالى: ‌‏﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ [آل عمران:١٩].
٢- وأثناءً فهو الذي يستحق وحده من عباده كل صور التذلل والطاعة والعبادة، كما قال تعالى: ‏﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾[البينة:٥] ويخلصوا الدعاء والتوسل إليه وهي من معاني الدين، كما قال الله عن عباده إذا مسهم الضر في البحر ‏﴿دعوا الله مخلصين له الدين﴾[يونس:٢٢]، ولا يخلصون في شيء حينئذ إلا في الدعاء والتضرع.
٣- وانتهاءً فهو الذي له وحده الحكم والجزاء يوم القيامة لمن أطاعه، ولمن عصاه، والجزاء من معاني الدين أيضا، كما قال تعالى: ‏﴿مالك يوم الدين﴾[الفاتحة:٤] يعني: يوم الجزاء.

🔹 والدين الخالص هو دين الإسلام، الذي أبطل كل صور الإشراك بالله، وأمر بإفراد الله وحده لا شريك له، بكل معاني التوحيد وذلك:
١- توحيده في ذاته وألوهيته ‏﴿لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه﴾[القصص:٨٨].
٢- وتوحيده وإفراده بصفاته ﴿ليس كمثله شيء﴾[الشورى:١١].
٣- وتوحيده بأسمائه ﴿ولله الأسماء الحسنى﴾[الأعراف:١٨٠]، لا لغيره.
٤- وإفراده وتوحيده في الأمر والحكم ‏﴿إن الحكم إلا لله﴾[يوسف:٤٠].
٥- وتوحيده في العبادة والطاعة ‏﴿أمر ألا تعبدوا إلا إياه﴾[يوسف:٤٠]. وبهذا الشمول لكل معاني التوحيد، يتجلى كمال الدين الخالص في الإسلام ‏﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾[المائدة:٣].

🔹 وقد قرر هذه الحقيقة المطلقة بأوضح صور التأكيد، وذلك بالجملة الاسمية من المبتدأ والخبر ‏﴿لله الدين الخالص﴾ التي تفيد الثبوت والاستقرار، وتقديم الخبر من الجار والمجرور لإفادة معنى حصر الاستحقاق، فقدم ‏﴿لله﴾ وجاء بأداة التنبيه ‏﴿ألا﴾ لقطع كل أوهام الشركة له أو معه في عبادته وطاعته، التي قد يتوهمها المشركون لمعبوداتهم وملوكهم وأحبارهم ورهبانهم.

🔹 وقد جاء القرآن كله والسنة النبوية في بيان أحكام هذا ‏﴿الدين الخالص﴾ الصافي من كل شوائب الشرك والوثنية والتحريف التي شابت كل الأديان قبله، فلم يبق شيء من صور الشرك الجلي أو الخفي، الظاهر أو الباطن، العلمي أو العملي، إلا وبينه وحذر منه، فقال عن شرك الحكم:‏ ‏﴿ولا يشرك في حكمه أحدا﴾[الكهف:٢٦]، وعن شرك العبادة ‏﴿ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾[الكهف:١١٠]، وعن شرك الطاعة ‏﴿ولا أشرك بربي أحدا﴾[الكهف:٣٨]، وعن شرك الدعاء ‏﴿إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا﴾[الجن:٢٠].

🔹 وأبطل الإسلام كل عمل غير خالص لله، أو يراد به غير وجه الله فقال النبي ﷺ كما في الصحيح: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه).
فقوله: (من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) هو معنى ﴿لله الدين الخالص﴾، فالله لا يقبل إلا العمل الخالص له، وأما غير الخالص فليس لله فيه شيء، بل كله لمن أشرك به مع الله.
وجاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: (أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال رسول الله ﷺ: لا شيء له! فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله: لا شيء له! ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا، وابتُغيَ به وجهه).
🔹 وضابط الإخلاص وحقيقته هو إفراد الله وحده بالقصد والفعل في كل عمل يراد منه الثواب والأجر الأخروي، سواء كان عبادة كالصلوات والحج، أو طاعة كالجهاد والقتال في سبيل الله، أو عملا من أعمال البر والخير كالصدقات.
فإن فعل المؤمن العبادة أو الطاعة لوجه الله ثم طرأ عليه قصد دنيوي، أو كان القصد الدنيوي تبعا لا أصلا، بحيث لو تخلف حصوله، لم يتوقف المؤمن عن عمله، فإن ذلك لا ينافي الإخلاص، وإن كان ينافي كماله، كما لو قصد الحج عبادة لله، وأراد التجارة تبعا، بحيث لو لم تتيسر التجارة لم يتوقف عن الحج.
فإن تساوى القصدان كما في هذا الحديث لمن أراد الجهاد للأجر الأخروي، والذكر والثناء بين الناس، فهنا يبطل العمل الأخروي، وأما إن قصد الجهاد لوجه الله أصلا، وأحب أن يحمد فعله عرضا وتبعا أثناء القتال لا قصدا ابتداءً، فهذا الذي أجازه النبي ﷺ كما في الحديث الحسن عن ابن الحنظلية قال: (بعث رسول الله ﷺ سرية، فلما قدمت جاء رجل حتى جلس في المجلس الذي فيه رسول الله ﷺ، فقال لرجل إلى جنبه: لو رأيتنا حين لقينا العدو، فطعن فلان فلانا، فقال: خذها وأنا الغلام الغفاري، كيف ترى؟ قال: ما أراه إلا قد أبطل أجره، قال آخر: ما أرى بأسا؛ فتنازعوا في ذلك حتى سمع رسول الله ﷺ، فقال: سبحان الله! لا بأس أن يحمد ويؤجر).
فهذا المجاهد جاءت كلمته عرضا وهو قوله: (خذها وأنا الغلام الغفاري) افتخارا بشجاعته، بما يؤدي إلى مدحه والثناء عليه، ولم يكن قصدا له ابتداءً كما صاحب الحديث الأول الذي يخرج للأجر والذكر معا.

🔹 وقد بيّن النبي ﷺ خفاء الشرك، وعمومه لكل أعمال القلوب، ودخوله في كل حب لشيء من الجور الذي حرمه الله، وبغض لشيء من العدل الذي شرعه الله وأوجبه، سواء كان ذلك الحب من العبد أو البغض لحظ نفسه وهواه، أو لحظ مخلوق آخر سواه، إذ ينافي ذلك الدين الخالص لله، الذي جاء بالحب الخالص لله، والحب لكل ما شرعه وأمر به، والبغض لكل ما نهى عنه وحرمه، كما روي عن عائشة مرفوعا وصححه الحاكم: (الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل، على الصفا، في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على شيء من الجور، أو تبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب في الله، والبغض في الله؟ قال الله تعالى: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾).
وقال أيضا ﷺ: (يا أبا بكر، للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، والذي نفسي بيده، للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا فعلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم).

🔹 وقد بلغ حرص النبي ﷺ على بيان حقيقة ﴿الدين الخالص﴾ حتى في الألفاظ في الكلام بحيث لا تحمل دلالاتها أي شبهة إشراك بالله، ولو كان لفظيا لم يقصد المتكلم به التشريك، ولم يخطر بباله حقيقة معناه، حتى قال ﷺ للخطيب الذي قال: ‏(من يطع الله ورسوله، فقد رشد، ومن يعصهما، فقد غوى، فقال رسول الله ﷺ: بئس الخطيب أنت! قل: ومن يعص الله ورسوله)، فأمره بالفصل بين الله ورسوله بواو العطف التي تقتضي المغايرة بين الخالق والمخلوق، فلا يتصور السامع أن طاعتهما واحدة، فيتوهم الشركة بينهما.
وقال للرجل الذي قال ما شاء الله وشئت! فقال له النبي ﷺ: (أجعلتني لله عدلا [أو ندا]! بل ما شاء الله وحده)، وهنا نهاه حتى عن العطف والفصل بينهما، وأمره بإفراد الله وحده بالمشيئة، لأنه ليس للنبي ﷺ شيء منها أصلا، بخلاف الطاعة التي أوجبها الله لرسوله ﷺ مع طاعته.

🔹 وبعد الدعوة إلى ﴿الدين الخالص﴾ شرعت السورة مباشرة في بيان بطلان شبهة من أشركوا بالله غيره ‏﴿والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ والزلفى القرب الشديد، والأولياء هم الشفعاء والوسطاء الذين يتوجه المشركون لهم في عبادتهم أو دعائهم وتوسلهم وتضرعهم، خوفا أو طمعا، رجاء أن يشفعوا لهم عند الله، أو يقربوهم إلى الله، أو يدفعوا عنهم الضر، أو يجلبوا لهم الخير، سواء كان هؤلاء الأولياء والشفعاء رسلا وأنبياء، أو ملوكا ورؤساء، أو أحبارا وعلماء.

🔹 والعبادة تطلق ويراد بها الدعاء والتوسل وهو مقصود العابد، كما قال تعالى: ﴿ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ۝ وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين﴾ [الأحقاف: ٥-٦].
فذكر هنا دعاء المشركين غير الله، وأن هؤلاء المدعوين لا يسمعون دعاء من يدعوهم، ولا يستجيبون لهم، بل هم غافلون عنهم، وسمى هذا الدعاء عبادة، كما في الحديث: (الدعاء هو العبادة).
وقال عمن يدعون غير الله من الأنبياء والصالحين ويستغيثون بهم لدفع الضر عنهم: ﴿قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ۝ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا﴾ [الإسراء: ٥٦-٥٧].
🔹 وقد بين الله أن الحكم إليه وحده بين عباده فيما اختلفوا فيه، من ‏أمر الدين الخالص، أو أمر الإشراك به ودعاء غيره ‏﴿إنّ الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون﴾، وقد حكم الله بينهم في هذا القرآن، وبين حقيقة الدين الخالص الذي شرعه ورضيه لعباده وأنه دين الإسلام، وأبطل كل دين سواه، فقال: ‏﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه﴾[آل عمران:٨٥]، ثم حكم على كل من خالف دينه الخالص وعبد غيره أو دعاه ليقربه إلى الله بأنه ضال كاذب كفار ‏﴿إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار﴾، فالدين الخالص يقوم على الإيمان والصدق والحق الذي أرسل الله به رسله، وأنزله في كتبه، وهو ما هدى الله إليه عبادة المسلمين المؤمنين؛ لأنهم صدقوا الله ورسله، واتبعوا هداه وسبيله الذي شرعه، بخلاف من كذب على الله وكذّب رسله، وكفر بما جاءوا به، فإنه لا يمكن أن يكون على هدى أو أن يهديه الله على تلك الحال.

🔹 ولما كان أعظم كذب على الله وكفر به هو نسبة الولد إليه، وكان أعظم الاختلاف ما وقع بين أهل الكتاب في شأن المسيح وأنه ولد الله جاء تنزيه الله عن ذلك ‏﴿لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء﴾ كما قال اليهود عزير ابن الله، وقال النصارى المسيح ابن الله، فقال تعالى عنهم: ﴿وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ۝ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون﴾ [التوبة: ٣٠-٣١].
وقال عنهم وعن مشركي العرب الذين قالوا بأن الملائكة بنات الله وصوروا أصنامهم اللات والعزى على هذا الأساس: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ۝ لقد جئتم شيئا إدا ۝ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ۝ أن دعوا للرحمن ولدا ۝ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ۝ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا﴾ [مريم: ٨٨-٩٣].

🔹 ووجه الاحتجاج عليهم في قوله: ﴿لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء﴾ أنه سبحانه لما كان هو الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد، وهو وحده واجب الوجود، فيستحيل أن يكون له ولد حقيقة، وإنما غاية من يمكن جدلا هو أن يتخذ سبحانه ما يشاء من مخلوقاته وعباده من يصطفيه عليهم لهذه المكانة، إذ هذا الاختيار والاصطفاء في حيز الإمكان، إلا أنه لم يفعل ذلك تنزيها لنفسه، وتقديسا لذاته أن ينسب إليه الولد ولو مجازا، ‏ولهذا عقب ذلك بالتنزيه بقوله ‏﴿سبحانه﴾ أن يختار أو يصطفي أحدا لهذه النسبة المجازية؛ لأنه ‏﴿هو الله الواحد﴾ الذي يستحيل أنه يكون له شبيه أو نظير أو كفؤ ثان ولو مجازا فضلا عن الولد حقيقة، ولأنه أيضا ‏﴿القهار﴾ وهو وصف دال على أن كل ما سواه سبحانه مقهور له، مربوب خاضع لجلاله، فلا يتصور أن يكون هناك أولياء يشفعون عنده، أو أنبياء يُتخذون وسائط يعُبدون من دونه، سواء بدعوى البنوة له كعزير والمسيح والملائكة، أو بدعوى الولاية له والنبوة، فالجميع عباده وعبيده، وهو وحده سبحانه ربهم القاهر لهم، فلا يخرج أحد منهم عن سلطانه وأمره، وقضائه وقدره.

#تدبر

📎مجموع النظرات

https://tinyurl.com/542d9uef

﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
نظرات [سورة الزمر ٣-٤].jpg
4.7 MB
#نظرات_قرآنية في سورة الزمر

- ﴿أَلا لِلَّهِ الدّينُ الخالِصُ وَالَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِهِ أَولِياءَ ما نَعبُدُهُم إِلّا لِيُقَرِّبونا إِلَى اللَّهِ زُلفى إِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ بَينَهُم في ما هُم فيهِ يَختَلِفونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدي مَن هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ ۝ لَو أَرادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصطَفى مِمّا يَخلُقُ ما يَشاءُ سُبحانَهُ هُوَ اللَّهُ الواحِدُ القَهّارُ ۝﴾ [الزمر: ٣-٤]


https://hottg.com/DrHAKEM/12922
📎
https://hottg.com/DrHAKEM/12923
📎
https://hottg.com/DrHAKEM/12924
📎
https://tinyurl.com/542d9uef

﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
HTML Embed Code:
2024/04/26 05:43:39
Back to Top