يتأرجح الكائن البشري في حياته دومًا بين الألم والضجر، فهو يتألم إن لم ينل مُرادَه أو ما يلتذّ به، فيسعى جاهدًا إلى تحصيله، ثم إذا حصل مطلوبه وتنعّم به زمنًا يطول أو يقصر؛ لا يلبث أن يملّه ويضجر منه، بل ربما كرهته نفسه التي طالما تاقت إليه، ثم يعود إلى البحث عن مطلوبٍ آخر، ليدفع عن نفسه هذه السآمة السّامة¹.
فـ( الإنسان هو مِن التعاسة بحيث يسأم دونما أي سبب للسأم، بل بمجرد حاله مزاجه!)
وإلى هذا المعنى يشير چورچ برنارد شو في قوله:
"في الوجود كارثتان: تحدث الأولى عند عدم إشباع رغباتنا، وتحدث الثانية عند إشباعها."
فلا يزال المرء مُنغّص العيش ما دام حيًّا، وهذه الحال تدل على أنّ الغاية تقع وراء الحياة المادية المنظورة؛ فلو أنّ الحياة تمتلك أي قيمة إيجابية بحد ذاتها، لَمَا وُجِدَ شيئًا كالضجر أصلًا، ولكانَ مجرد الوجود يُرضينا بحد ذاته، فلا نحتاج شيئًا.
--------------
¹· وصف الله عز وجل الملائكة بعدم السأم، فقال تعالى ﴿فإنِ استكبَروا فالّذينَ عِندَ رَبِّكَ يُسبّحونَ له بالليل والنّهار وهم لا يَسئَمون﴾.
فعدم السأم مُطلقًا حالة ملائكية لا إنسانية، ولهذا ورد التشريع الإلهي مُراعيًا هذه النقيصة الإنسانية، يقول ابن عطاء الله السكندري:
«لَمّا عَلِمَ منك وجود الملل، لَوَّنَ لك الطاعات»
وهذا التنويع -كما يذكر العلامة زورق المالكي رحمه الله- فيه: " إعانة للمُوفَّق، وحُجّة على المخذول، وكرامة للمحقّق بتيسير أسباب العبودية"
كما أنّ من كمال نعيم الموعود في الجنة: انتفاء الملل.
كما في قوله تعالى واصفًا حال أصحاب الجنة: ﴿خالدين فيها لا يَبْغون عنها حِولًا﴾
فقد يُتَوهم أن طول الإقامة مِدعاة للسآمة والملل فنفىٰ سبحانه ذلك عنهم؛ لأنه لا مزيد على هذا النعيم.
.
[كتاب معنى الحياة في العالم الحديث | عبد الله الوهيبي]
>>Click here to continue<<