لا نقول الوداع؛ لأن الوداع كلمة ضياع، مثل سفينة بلا شراع،
بل نقول إلى اللقاء، إلى أن نلتقي في يوم آخر.
في تلك اللحظات، امتزجت مشاعرها بين الحزن و الحبور، سعيدة بإيصال ضيوفها الأعزاء لمنزلهم سالمين، حزينة على فراق حتمي و معرفة بأنها قد لا تراهم مجددا.
كان كارتر يراقب الطريق بشرود عبر النافذة،
بينما صغاره يستمتعون بتناول الشطائر و هم يتسامرون فيما بينهم، و القط الأسود يجلس قرب لينيريا مستمعا لهم باهتمام،
وصلت السيارة لمشارف مدينة آركس، لتطل لينيريا عبر نافذة السيارة و تهتف:
" عدنا لحينا!"
اقترب سوير و سارة ليتأملا الطرق و المنازل بحنين و سعادة،
لينظر كارتر عبر النافذة المقابلة و يتأمل الطريق بشرود، تلك المنازل و الأشجار، و الوجوه بدت مألوفة له، بطريقة ما شعر و كأنه كان هنا في وقت ما، لتتراىء له صور له و هو يجلس في ذلك المرج الأخضر، ممسكا بيد شابة شقراء مبتسمة،
هز راي رأسه لتختفي الصورة و يفكر فيم سيفعله.
توقفت السيارة الحمراء في شارع الياسمين، ليخرج الصغار حاملين حقائبهم معهم و يقفز القط لتحمله لينيريا بين ذراعيها،
نزل كارتر كذلك لتنزل إيلين و تخاطبهم بابتسامة:
" إنه وقت الفراق يا أعزائي، إلى اللقاء.
من الأفضل أن تذهبوا للمنزل بمفردكم"
صرخ الصغار ليتمسكوا بفستانها الزهري و يخاطبها سوير:
" لا تتركينا يا إيلين! فلتعيشي معنا!"
" جدتي و أمي ستحبانك كثيرا! مدينتنا جميلة أيضا!"
أضافت سارة لتردف لينيريا:
" لدينا غرفتان خاليتان، يمكنك أخذ واحدة"
ابتسمت إيلين لتربت على رؤسهم و تجيب:
" كم كنت أتمنى ذلك، لكنني لا أستطيع.
والدتكم طيبة، و جدتكم كذلك، و منزلكم جميل،
لكنني لا أستطيع ترك منزلي أيضا، و أصدقائي و من أقوم بحمايتهم هناك، و شجراتي و زهراتي،
و السيد أصفر و ألفين و إيلدون و كالان، إنهم عائلتي و لا أستطيع تركهم"
أومأ الصغار بحزن لتدس إيلين كيسا صغيرا أحمر اللون حريريا بين كفي سوير و تهمس:
" عشرون ألف قطعة ذهبية، ستجدها هنا"
ابتسم سوير بسعادة ليشكرها لتقترب لينيريا متسائلة بحزن:
" إيلين، ألن نراك مجددا؟"
أشارت إيلين للسماء لتجيب:
" عندما يحل المساء، و تشاهدون شهابا ذهبيا يسقط من السماء، فاعلموا بأنني أرسل تحياتي لكم"
ثم أضافت:
" عندما تكبرون، و تصيرون أقوياء كفاية لكي لا تقلقوا والدتكم عليكم، سأكون في انتظاركم"
أومأت لينيريا بابتسامة لتقترب إيلين من راي و تخاطبه:
" هيا أمض، سيد كارتر، أتمنى لك التوفيق.
هذه السيارة الحمراء لك"
اتسعت عينا راي دهشة لتلوح إيلين للجميع ثم تسير مبتعدة،
ليهتف راي:
" انتظري! لماذا تعطينني السيارة؟"
توقفت إيلين لتلتفت و تجيبه بابتسامتها الفاتنة:
" لتوصلك للأماكن العزيزة، التي لم تزرها منذ وقت طويل"
ابتعدت إيلين تسير بمهل، ليلتفت جميع السكان محدقين نحوها، مشيتها الأبية و فستانها الذي يعانق الأرض،
راقبها الصغار مع والدهم كذلك حتى تضاءلت، ثم اختفت.
كانت آنا منهمكة في الإعتناء بحديقتها الجميلة، حديقة الفريز،
ابتسمت آنا لترفع رأسها و تنظر للسماء، بعد الرسالة التي تلقتها اطمئن قلبها قليلا و عادت لمنزلها في انتظار صغارها.
مسحت آنا قطرات العرق من جبينها لتفكر في الاسم،
إيلين، كانت الرسالة مميزة حقا، علاوة على الورقة القديمة و الكتابة ذات اللون الذهبي و اللفافة الحريرية التي غلفت الرسالة،
حديثها و كتابتها منحت آنا كثيرا من الإطمئنان بشكل مفاجيء، كثيرا من السلام و كأن ماء صافيا غسل قلبها المتألم و داواه.
رفعت آنا رأسها لرؤية سيارة حمراء جميلة تقترب من المنزل، لتنهض و تخلع القفازين البلاستيكيين و تنفض الغبار من فستانها البنفسجي لتخرج لرؤية ضيوفها .
توقفت السيارة ليفتح الباب الخلفي،
نظرت آنا مترقبة لتلاحظ قمة رأس ذهبية صغيرة فقط،
لتركض لينيريا و هي تصرخ بحماس:
" أمي! لقد عدنا!"
شهقت آنا بصدمة لتجثو على الأرض و تعانق لينيريا بقوة، انسابت دموعها و هي تردد:
" لينيريا! ابنتي الصغيرة!"
تلمست آنا صغيرتها بعدم تصديق ليسرع التوأم ليعانقاها و هما يبكيان،
عانقتهما آنا لتشد على ظهريهما و تخاطبهما:
" تهربون من المنزل بعد أن توقعوا على رسالة و تذهبوا لمكان غير معروف؟
هل هذا ما علمته إياكما؟! ألم تعلموا كم قلقت عليكم و كدت أن أجن، و بحثت و سافرت للعاصمة أملا في إيجادكم؟ لماذا تفعلون بي هذا أيها الأشقياء؟!"
"أنا آسف، تلك كانت فكرتي، سارة و لينيريا تحمستا للذهاب معي، إنه خطأي أنا"
اعترف سوير بدموع منسكبة لتضيف سارة:
" لا! إنه خطأي أيضا! لو لم أحرض سوير لما تشجع للذهاب أصلا، أنا خططت أيضا!"
اقتربت لينيريا لتضيف:
" إنه خطأي أنا!
مع أنني لا أعلم ما فعلته"
ضحك التوأم لتضحك آنا و تمسح دموعها، لتلاحظ للرجل الوافق قرب السياج،
نهضت آنا لتكفكف دموعها و تخاطبه:
" معذرة، لم أنتبه لوجودك.
أنت من أحضر أبنائي لهنا، شكرا جزيلا لك يا سيد..."
توقفت آنا عن الحديث لتحدق نحو الرجل طويلا،
تلك القام
>>Click here to continue<<