ننسى بسبب الآلام الشديدة التي معها لا يسعنا التفكير بصورة متزنة، ننسى الآلام لكي نستمر في العيش،
لكي نسير قدما و نمضي، كان كارتر متأكدا أن ما فقده من ذكريات لحكمة إلهية، لكي ينسى كل آلام الحرب.
كان يبتسم من حين لحين و هو يستمع بحبور و حنين لما يقصه عليه الأطفال،
المنزل القرميدي ذو الطابق الواحد و الطلاء الأبيض و الأحمر، حديقة الفريز الصغيرة التي زرعتها آنا،
آنا و تفانيها في عملها و اهتمامها بهم، الشاحنة الحمراء الصغيرة التي يقودها آدم،
الجدة جورجينا و حكاياها الجميلة، مخبز العم آنطون في حي الياسمين،
البحيرة الصغيرة و المدرسة التي تقع قرب البئر القديمة،
نزهاته مع سوير و سارة للمرج القريب حيث يراقبون الأبقار و يعزف لهم بالجيتارة ليغنيا معه.
لسبب ما، شعر راي بالحنين لكل تلك القصص،
تنهد ليرفع رأسه للسماء بنظرة متأملة و يضيف:
" ذلك يبدو كالوطن بالنسبة لي"
ابتسم الصغار بحماس ليضيف:
" لكن لا يمكنني ترك هذا المكان ببساطة،
أنا أيضا أعتبره كالوطن بالنسبة لي، الجميع هنا طيب و مسالم، و لهم علي أفضال كثيرة، مكثت معهم لسنوات لذلك قرار كهذا سيكون صعبا.
و لو كنتم محقين... هل ستسامحني والدتكم بعد كل تلك الآلام التي قاستها بسببي؟
كانت تظنني ميتا بينما كنت حيا أرزق،
و أعود فجأة، أعورا معدما بلا مال لا يتذكرها حتى"
اختفت ابتسامات الصغار ليأتي صوت حنون رقيق مجيبا له:
" بالتأكيد ستنتظرك، و ستسامح غيابك بمجرد رؤيتك.
المظهر لا يهم ما دامت روحك كما هي، و قلبك كذلك."
التفت الجميع لمصدر الصوت ليشاهدوا جنيتهم الجميلة تقف على مقربة منهم،
بطلتها الساحرة و فستانها الوردي المختال على الأرض،
بينما صوص أصفر صغير يقف على كتفها اللؤلؤي بقبعته الصوفية الحمراء بكرة خضراء صغيرة.
فتح راي فاه دهشة ليحدق بإيلين بعدم تصديق،
ليقفز الصغار ليعانقوها و يهتفوا بسعادة.
اجتمع كثير من السكان لرؤية الأميرة الفاتنة في ساحة المدرسة ليتجمهر عدد كبير،
ابتسمت إيلين لترفع يدها محيية الجميع،
اقتربت فتاة صغيرة لتلمس فستان الجنية الزاهي و تخاطبها:
" أنت جميلة جدا أيتها الآنسة! هل أنت أميرة؟"
ابتسمت إيلين لتجيبها:
" مجرد ضيفة، جئت لرؤية المعلم كارتر"
ثم التفتت مخاطبه راي:
" أود التحدث معك قليلا، سيد كارتر"
أومأ كارتر ليقف بسرعة و يشير لها لتتبعه لمنزله،
ركض الصغار كذلك خلفهم للمنزل الصغير في نهاية الشارع.
توقف راي ليبحث في جيبه عن المفاتيح لترفع إيلين يمناها لتنظر نحو الشمس و السماء،
ابتسمت الجنية لتخاطب الصوص الصغير:
" إنها أول مرة نخرج فيها من الغابة منذ سنوات طويلة،
نسيم الهواء مختلف هنا، و الشمس ساطعة أكثر"
أومأ الصوص لتهب نسمة هواء لطيفة لتغمض إيلين عينيها باستمتاع بينما النسيم يداعب خصلات شعرها المتموجة الذهبية،
اقترب أحد الشبان راكضا ليقترب من الجنية و ينحني باحترام،
بحزام جلدي فاخر أسود اللون كشعره و ملابس زرقاء،
رفع رأسه ليحدق بالجنية باندهاش و إعجاب ليخاطبها:
" أيتها الآنسة النبيلة، هل لي الشرف بمعرفة اسمك؟
أنا سيمون دارون، ضابط في الشرطة و مسؤول عن حماية القرية"
رمقته إيلين بين رموشها الكثيفة ليحدق بعينيها السحريتين الزرقاوتين طويلا،
اقترب كارتر ليربت على كتف الشاب و يخاطبه:
" سيدي الشاب، من غير اللائق الإقتراب من ضيوف الآخرين هكذا"
دخلت إيلين ليتبعها الصغار بينما تعالت قهقهات سارة التي لم تمسك نفسها من الضحك،
ليدخل راي و يغلق الباب بينما انتبه الشاب لنفسه ليبتعد ببطء بينما نظرات الناس تلاحقه و بعض الضحكات،
بيد أنه كان في عالم آخر ليقترب من صديقه الجالس تحت الشجرة و يخاطبه:
" لم أر جمالا و إباء كهذا في حياتي.. لقد وقعت في حبها و انتهى الأمر، يجب أن أعرف من تكون و أين تعيش، و كل شيء عنها"
رفع صديقه كتفيه بقلة حيلة ليتنهد قائلا:
" إنها رائعة نعم، لكن ألا تفكر أنك كنت تبدو كالأحمق؟
من غير اللائق الإقتراب من فتاة لا تعرفها بهذه الطريقة، ستعتبرك أحد المتطفلين و لن تعيرك انتباها حتى، علاوة على ذلك ستصير أضحوكة الحي لعدة أيام"
زم سيمون شفتيه ليقول:
" لا بأس، سأتبعها لأعرف منزلها و أتعرف عليها بطريقة لائقة"
جلست إيلين بهدوء على المقعد الخشبي القاسي ليقترب كارتر و يسحب مقعدا ليجلس مقابلا لها،
ابتسمت الجنية بلطف لتخاطب راي:
" آسفة للقدوم بدون موعد مسبق، لكن الأمر لا يستحمل الإنتظار.
أنا إيلين، جئت من مكان قريب من هنا.
لقد رأيت ما قاساه الصغار من متاعب لإنقاذ منزلهم و أسرتهم،
إنهم طيبون جدا، و يستحقون كل الخير، لقد مكثوا معي وقتا، لذلك قدمت لهم يد العون و وعدتهم أيضا بالبحث معهم عن والدهم"
أومأ راي ليخاطبها:
" سعيد بمعرفتك آنسة إيلين.
و لطف منك الإعتناء بالصغار، هذا يدل على طيبة قلبك و حسن سريرتك"
أومأت إيلين بامتنان لتضيف:
" لقد جاء هؤلاء الصغار لي بعد جهد مقدر و مخاطر عديدة، كل ذلك كان في سبيل أن ينقذوا منزلهم، ووالدتهم، لقد تألموا، و
>>Click here to continue<<