••
تسيء الظنّ بالمحيط عندما تراه يفجّر طاقته بأمواجٍ غير ضرورية. تسيء الظنّ بالشاعر عندما تراه يقول عبثاً لا يجاوز فمه، بل هو الاحتباس الداخلي الذي يريد الانهمار في كليّة الإبداع الكوني. تلك الجميعة المشرقة وذلك التناقض الهائل، بين شاعرٍ محبّ وآخر يرثي الحبّ، بين من يصف جمال ليلى ويزوّي شدقها الميّاس ليتناسب مع روي القصيدة. وبين من يذمّ الحبّ ويرثي لنفسه وتطير أنفاسه مع أجنحة ليلى التي طارت. ذاك يحبّ وذاك يذمّ الحبّ، ذاك يرهف السمع لهمس الإيقاع في صناجة العشق، وذلك يمزّق أكمام الكمان ويحوّله لخشبٍ يستدفئ به. إنّها جميعة المشاعر بكلّ هالتها المتضاربة وعنفوانها المرّ. ولكنّ هي موجودة بكلّ الأحوال. بنفس الثانية هناك من يصف القمر بلوحة انطباعية تتداخل بها عناصر الهمس واللمعان والدلال بكامل البراءة والانسياب، وهناك من يرسمه بلوحةٍ تقليديّة يحفّ القمر بلونٍ ظليلي أسود كيلا يتداخل مع عناصر قلبه الذي سبق وأن تمزّق عندما ترك الموجودات تتواشج على سجيّتها. أمواج البحر لا تلطّخ الشواطئ بطاقةٍ مهدورة، بل هناك مسار لتلك الحركيّة الضاربة. وكذلك مشاعر الشعراء المستنزفة، لا تنخر في قلوبهم سدى. بل هي ترسم لنا حضارةً شعريةً نقرؤها جيلاً بعد جيل فطاقتي الحبّ والرثاء لا تضيعان في مساحة كامنة، بل تتحولان إلى مساراتٍ نستطيع تذوّقها على مر الأزمان.
-ياسين أبو خصرين 🌸
>>Click here to continue<<