TG Telegram Group & Channel
سَجَىٰ..☾ | United States America (US)
Create: Update:

بائع العسل
جُبت كل تلك الشوارع، ولم أجد سوى اللؤم ماثلًا أمامي في هيئات مختلفة.
أتذكر تلك المرة التي وقفت عند عجوز كبيرة، قلت لها: أتريدين عسل ربيعي؟، ثمنه بخس، اشتري مني لطفًا، إنه رائع الطعم، كانت هيئتها وقورة، لكن ما أن رمقتني بتلك النظرة الحادة حتى خلت أنني أشحذ، بينما كل ما في الأمر أنني أعرض بضاعتي بطريقة مختلفة حتى إن كان فيها نوع من البروباغندا في نظر العامة.
أقف أمام عتبات المحالّ التجارية و أفصح أن لدي "عسل ربيعي، ليس بباهظ، ستسرّون بشرائكم له"، أجوب هنا و هناك حتى ينال مني التعب، فأعود لمنحلتي التي هي ذات تلك الخلية الواحدة التي أقتات منها وأقوم بما يلزم لزيادة انتاج تلك النحلات المذهلة، أتذكر كيف جمعت النحلات نحلة نحلة كالمجنون، كنت أخبر الجيران إن رأوا أي نحلة تجوب منازلهم أو حتى إن وجدوا خلية صغيرة تقطن أحد زوايا حدائقهم الخلّابة أن يخبروني، كان البعض يستلذ بمناداته لي فقط لكي يشعر بنشوة من منظري المهين و أنا أقفز و أجري حتى أمسك بالنحلة بين يدي و الكوب، تعرضت لهذا الموقف عشرات المرات عندما يناديني أحد ما متهكمًا على هدفي في تكوين خلية، لكنني لا آبه، ولا يهمني رأيهم في ما أفعل، لدي هدف صريح ولن أتوقف حتى أحرز ذاك الهدف في تلك المرمى التي في مخيلتي.
في كثير من الأحيان تراودني همسات شيطانية أن هذا العمل لا يوفر لقمة عيش آمنة في ظل غلاء المعيشة، و أن العديد من الأعمال الغير مشروعة ستؤتي ثمارها و زيادة، أنظر لأولادي الذين تعبت في تربيتهم على نهج هذا الدين الحنيف، ماذا سيقولون إن علموا ما يخالج ثنايا قلبي؟
حتمًا ستُكسر ثقتهم العمياء في كون أن كل ما أفعله عين الصواب بالنسبة لهم، استغفر ربي ثمّ أصلي حتى يأخذ مني التعب ما أخذ و أنام و أنا مرتاح البال بلا أي فلس حرام ينبت زقومًا في بطون أولادي، اشتد عود أكبرهم، كان فذًا، بدأ يباشر العمل معي، لكن على طريقته، كان فنانًا في التسويق، أخذ عربة الخضار القديمة التي بليت و حال عليها الزمان، عربة الخضار تلك التي آنستني أيام الصبا في أزقة مدينتنا القديمة، قام بصيانتها بيديه، لوّنها بلون أصفر يخالطه الأبيض الناصع، استعان بأخته كي ترسم له نحلة متقنة، تفننت في رسمها و خطّت له بأناملها اسم ذاك المتجر المتنقل "نحّول للعسل الطبيعي" ضحكت من ظرافة ذلك الاسم، احتج ولدي قائلًا أن هذه الرسوم أفضل ما يتابع من الرسومات المتحركة، لأنها دائمًا ما كانت تذكره بي، تشكلت قسمات وجهي لتكوّن تعبير اختلط بين السعادة و التأثر، احتضنته و بقيت معه حتى السادسة فجرًا نعد تلك العربة بهمة بالغة، حتى بلغت ذروة بهائها - أو هذا ما خيّل لأبصارنا بسبب ما بذلناه لترميمها.
كانت ذات طابع كلاسيكي، بزخرفات غير متقنة، لكنها تذهل بصري كل ما أتذكر أنها من صنع أطفالي.
لم ننم تلك الليلة، حمّلْت العربة بكل ما أملك من عسل، تكفّلَت ابنتي بترتيبها بشكل يجعلها أقرب ما تستطيع للكمال.
و هممنا بالنهوض دون كسل لتجربة الأمر بهذه الطريقة، لاقت استحسانًا لشكلها الملفت، كانت فاقعة اللون، جذبت العديد ممن يهوون التصوير، لفتت ناظر الذين يهتمون بالصناعات المحلية و دعمها، و من ثمَّ انهال الزبائن من كل حدب و صوب، حتى أنها كانت أول مرة أرجع خاوي اليدين من البضاعة و محملًا بالأموال، كان شعورًا رائعًا، فخرت بولدي وحرصت على دعمه ما استطعت.
أصبحت تلك العربة مشهورة، و من يرانا يقوم بتصويرها ويشتري منّا مملوءًا بالسعادة.
كنت طوال تلك الفترة أنام شاكرًا لله قرير العين بعطاياه.
كبرت التجارة شيئًا فشيئًا، حتى تحولت العربة لمقطورة، والمقطورة لمحل مستقل و المحل لفروع عدة، و بطبيعة الحال أصبحت المنحلة ذات الخلية الواحدة، منحلة بمئات الخلايا، وأخيرًا لعدة مناحل مختلفة و كثيرة الخلايا.
العسل ذاته، لم يختلف في شيء، كل ما في الأمر أن غلاف ذاك العسل تغير، واجهة بيعه تغيرت، حتى ثمنه أصبح أبهظ وهو بذات الجودة.
من يومها أدركت أن المظاهر في بعض الأحيان تفوق الجوهر، لن يلتفت أحد للأشياء النائية، كلٌ يعشق المظاهر، فقط ليحمّل صورة في حساباته ويتباهى بأنه حظي بفرصة الحصول على أبهظ ما في السوق، حتى إن كان الأمر لن يضفي عليه أي قيمة بأي نوع كان.
نسي الناس وصية لقمان الحكيم في قوله لابنه:(إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).
كن ما يحتاج القطيع؛ لتنجح، لكن لا تتبع القطيع في اعتقاداتك فليس السائد هو الصائب، و لبئس ما تعمل إن اقتنعت أن ما يفعله غالبية الناس صواب أمرهم، إن تهت في أمر ارجع لسنتك و قرآنك، فلا يضل أولياء الله قيد أنملة.
شدّ الهمة، و سلّم أمرك لله فرزقك مكتوب، أجتهد فالله لا يحب الكسالى، لا مستحيل مع الله، لا مستحيل إن زُيّن قلبك بالإيمان، و عند ضيق السبل، وكِّل أمرك له وحده، لا تقنط، (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ).
سَجَىٰ..
25/4/2022 :)

بائع العسل
جُبت كل تلك الشوارع، ولم أجد سوى اللؤم ماثلًا أمامي في هيئات مختلفة.
أتذكر تلك المرة التي وقفت عند عجوز كبيرة، قلت لها: أتريدين عسل ربيعي؟، ثمنه بخس، اشتري مني لطفًا، إنه رائع الطعم، كانت هيئتها وقورة، لكن ما أن رمقتني بتلك النظرة الحادة حتى خلت أنني أشحذ، بينما كل ما في الأمر أنني أعرض بضاعتي بطريقة مختلفة حتى إن كان فيها نوع من البروباغندا في نظر العامة.
أقف أمام عتبات المحالّ التجارية و أفصح أن لدي "عسل ربيعي، ليس بباهظ، ستسرّون بشرائكم له"، أجوب هنا و هناك حتى ينال مني التعب، فأعود لمنحلتي التي هي ذات تلك الخلية الواحدة التي أقتات منها وأقوم بما يلزم لزيادة انتاج تلك النحلات المذهلة، أتذكر كيف جمعت النحلات نحلة نحلة كالمجنون، كنت أخبر الجيران إن رأوا أي نحلة تجوب منازلهم أو حتى إن وجدوا خلية صغيرة تقطن أحد زوايا حدائقهم الخلّابة أن يخبروني، كان البعض يستلذ بمناداته لي فقط لكي يشعر بنشوة من منظري المهين و أنا أقفز و أجري حتى أمسك بالنحلة بين يدي و الكوب، تعرضت لهذا الموقف عشرات المرات عندما يناديني أحد ما متهكمًا على هدفي في تكوين خلية، لكنني لا آبه، ولا يهمني رأيهم في ما أفعل، لدي هدف صريح ولن أتوقف حتى أحرز ذاك الهدف في تلك المرمى التي في مخيلتي.
في كثير من الأحيان تراودني همسات شيطانية أن هذا العمل لا يوفر لقمة عيش آمنة في ظل غلاء المعيشة، و أن العديد من الأعمال الغير مشروعة ستؤتي ثمارها و زيادة، أنظر لأولادي الذين تعبت في تربيتهم على نهج هذا الدين الحنيف، ماذا سيقولون إن علموا ما يخالج ثنايا قلبي؟
حتمًا ستُكسر ثقتهم العمياء في كون أن كل ما أفعله عين الصواب بالنسبة لهم، استغفر ربي ثمّ أصلي حتى يأخذ مني التعب ما أخذ و أنام و أنا مرتاح البال بلا أي فلس حرام ينبت زقومًا في بطون أولادي، اشتد عود أكبرهم، كان فذًا، بدأ يباشر العمل معي، لكن على طريقته، كان فنانًا في التسويق، أخذ عربة الخضار القديمة التي بليت و حال عليها الزمان، عربة الخضار تلك التي آنستني أيام الصبا في أزقة مدينتنا القديمة، قام بصيانتها بيديه، لوّنها بلون أصفر يخالطه الأبيض الناصع، استعان بأخته كي ترسم له نحلة متقنة، تفننت في رسمها و خطّت له بأناملها اسم ذاك المتجر المتنقل "نحّول للعسل الطبيعي" ضحكت من ظرافة ذلك الاسم، احتج ولدي قائلًا أن هذه الرسوم أفضل ما يتابع من الرسومات المتحركة، لأنها دائمًا ما كانت تذكره بي، تشكلت قسمات وجهي لتكوّن تعبير اختلط بين السعادة و التأثر، احتضنته و بقيت معه حتى السادسة فجرًا نعد تلك العربة بهمة بالغة، حتى بلغت ذروة بهائها - أو هذا ما خيّل لأبصارنا بسبب ما بذلناه لترميمها.
كانت ذات طابع كلاسيكي، بزخرفات غير متقنة، لكنها تذهل بصري كل ما أتذكر أنها من صنع أطفالي.
لم ننم تلك الليلة، حمّلْت العربة بكل ما أملك من عسل، تكفّلَت ابنتي بترتيبها بشكل يجعلها أقرب ما تستطيع للكمال.
و هممنا بالنهوض دون كسل لتجربة الأمر بهذه الطريقة، لاقت استحسانًا لشكلها الملفت، كانت فاقعة اللون، جذبت العديد ممن يهوون التصوير، لفتت ناظر الذين يهتمون بالصناعات المحلية و دعمها، و من ثمَّ انهال الزبائن من كل حدب و صوب، حتى أنها كانت أول مرة أرجع خاوي اليدين من البضاعة و محملًا بالأموال، كان شعورًا رائعًا، فخرت بولدي وحرصت على دعمه ما استطعت.
أصبحت تلك العربة مشهورة، و من يرانا يقوم بتصويرها ويشتري منّا مملوءًا بالسعادة.
كنت طوال تلك الفترة أنام شاكرًا لله قرير العين بعطاياه.
كبرت التجارة شيئًا فشيئًا، حتى تحولت العربة لمقطورة، والمقطورة لمحل مستقل و المحل لفروع عدة، و بطبيعة الحال أصبحت المنحلة ذات الخلية الواحدة، منحلة بمئات الخلايا، وأخيرًا لعدة مناحل مختلفة و كثيرة الخلايا.
العسل ذاته، لم يختلف في شيء، كل ما في الأمر أن غلاف ذاك العسل تغير، واجهة بيعه تغيرت، حتى ثمنه أصبح أبهظ وهو بذات الجودة.
من يومها أدركت أن المظاهر في بعض الأحيان تفوق الجوهر، لن يلتفت أحد للأشياء النائية، كلٌ يعشق المظاهر، فقط ليحمّل صورة في حساباته ويتباهى بأنه حظي بفرصة الحصول على أبهظ ما في السوق، حتى إن كان الأمر لن يضفي عليه أي قيمة بأي نوع كان.
نسي الناس وصية لقمان الحكيم في قوله لابنه:(إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا).
كن ما يحتاج القطيع؛ لتنجح، لكن لا تتبع القطيع في اعتقاداتك فليس السائد هو الصائب، و لبئس ما تعمل إن اقتنعت أن ما يفعله غالبية الناس صواب أمرهم، إن تهت في أمر ارجع لسنتك و قرآنك، فلا يضل أولياء الله قيد أنملة.
شدّ الهمة، و سلّم أمرك لله فرزقك مكتوب، أجتهد فالله لا يحب الكسالى، لا مستحيل مع الله، لا مستحيل إن زُيّن قلبك بالإيمان، و عند ضيق السبل، وكِّل أمرك له وحده، لا تقنط، (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ).
سَجَىٰ..
25/4/2022 :)


>>Click here to continue<<

سَجَىٰ..☾




Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)