أحاديث فضل ليلة النصف من شعبان
ليس فيها حديث صحيح، بتنصيص نقاد الحديث، ففيها ضعف وانقطاع، وتدليس واضطراب، ولهذا أعرض عنها الشيخان البخاري ومسلم، وانتقدها الحفاظ
ومن صححها من المتاخرين فإنما هو بمجموع طرقها الواهية، وهذا المنهج نفذ منه روايات منكرة، تناقلها الضعفاء والمدلسون والمغفلون
ومن حق مثل هذا الحديث أن يتناقله الثقات ولو بسند واحد متصل
وفضائل الأزمنة أو الأماكن أمور غيبية، طريق العلم بها هو الوحي، فلا بد فيها من حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم
أما المتن فهو منكر، يعني يتضمن معنى غير صحيح مخالف لقواعد الشريعة ونصوصها، كما يلي:
نص الحديث: عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) رواه ابن ماجه ( 1390 ) وفيه ابن لهيعة، ضعيف جدا، ومدلس، وفي السند مجهول أيضا
وفي بعض ألفاظه: (إن الله ينزل..) وبعضها يخلو من لفظ النزول
وفي لفظ : (إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ". أخرجه الترمذي (برقم:739) من حديث الحجاج بن أرطأة، عن يحيى، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، وقال: « لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الحَجَّاجِ»، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا-البخاري- يُضَعِّفُ هَذَا الحَدِيثَ، وقَالَ: يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ، وَالحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ"
وهناك روايات أخرى، كلها مثخنة بالجراح، تناقلها الضعفاء والمدلسون، والمجهولون، لا تنجبر لشدة ضعفها ونكارة متنها( أوردها الشيخ ناصر رحمه الله في سلسلة الصحيحة رقم 1144 وصححها بمجموع طرقها)
وجه النكارة:
1- اضطراب ألفاظه، كما تقدم، وعلى رواية " يطلع" فهي توهم أن اطلاعه تعالى على خلقه خاص بتلك الليلة، مع أن الله تعالى دائم الاطلاع على خلقه
وفي لفظ (يغفر لجميع خلقه) وفي لفظ: ( فيغفر لأكثر من عدد شعر عغنم كلب) وهي قبيلة، وهذا تناقض، ثم لماذا تخصص قبيلة كلب
2- يتعارض مع ما ثبت أن النزول يكون في كل لليلة .
ولهذا لما سئل عبد الله بن المبارك عن نزول الله تعالى ليلة النصف من شعبان قال للسائل : " يا ضعيف ! ليلة النصف !؟ ينـزل في كل ليلة "
رواه أبو عثمان الصابوني في " اعتقاد أهل السنة " ( رقم 92 )
3- يتضمن حديث النصف من شعبان المغفرة للناس بدون تقديم شيء من توبة أو غيرها وهذا غير معهود في الشرع، فنص الحديث (.. فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ).
فهذه مغفرة بدون مقابل، وهذا غير معهود في الشرع، وفيه إرجاء بالغ، ودافع للجرأة على المعاصي اتكالا على المغفرة في ليلة النصف
بينما نلحظ أن الحديث الصحيح في النزول كل ليلة المخرج في الصحيحين ودوواين السنة ، ونصه: (يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟ ) أخرجاه من حديث أبي هريرة
نلحظ أنه جعل المغفرة للمستغفر، والإجابة للداعي، والعطاء للسائل، فهي مقابل قيامهم في الثلث الأخير ودعائهم وتضرعهم، وتوبتهم، وهذا ديدن الصالحين، وهم من يستحق المغفرة والإجابة
4- لم تثبت هذه الفضيلة ( المغفرة لكل الناس بدون عمل) في خير الشهور، وهو شهر رمضان، وفي خير الليالي ليلة القدر، وفي خير الأيام يوم الجمعة، حيث ارتبط فضل هذه الأوقات بالعمل (من صام رمضان..) (من قام ليلة القدر) (والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما) يعني صلاة الجمعة
والأحاديث المنكرة متنا أو الغريبة في مضمونها أو التي تلفت الانتباه ويحبها القصاص أو العوام فتكثر طرقها مع ضعف أسانيدها، وهو أمر لافت للنظر
والسبب هو أنها لما كانت كذلك من الغرابة والمعاني غير المعهودة فإن الضعفاء والمغفلين والشيوخ المستورين ونحوهم يتناقلونها ويُخطئون في أسانيدها ويهمون في اسم الصحابي. أو التابعي فتكثر الطرق لذلك
عدا عن التدليس والتلقين، والادخال على الشيوخ
فهي كثرة مصطنعة موهومة، وحسبنا أنه لم يصح فيها سند من طريق الثقات
وبخصوص العمل بالضعيف في فضاىل الأعمال
ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله شروطه الثلاثة:
ضعف غير شديد
له أصل ثابت
أن لا يعتقد عند العمل ثبوته بل يرجو الثواب
وليلة النصف لم يصح فيها سند وليس لها أصل ثابت صحيح حتى نبيح تخصيصها بعمل أو فضيلة، لذا فإن أي تخصيص لعبادة فيها ينطبق عليه حديث الابتداع: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) صحيح مسلم
وقوله صلى الله عليه وسلم ( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة...) رواه بو داود
وبالله التوفيق
وكتب : ياسر الشمالي عفا الله عنه
>>Click here to continue<<