غصن هش : الاقتراب بلُطف من هشاشة الوحدة
لابد من وجود مساحة مُتسامحة و سخية ما بين رأي القارئ القطعي و احتمالية تداول العمل عبر الذائقة الخاصة ، و لنبتعد هنا عن معايير النقد الصارمة التي تقيس النص بشريط القياس .
لنقل أن علينا الإقرار بأن عملا ما قد يؤثر تأثيرا مُتفاوتا على قرائه بنحو أو آخر ، لتتباين بعد ذلك الآراء حوله حسب مناطق التأثير و تحققها و تفاعلاتها المستمرة ، و قد تحكم ذلك التأثير عدة عوامل ، كتجربة المتلقي الخاصة و مدى تماسه مع الخطاب الروائي و الحبكة .
و في تجربتها الروائية الأولى تقدم الكاتبة شيماء الأطرم حكاية مُكرسة و متوقعة غير أنها مع ذلك لم تسقط في فخ التكرار إنما حاورت - بلطف - متلقيها لتحمله إلى عالم الإنسان الوحيد و مكابداته لظروف الحياة ، وفقا لقناعاته . و بالطبع لا أستطيع معاملة الكاتبة شيماء الأطرم معاملة الكاتب ذي التجربة القليلة رغم أن رواية " غصن هش " الصادرة عن الدار العربية للعلوم هي روايتها الأولى ذلك أني أعرف جيدا أن للناصة عدة تجارب و لها نشاط ملحوظ في قراءة الرواية . و مع ذلك فإني أتجرد في عملها هذا من المعايير المسبقة لأتبع التأثير الإنساني النقي و أجيب على سؤال وحيد : مالذي تريد الناصة قوله ؟
قُدم العمل بصوت السارد العليم المتعاطف تماما مع شخصية النص: " إيمان " ، الأرملة الشابة ، الكادحة ، الأم لولدين ، و التي تواجه ظروف حياتها وحيدة و خلية و عزلاء من المواساة و مشاطرة المحن . و تمت معالجة الأحداث عبر تركيز الحوار الجواني للشخصية بنحو يجرنا لإدراك أن الراوي العليم تحيز لها ، و قدم أفكارها . و تذوق كل أشياء الرواية بذائقتها و ثوابتها ، و أعتقد أن في ذلك إزاحة لروح الناصة أيضا كون أن الرواية الأولى تخرج شديدة الشبه بعوالم كاتبها و مدموغة بملامحه ، و الكاتبة شيماء الأطرم مرشدة في شؤون التربية و اليافعين فلا عجب أن تكون الرواية تعبيرا مُحررا لما تؤمن . فالرواية تعالج قضايا التربية و تجارب المراهقين و تمرر الدور التربوي للوالدين - أو المربي الوحيد - للتغلب على تلك المواجهات و المحن الصغيرة الي تتراكم و تتورم نتيجة الوحدة و التجديف بذراع وحيدة في بحر الحياة .
هذا التعاطف في صوت الراوي العليم لم يربك السرد إنما جعل تجربة القراءة حساسة و قريبة و قابلة للتمثيل الذاتي .
تركز الرواية أيضا على عدة قيم ، مثل الصدق ، و التسامح ، و مواجهة الشخصيات المسمومة و كيفية التغلب على مواطن الضعف في هشاشة الوحدة .
و اللافت أن العمل أشبه محاورات مستمرة بين الشخصية و ظروفها ، محاورات مترفعة قدمت معاناة الوحدة الروحية بلحاظ نابه و ذكي . و هذه المحاورات هي التي تحرك الأحداث مع تدخل بسيط من عنصر المفاجأة ، دون تكلف صنع دهشة لا تنسجم مع بيئة العمل الواقعية و هذا ما جعل العمل سيالا رغم محدودية منطقة السرد .
>>Click here to continue<<