TG Telegram Group & Channel
قراءات | United States America (US)
Create: Update:

الماضي بوابة لفهم الحاضر
أبواب سرية في رواية بلا غالب لـ عبد الوهاب الحمادي
 
 
أعتقد أن الرواية المختلفة هي الرواية التي تقول أكثر من شاغلها ، بمعنى أنها تقدم بؤرا عدة لامتدادات ممكنة قادرة على الإحالة إلى مناطق أخرى لصنع تجربة إنسانية أكبر من موضوع الرواية المحدد . رواية بلا غالب لعبد الوهاب الحمادي تظهر للوهلة الأولى أنها رواية قومية الشاغل ، و أنها تعتني بالإرث العربي و التاريخي بشكل عام ، و تحاول من خلال سرد ماتع أن تناقش في خطابها سقوط الأندلس و الانتكاسات التي جرها على المسلمين آنذاك و إلى اليوم . غير أن المتلقي و بمجرد التقادم في قراءة العمل – و تعزيز ذلك في قراءة ثانية – يكتشف أبعادا أكبر في العمل ، عاطفية و إنسانية و وطنية  و قلق أدبي و نقدي أيضا .
يقوم العمل على فكرة الفصول المتباينة ، أو لنسميها الأبواب الواضحة و السرية ، فالسرد يأتي بعدة أصوات و لا نعني هنا أصوات الشخوص كراو أول أو ثان ، بحيث تكون الحبكة مقدمة من عدة وجهات نظر ، إنما القصد هنا أن رواةَ العمل متباينون بنحو أكثر تفصيلا مثل :
1-رواي أول يمثل صوت شخصية من النص و هو الطبيب ، زوج غادة الراحلة ، الذي يسرد العمل في فصوله الخاصة مخاطبا إياها و ساردا لها كل الأحداث بدرجة أعتقدها أعمق من صوت تيار الوعي .
2-كاتب يسرد العمل بصوت الرواي العليم ، و أعتقد أن الناص هنا رغم استخدامه لهذا الصوت لم يعليه ليكون عليما بل كان في مستوى الرواة الآخرون .
3-أصوات شخصيات أخرى ، مثل صوت الإعلامي ، و المؤرخ الإسباني ، و السائق .
4-ثم نعتقد لوهلة أن الرسائل المتبادلة بين الكاتب و الشخصيات الأخرى مثل الدكتور واصل الشرقاوي و فرحان السيوفي و مثلا عاهد سليمان و غيرهم نوع من الترف الأدبي أو لنقل الاشتغال التجريبي الذي يُشرك المتلقي في عملية نقد النص و معاينة أسلوبه و مقايسة عناصره وفق المساطر النقدية المعروفة غير أننا نكتشف و بنوع من الإمتاع الخالص أن تلك الرسائل جزء هام و حيوي من الحبكة ، و متعلق بالحكاية ذاتها و غير متعلق فقط بسيمياء النص إنما بروحه و مايقوله ، فرغم أن الرسائل الأولى حوت  حوارا متبادلا و ربما ساخنا ،  حول فنيات الفصول المسرودة بأصوات الشخصيات و الكاتب إلا أن الرسائل اللاحقة شكلت معالم أخرى للشخصيات و سردت جزءا من تاريخها مثل تاريخ أخ الداعية الذي قدم من خلال المتن بنحو يختلف عما تقديمه من خلال الرسائل و هذا ما أخاله لعبة سرية تشبه ملاحقة الأبواب لفهم النص بشكل أفضل .

هاجس العودة للماضي:
يشكل الماضي عنصرا ضاغطا وفق متجهين ، الأول ما يتعلق بشخصية الطبيب و حنينه الدائم لزوجة متوفاة ، يخاطبها طيلة اليوم ، و يعتاش على ذكراها ، و يلف حول عنه شالا مضمخا بعطرها ، و يسرد الحكاية مخاطبا إياها .
و الثاني ما يتعلق بخطاب الرواية ، حيث يأخذنا الناص طيلة العمل في دروب الحنين لازدهار الأندلس ، و يشرح عبر شخوصه و سرده و صفه ماضي القصر الأحمر و الانتكاسة التي سببت سقطوط غرناطة و تسليمها " أبو عبد الله محمد الصغير " للأعداء بعد شهور الحصار . غير أن الناص بعد أن يخدر المتلقي - طيلة العمل - بأحلام الحنين و الماضي المزدهر ، يحييه بدبوس اليقظة في قفلة العمل ، حيث يؤكد أن المسار التاريخي المفتعل لم يكن ليغيّر الحقيقة الحاضرة القاسية ، و مع ذلك ، يبقى ذلك الماضي بما يحمله من أحداث عايشتها شخصية النص عبر باب سري في القصر أفضى به إلى ذلك المنعطف مليء بالدروس أو لنقل بالعلل التي تكشف أسباب النكسات و تفضحها .

التجانس و المُفارقات :
يشتغل الناص في العمل " بوجهي المكان : الماضي و المعاصر " و " بقطبي أحداثه " و حتى بشخوصه المستدعاة من نصوص معينة مثل " الداعية البدين و الإعلامي النحيف" اللذين يشبهان دينكيشوت و مرافقه ؛ على التجانس المتين الذي لا يترك ثغرة للنشاز في العمل ، و ذلك على مستوى لغته ، الوصفية و الحوارية و السردية .
فتظهر الرواية بكل ذلك التجريب و التنقل بين الأزمنة كنواة خلاقة قادرة على إرفاد المتلقى إلى عدة عوالم و عدة أفكار دون التسبب بحواجز تفقده انساحبه إليها . و مع هذا كان في الرواية مفارقات ، كأن يكون الطبيب الذي ينقذ حيوات الآخرين عاجز عن إنقاذ حياة زوجته ، أو تلك المفارقات " الممتعة " في الرسائل المتبادلة بين الكاتب و قرائه و ناقديه و التي حوت الكثير من الملاحظات المبطنة على المستوى الأدبي بشكل عام ومستوى سرد العمل بشكل خاص ، و هذه المفارقات حركت عجلة العمل و سمحت له بامتدادات نوعية قادرة في كل قراءة على قول المزيد .

الماضي بوابة لفهم الحاضر
أبواب سرية في رواية بلا غالب لـ عبد الوهاب الحمادي
 
 
أعتقد أن الرواية المختلفة هي الرواية التي تقول أكثر من شاغلها ، بمعنى أنها تقدم بؤرا عدة لامتدادات ممكنة قادرة على الإحالة إلى مناطق أخرى لصنع تجربة إنسانية أكبر من موضوع الرواية المحدد . رواية بلا غالب لعبد الوهاب الحمادي تظهر للوهلة الأولى أنها رواية قومية الشاغل ، و أنها تعتني بالإرث العربي و التاريخي بشكل عام ، و تحاول من خلال سرد ماتع أن تناقش في خطابها سقوط الأندلس و الانتكاسات التي جرها على المسلمين آنذاك و إلى اليوم . غير أن المتلقي و بمجرد التقادم في قراءة العمل – و تعزيز ذلك في قراءة ثانية – يكتشف أبعادا أكبر في العمل ، عاطفية و إنسانية و وطنية  و قلق أدبي و نقدي أيضا .
يقوم العمل على فكرة الفصول المتباينة ، أو لنسميها الأبواب الواضحة و السرية ، فالسرد يأتي بعدة أصوات و لا نعني هنا أصوات الشخوص كراو أول أو ثان ، بحيث تكون الحبكة مقدمة من عدة وجهات نظر ، إنما القصد هنا أن رواةَ العمل متباينون بنحو أكثر تفصيلا مثل :
1-رواي أول يمثل صوت شخصية من النص و هو الطبيب ، زوج غادة الراحلة ، الذي يسرد العمل في فصوله الخاصة مخاطبا إياها و ساردا لها كل الأحداث بدرجة أعتقدها أعمق من صوت تيار الوعي .
2-كاتب يسرد العمل بصوت الرواي العليم ، و أعتقد أن الناص هنا رغم استخدامه لهذا الصوت لم يعليه ليكون عليما بل كان في مستوى الرواة الآخرون .
3-أصوات شخصيات أخرى ، مثل صوت الإعلامي ، و المؤرخ الإسباني ، و السائق .
4-ثم نعتقد لوهلة أن الرسائل المتبادلة بين الكاتب و الشخصيات الأخرى مثل الدكتور واصل الشرقاوي و فرحان السيوفي و مثلا عاهد سليمان و غيرهم نوع من الترف الأدبي أو لنقل الاشتغال التجريبي الذي يُشرك المتلقي في عملية نقد النص و معاينة أسلوبه و مقايسة عناصره وفق المساطر النقدية المعروفة غير أننا نكتشف و بنوع من الإمتاع الخالص أن تلك الرسائل جزء هام و حيوي من الحبكة ، و متعلق بالحكاية ذاتها و غير متعلق فقط بسيمياء النص إنما بروحه و مايقوله ، فرغم أن الرسائل الأولى حوت  حوارا متبادلا و ربما ساخنا ،  حول فنيات الفصول المسرودة بأصوات الشخصيات و الكاتب إلا أن الرسائل اللاحقة شكلت معالم أخرى للشخصيات و سردت جزءا من تاريخها مثل تاريخ أخ الداعية الذي قدم من خلال المتن بنحو يختلف عما تقديمه من خلال الرسائل و هذا ما أخاله لعبة سرية تشبه ملاحقة الأبواب لفهم النص بشكل أفضل .

هاجس العودة للماضي:
يشكل الماضي عنصرا ضاغطا وفق متجهين ، الأول ما يتعلق بشخصية الطبيب و حنينه الدائم لزوجة متوفاة ، يخاطبها طيلة اليوم ، و يعتاش على ذكراها ، و يلف حول عنه شالا مضمخا بعطرها ، و يسرد الحكاية مخاطبا إياها .
و الثاني ما يتعلق بخطاب الرواية ، حيث يأخذنا الناص طيلة العمل في دروب الحنين لازدهار الأندلس ، و يشرح عبر شخوصه و سرده و صفه ماضي القصر الأحمر و الانتكاسة التي سببت سقطوط غرناطة و تسليمها " أبو عبد الله محمد الصغير " للأعداء بعد شهور الحصار . غير أن الناص بعد أن يخدر المتلقي - طيلة العمل - بأحلام الحنين و الماضي المزدهر ، يحييه بدبوس اليقظة في قفلة العمل ، حيث يؤكد أن المسار التاريخي المفتعل لم يكن ليغيّر الحقيقة الحاضرة القاسية ، و مع ذلك ، يبقى ذلك الماضي بما يحمله من أحداث عايشتها شخصية النص عبر باب سري في القصر أفضى به إلى ذلك المنعطف مليء بالدروس أو لنقل بالعلل التي تكشف أسباب النكسات و تفضحها .

التجانس و المُفارقات :
يشتغل الناص في العمل " بوجهي المكان : الماضي و المعاصر " و " بقطبي أحداثه " و حتى بشخوصه المستدعاة من نصوص معينة مثل " الداعية البدين و الإعلامي النحيف" اللذين يشبهان دينكيشوت و مرافقه ؛ على التجانس المتين الذي لا يترك ثغرة للنشاز في العمل ، و ذلك على مستوى لغته ، الوصفية و الحوارية و السردية .
فتظهر الرواية بكل ذلك التجريب و التنقل بين الأزمنة كنواة خلاقة قادرة على إرفاد المتلقى إلى عدة عوالم و عدة أفكار دون التسبب بحواجز تفقده انساحبه إليها . و مع هذا كان في الرواية مفارقات ، كأن يكون الطبيب الذي ينقذ حيوات الآخرين عاجز عن إنقاذ حياة زوجته ، أو تلك المفارقات " الممتعة " في الرسائل المتبادلة بين الكاتب و قرائه و ناقديه و التي حوت الكثير من الملاحظات المبطنة على المستوى الأدبي بشكل عام ومستوى سرد العمل بشكل خاص ، و هذه المفارقات حركت عجلة العمل و سمحت له بامتدادات نوعية قادرة في كل قراءة على قول المزيد .


>>Click here to continue<<

قراءات




Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)