أدب الطفل و القيمة المعرفية
مع نص مسابقة الطباخين لـ هدى الشوا:
.
.
تخوضُ النصوصُ الموجهة لليافعين تحديا دقيقا لتحصيل قبول تلك الشريحة المتطلبة في ما يجذب انتباهها و يفعّل دهشتها . و حين يقوم النص على التراث و يستمد منه المواد الأولية قد يكون التحدي حينها أصعب .
مع ذلك فإن نص مسابقة الطباخين للكاتبة هدى الشوا يقدم للناشئ حكاية محفزة ، تدور في مطابخ خمس طُهاة محترفين ، يتبارزون في تقديم الوجبة الأشهى للسلطان . تلك الحكاية التي تتحدى أشياء الماضي لتقدم له " للمتلقي الناشئ " متعة القص ، و القيمة المعرفية ، و أخيرا القيمة الإنسانية ، عبر خط سردي يحاول أن يبقيه قيد الانتباه في ملاحقة مفاجآت الحكاية .
بعد إتمام قراءتي للنص ، بَرقت في خاطري فكرتان كانتا موضع نقاش حيوي سابق ، هما :
١/ هل يُحبّذ لنصوص اليافعين أن تعتمد على اللغة المعجمية ؟
٢/ و ألا يثقل تلك النصوص الخوض في التفاصيل الدقيقة ؟ كوصف الحِرف و أشيائها مثلا ؟
.
.
أما التساؤل الأول ، فرغم أن نص الأستاذة هدى الشوا لا يعتمد على لغة مستعصية ، فالسرد واضح ، تسيل فيه ملامح الحدث ، غير أن النص مُطعم بمفردات الماضي المتعلقة بروح الحكاية ، كأسماء الأكلات و البهار و الأواني و الأقمشة ، و أوصاف الأثاث الملكي ، و حتى أسماء الشخصيات كابن خرداذبة( على سبيل المثال ) ، و قلت في نفسي بعد فراغي من العمل أن تلك المفردات جاءت كضرورة من ضروراته ، و التي أثق تماما أنها- رغم نبرتها البعيدة - سترفع قارئها إليها ليصل إلى حقيقة المعنى ، و هذا ما أظنه من فنون السياق .
.
.
أما الفكرة الأخرى التي تتعرض إلى إشكالية تعزيز النص بالتفاصيل الدقيقة ، و فيما إذا كان الاستغراق بوصف التفاصيل إثقالا للعمل ، فأشعر أن هذا التقديم هو الذي يميّز العمل الجاد الذي يحترم ذائقة الناشئ و يكسبه قيمة معرفية منسجمة بروح الحكاية .
في نصنا هذا ، تتعرض الكاتبة لتفاصيل التفاصيل ، كأنواع المكاييل و طُرق الطهو ، و حفظ الطعام ، و بعض أوصاف الكائنات ، و حتى أن النص تضمن - في سياق لطيف - طريقة إعداد السموم و خُتم بطريقة إعداد حلوى " لقيمات القاضي " ، و لم يكن في تضمين تلك التفاصيل إثقالا للعمل ، على العكس .. قامت التفاصيل هذه بتجسيد تضاريسه ، و إكسابه روحا خاصة و خروجه من برودة التسطيح إلى توهج التجربة الحياتية الحقيقية و الحسية .
>>Click here to continue<<