TG Telegram Group & Channel
قراءات | United States America (US)
Create: Update:

القفز على حواجز المكان
التجول في رواية شوك الريحان لـ سامي طلاق

هل من الممكن أن نعطي المكان بطولة في الرواية إن لم يتفاعل مع الحدث ليقدم تركيبة متجانسة ؟ بمعنى أن يكون المكان مجرد - وسط - يرفع الحدث للمتلقي بنكهته الخاصة دون تفاعل تام .

قد يعتبرُ الناص أن عنايته برسم التفاصيل من الأحياء إلى البيوت إلى طبيعة الحيوات و التركيبة السكانية و الطقوس و الأهازيج و عرض المعتقدات الإيمانية ؛ قد يعتبر كل ذاك اشتغالا على بطولة المكان ، و هذا - كما أخال - اعتقاد غير صحيح ، لأنه حين يقدم أشياء المكان يُسهم في عملية تضمين الحدث وفق حدوده و لا يُحقق ذلك شرطا من شروط التفاعل وصولا للتمازج و التجانس التام.

أضرب مثلا على ذلك رواية تقدم صراعا بين غني و فقير ، أو بين استغلالي و متفانٍ ، أو لنقل أنها تعرض حكاية عن الخيانة أو البطولة ، فنقول حينها أن لهذا الحدث قابلية الحدوث في أي مكان ، و أن مكان الرواية هنا مطلق ممتد و غير محدود ، و بالطبع لا يُشابه هذا رواية تتحدث عن صراع البيض و السود في الولايات المتحدة في حقبة ما ، و لا يشبه ذلك رواية تحكي عن صراع ممتزج مع المكان و متداخل بحيثياته و مختص بخصوصيته .

و السؤال هنا ، هل يُعد هذا الحدث المطلق القافز على حدود المكان نقيصة للرواية ، بمعنى هل ينتقص من قدر العمل الروائي غيابُ ذلك التفاعل بين المكان و الحدث ؟

كمفهوم عام ، أعتقد أن القفز على حواجز المكان لا يُخل بالرواية ، بل يعد أسلوبا من الأساليب المتنوعة لتقديمها ، و ربما تكون رواية شوك الريحان للكاتب سامي طلاق مقدمة بهذا النحو ، فرغم أن الحدث يدور في أحياء القطيف ، و تحديدا في حي الشويكة ، و رغم أن الناص رصد بتكثيف أسلوب الحياة في تلك البيئة إلا أن الحدث الرئيس " مقتل قارئة المقتل " حدث يعبر خصوصية المكان و يمكن أن يدور في أية بيئة ليرسم ملامح ذاك الصراع الإنساني المطلق ، كالخيانة و الغدر و سوء الدخيلة و أمراض الروح .

مع ذلك ، فالناص قدم توليفة المكان و الحدث بانسجام بحيث سار الخط الروائي بما يُشبه التنسيق المُعد سلفا ، إضافة لكونه اشتغل على رفد ملامح ذلك المجتمع من طقوس الموت ، و العزاء ، و طبيعة تجمع الأفراد في المآتم الحسينية ، كما ضمن النص الكثير من الأهازيج الشعبية و النعاء المعروف الذي يصنع إحالة كاملة للمتلقي ليعيش التفاصيل . و هذا ما يُشعر ضيف الرواية أن الناص - هنا - ابن بيئته و يكتب حولها بشفافية و موضوعية و صدق دون أن تُفسد عاطفته الخاصة تصاعد الحدث .

و لكي أُقرّب الفكرة التي أرجو إيصالها ، فإن رواية شوك الريحان لا تشبه مثلا رواية " قارئ الألواح " للكاتبة البحرينية " مريم المدحوب " رغم انطلاقهما من البيئة الشيعية ، و رغم كونهما يرصدان بنحو من الدقة ملامح تلك البيئة ، لأن الحدث في شوك الريحان قد ينفصل عن البيئة صانعا قوالب أخرى بينما الحدث في قارئ الألواح متداخل حد التوحد ، و هذا ما يُعطي لكل عمل خصوصية و ميزة .

و في شوك الريحان لا يقفز الحدث على المكان فحسب ، بل أشعر أن النص يقفز على انطباعات المسطرة النقدية للرواية ، ذلك أن الناص يقدمه فوق عدة تقنيات :
-كتعدد الأصوات ، فمرة نننصت لصفاء و مرة لزوجها و مرة لوردة الناعية الشامية الغريبة التي تفد مع زوجها و ابنتها حسنا إلى القطيف.
-و كتعدد الأجناس الأدبية ، فهناك فصول سارت كشريط سينمائي ، و هناك فصول قُدمت كرسائل ، و هناك فصول قدمها الناص غارقة في التأمل الوجداني ، مثل الفصول التي يتم فيها استنطاق " الكافورة " مُحملا ذلك رمزية عالية لشجرة السدر في الرواية .

القفز على حواجز المكان
التجول في رواية شوك الريحان لـ سامي طلاق

هل من الممكن أن نعطي المكان بطولة في الرواية إن لم يتفاعل مع الحدث ليقدم تركيبة متجانسة ؟ بمعنى أن يكون المكان مجرد - وسط - يرفع الحدث للمتلقي بنكهته الخاصة دون تفاعل تام .

قد يعتبرُ الناص أن عنايته برسم التفاصيل من الأحياء إلى البيوت إلى طبيعة الحيوات و التركيبة السكانية و الطقوس و الأهازيج و عرض المعتقدات الإيمانية ؛ قد يعتبر كل ذاك اشتغالا على بطولة المكان ، و هذا - كما أخال - اعتقاد غير صحيح ، لأنه حين يقدم أشياء المكان يُسهم في عملية تضمين الحدث وفق حدوده و لا يُحقق ذلك شرطا من شروط التفاعل وصولا للتمازج و التجانس التام.

أضرب مثلا على ذلك رواية تقدم صراعا بين غني و فقير ، أو بين استغلالي و متفانٍ ، أو لنقل أنها تعرض حكاية عن الخيانة أو البطولة ، فنقول حينها أن لهذا الحدث قابلية الحدوث في أي مكان ، و أن مكان الرواية هنا مطلق ممتد و غير محدود ، و بالطبع لا يُشابه هذا رواية تتحدث عن صراع البيض و السود في الولايات المتحدة في حقبة ما ، و لا يشبه ذلك رواية تحكي عن صراع ممتزج مع المكان و متداخل بحيثياته و مختص بخصوصيته .

و السؤال هنا ، هل يُعد هذا الحدث المطلق القافز على حدود المكان نقيصة للرواية ، بمعنى هل ينتقص من قدر العمل الروائي غيابُ ذلك التفاعل بين المكان و الحدث ؟

كمفهوم عام ، أعتقد أن القفز على حواجز المكان لا يُخل بالرواية ، بل يعد أسلوبا من الأساليب المتنوعة لتقديمها ، و ربما تكون رواية شوك الريحان للكاتب سامي طلاق مقدمة بهذا النحو ، فرغم أن الحدث يدور في أحياء القطيف ، و تحديدا في حي الشويكة ، و رغم أن الناص رصد بتكثيف أسلوب الحياة في تلك البيئة إلا أن الحدث الرئيس " مقتل قارئة المقتل " حدث يعبر خصوصية المكان و يمكن أن يدور في أية بيئة ليرسم ملامح ذاك الصراع الإنساني المطلق ، كالخيانة و الغدر و سوء الدخيلة و أمراض الروح .

مع ذلك ، فالناص قدم توليفة المكان و الحدث بانسجام بحيث سار الخط الروائي بما يُشبه التنسيق المُعد سلفا ، إضافة لكونه اشتغل على رفد ملامح ذلك المجتمع من طقوس الموت ، و العزاء ، و طبيعة تجمع الأفراد في المآتم الحسينية ، كما ضمن النص الكثير من الأهازيج الشعبية و النعاء المعروف الذي يصنع إحالة كاملة للمتلقي ليعيش التفاصيل . و هذا ما يُشعر ضيف الرواية أن الناص - هنا - ابن بيئته و يكتب حولها بشفافية و موضوعية و صدق دون أن تُفسد عاطفته الخاصة تصاعد الحدث .

و لكي أُقرّب الفكرة التي أرجو إيصالها ، فإن رواية شوك الريحان لا تشبه مثلا رواية " قارئ الألواح " للكاتبة البحرينية " مريم المدحوب " رغم انطلاقهما من البيئة الشيعية ، و رغم كونهما يرصدان بنحو من الدقة ملامح تلك البيئة ، لأن الحدث في شوك الريحان قد ينفصل عن البيئة صانعا قوالب أخرى بينما الحدث في قارئ الألواح متداخل حد التوحد ، و هذا ما يُعطي لكل عمل خصوصية و ميزة .

و في شوك الريحان لا يقفز الحدث على المكان فحسب ، بل أشعر أن النص يقفز على انطباعات المسطرة النقدية للرواية ، ذلك أن الناص يقدمه فوق عدة تقنيات :
-كتعدد الأصوات ، فمرة نننصت لصفاء و مرة لزوجها و مرة لوردة الناعية الشامية الغريبة التي تفد مع زوجها و ابنتها حسنا إلى القطيف.
-و كتعدد الأجناس الأدبية ، فهناك فصول سارت كشريط سينمائي ، و هناك فصول قُدمت كرسائل ، و هناك فصول قدمها الناص غارقة في التأمل الوجداني ، مثل الفصول التي يتم فيها استنطاق " الكافورة " مُحملا ذلك رمزية عالية لشجرة السدر في الرواية .


>>Click here to continue<<

قراءات




Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)