TG Telegram Group & Channel
قراءات | United States America (US)
Create: Update:

رحلة صغيرة في غرفة العالم
مع رواية " ما لا نراه " لـ شيماء الوطني
 
تقترب الكاتبة شيماء الوطني – بخفة – من عالم اليافعين عبر رواية " ما لا نراه " الصادرة عن دار أفكار للثقافة و النشر، و التي تخاطب هذه الفئة ذات السمات الخاصة ، فتُنشئُ عالما مُجتزءً، حساسا ، يوشك على التكامل الذاتي ، بل هو متكامل فعلا ، بطبيعته و شخوصه و حوداثه التي تُهيء له عزلة خاصة رغم اتصاله بالعالم الأكبر .
و تقوم روايات الناشئة – عادة – على تجربة المغامرة التي تخوضها الشخصية جراء مشكلة ما ، و تغذي عجلةَ السرد بعد ذاك التحولات الطارئة ، ومسارات الأحداث المتنامية وصولا لفكرة النص الأساسية التي هندسها الكاتب و رتب النص على ضوئها . روايتنا هذه تقوم أيضا على أساس المغامرة ، لكن ليس بمعناها الدارج إنما بتأطير الأحداث و التحولات داخل حدود المكان الذي تجري فيه كل التفاعلات . المكان في هذه الرواية هو المقهى الهادئ ، بأشيائه و أجوائه ، بصاحبه الذي أسمته الرواية بالمعلم ، و بالعاملين الصبية و الناضجين ، و بالرواد الذين يحملون إلى المقهى حكاياهم و عطشهم و رغبتهم الصباحية في التماهي مع ذلك النسيج . فشخصية النص الرئيسية شاب في الصف التاسع ، يجبره والده على العمل في المقهى / المكان خلال إجازة الصيف ، و مع تعاقب الأيام يبدأ بالتعرف على ذاته الجديدة من خلال تطور الأحداث ، و اكتشاف تفاصيل المكان .
لا تعتمد الرواية على المفاجأة في سعيها لتحصيل الدهشة ، فالأحداث تجري بنحو من الهدوء ، غير أنها على هدوئها تملك صوتا دافئا يربطها بالمتلقي ، و يمسه بشكل يناغم طبيعتها ، فيشعر أنه يمر مع الشخصية بمراحل الاكتشاف ، و يكتسب قنوات أخرى لفهم رسالة النص .
تُحيلني الرواية إلى رواية " أنشودة المقهى الحزين " لـ كارسن ماكالرز رغم الاختلاف الشاسع في الفكرة و المسارات ، لكن يبقى أن للمقهى في الروايتين تلك السطوة على الشخوص فكما تقول الكاتبة في أنشودة المقهى الحزين :
لكن روح المقهى مختلفة تمامًا. حتى أغنى الأنذال وأكثرهم طمعًا يؤدب نفسه… والفقراء ينظرون إلى أنفسهم باعتراف بالجميل ويمسكون بالملّاحة بأسلوب متأنق ومتواضع. لأن جو المقهى اللائق يوحي بهذه السمات: الرفقة، وشبع المعدة، وبهجة خاصة، وكياسة السلوك.
و مقهى روايتنا لا يبتعد عن هذا التوصيف ، و تكاد روحه تتلاقى مع ما كتبته كارسن ماكالزر ، فرواده مهذبون ، يحملون حيواتهم الحاضرة و ذكرياتهم الماضية إليه ، و يتزودون منه إشباعا خاصا يغنيهم في أيامهم . حتى الفقراء كان لهم نصيب فيه ، يحرص عليهم " المعلم " و يراعيهم بالأسعار، في الوقت الذي يُلزم فيه من يتعد حدود الأدب المغادرة، هذا التفاعل ما بين المعلم و الرواد منح شخصية النص رابطه تجمعه بالمقهى و حدت من نفوره السابق تجاهه و تجاه التجربة بشكل عام .

-فضاء متحرر :
من الملاحظ أن الناصة هيأت المقهى ليكون مستقلا بذاته ، نائيا عن توصيف إقليمي ، فلم تربطه بمكان خاص إذ كان هو المكان في الرواية ، و لم تضمنه ضمن دولة معينة ، حتى أنها لم تقدم الشخوص كلها – من الشخصية الأساسية – إلى الأبوين و الأختين و الرواد من خلال الأسماء ، بل تركت المتلقي يتعرف على الشخصيات حسب وظائفها : النادل – المعلم – الرجل العجوز – المصور – المرأة الأرملة ، و هذا أعطى النص فضاء متحررا و مرونة ممكنة لخلق قوالب أوسع للتجربة ، فرغم محدودية مكان الرواية إلا أن عدم تقييده بثقافة معينة ساهم في امتداد أثره . فكأن المتلقي يتجول في غرفة من غرف العالم و الأثر الأمضى هنا للثقافة الإنسانية : التسامح ، و لذة الكسب بعد بذل الجهد و الراحة بعد التعب و التعرف على نعيم الأسرة التي كان تراها الشخصية بعين الاعتياد و الاستحقاق .
 
 
 
 

رحلة صغيرة في غرفة العالم
مع رواية " ما لا نراه " لـ شيماء الوطني
 
تقترب الكاتبة شيماء الوطني – بخفة – من عالم اليافعين عبر رواية " ما لا نراه " الصادرة عن دار أفكار للثقافة و النشر، و التي تخاطب هذه الفئة ذات السمات الخاصة ، فتُنشئُ عالما مُجتزءً، حساسا ، يوشك على التكامل الذاتي ، بل هو متكامل فعلا ، بطبيعته و شخوصه و حوداثه التي تُهيء له عزلة خاصة رغم اتصاله بالعالم الأكبر .
و تقوم روايات الناشئة – عادة – على تجربة المغامرة التي تخوضها الشخصية جراء مشكلة ما ، و تغذي عجلةَ السرد بعد ذاك التحولات الطارئة ، ومسارات الأحداث المتنامية وصولا لفكرة النص الأساسية التي هندسها الكاتب و رتب النص على ضوئها . روايتنا هذه تقوم أيضا على أساس المغامرة ، لكن ليس بمعناها الدارج إنما بتأطير الأحداث و التحولات داخل حدود المكان الذي تجري فيه كل التفاعلات . المكان في هذه الرواية هو المقهى الهادئ ، بأشيائه و أجوائه ، بصاحبه الذي أسمته الرواية بالمعلم ، و بالعاملين الصبية و الناضجين ، و بالرواد الذين يحملون إلى المقهى حكاياهم و عطشهم و رغبتهم الصباحية في التماهي مع ذلك النسيج . فشخصية النص الرئيسية شاب في الصف التاسع ، يجبره والده على العمل في المقهى / المكان خلال إجازة الصيف ، و مع تعاقب الأيام يبدأ بالتعرف على ذاته الجديدة من خلال تطور الأحداث ، و اكتشاف تفاصيل المكان .
لا تعتمد الرواية على المفاجأة في سعيها لتحصيل الدهشة ، فالأحداث تجري بنحو من الهدوء ، غير أنها على هدوئها تملك صوتا دافئا يربطها بالمتلقي ، و يمسه بشكل يناغم طبيعتها ، فيشعر أنه يمر مع الشخصية بمراحل الاكتشاف ، و يكتسب قنوات أخرى لفهم رسالة النص .
تُحيلني الرواية إلى رواية " أنشودة المقهى الحزين " لـ كارسن ماكالرز رغم الاختلاف الشاسع في الفكرة و المسارات ، لكن يبقى أن للمقهى في الروايتين تلك السطوة على الشخوص فكما تقول الكاتبة في أنشودة المقهى الحزين :
لكن روح المقهى مختلفة تمامًا. حتى أغنى الأنذال وأكثرهم طمعًا يؤدب نفسه… والفقراء ينظرون إلى أنفسهم باعتراف بالجميل ويمسكون بالملّاحة بأسلوب متأنق ومتواضع. لأن جو المقهى اللائق يوحي بهذه السمات: الرفقة، وشبع المعدة، وبهجة خاصة، وكياسة السلوك.
و مقهى روايتنا لا يبتعد عن هذا التوصيف ، و تكاد روحه تتلاقى مع ما كتبته كارسن ماكالزر ، فرواده مهذبون ، يحملون حيواتهم الحاضرة و ذكرياتهم الماضية إليه ، و يتزودون منه إشباعا خاصا يغنيهم في أيامهم . حتى الفقراء كان لهم نصيب فيه ، يحرص عليهم " المعلم " و يراعيهم بالأسعار، في الوقت الذي يُلزم فيه من يتعد حدود الأدب المغادرة، هذا التفاعل ما بين المعلم و الرواد منح شخصية النص رابطه تجمعه بالمقهى و حدت من نفوره السابق تجاهه و تجاه التجربة بشكل عام .

-فضاء متحرر :
من الملاحظ أن الناصة هيأت المقهى ليكون مستقلا بذاته ، نائيا عن توصيف إقليمي ، فلم تربطه بمكان خاص إذ كان هو المكان في الرواية ، و لم تضمنه ضمن دولة معينة ، حتى أنها لم تقدم الشخوص كلها – من الشخصية الأساسية – إلى الأبوين و الأختين و الرواد من خلال الأسماء ، بل تركت المتلقي يتعرف على الشخصيات حسب وظائفها : النادل – المعلم – الرجل العجوز – المصور – المرأة الأرملة ، و هذا أعطى النص فضاء متحررا و مرونة ممكنة لخلق قوالب أوسع للتجربة ، فرغم محدودية مكان الرواية إلا أن عدم تقييده بثقافة معينة ساهم في امتداد أثره . فكأن المتلقي يتجول في غرفة من غرف العالم و الأثر الأمضى هنا للثقافة الإنسانية : التسامح ، و لذة الكسب بعد بذل الجهد و الراحة بعد التعب و التعرف على نعيم الأسرة التي كان تراها الشخصية بعين الاعتياد و الاستحقاق .
 
 
 
 


>>Click here to continue<<

قراءات




Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)