TG Telegram Group & Channel
قراءات | United States America (US)
Create: Update:

ولادات متوالية للحدث
في حارس سطح العالم
 
لن نُضيفَ جديدا إذا أكدنا أن رواية حارس سطح العالم لبثينة العيسى الصادرة عن منشورات تكوين تقوم على أعمال أخرى ، بارزة و مبطنة ، أو مُشار إليها من خلال لمحة أو ومضة في الرواية ، أو قُدّمت بعض أشيائها الدلالية ، غير أننا لا يمكن أن نتجاهل اشتغال الكاتبة على النص الكُليّ لتشكيل عالمه الخاص و ابتناء صوت يُقرّ القارئ بفرادته ، فتصير الأعمال الروائية المُوظفة بمثابة قاعدة ولّادة تستمر بخلق المتواليات السردية.

يقدم العمل حكاية الرقيب القارئ الذي يسحبه شغفه - في عالم يُحرّم القراءة الحرة - إلى طريق قسري يتذبذب فيه بين ما يود أن يكونه و بين ما يسحبه إليه ولعه ، فطيلة العمل نجد الرقيب يتذمر مما يصير إليه و يود أن يستمر مواطنا نموذجيا يقرأ وفق تكاليف عمله كمراقب كتب و يشاهد البرامج الوثائقية و يلتزم بظاهر اللغة و سطحها دون السقوط في فخاخ المعاني و التأويلات ، لكنه – وكما يبدأ العمل – يكتشف أنه أصبح قارئا نهما يحفر في السطح ليصل إلى العمق . و لا ندري هل فتحت له الممارسة باب التحول أم أن هذه ( الهبة / اللعنة ) جزء من تكوينه الموروث ، الأمر الذي نستدل عليه من طبيعة ابنته العالقة في عالم من الخيال ذي نبوءات تستمر بإثبات نفسها .

-واقع فجيع وواقعية سحرية: 
ما يؤكد أننا نعاين اشتغالا خاصا للناصة هو تحررها من مسار القاعدة القائمة على الروايات المُوظفة –مع إبقاء خيط اتصال نابض بالدهشة – و تقديمها لصور مبتكرة خاصة بها ، وفق معايير متناسبة مع بيئة العمل ، فمزجت بين الواقعية البسيطة في المجتمع الوظيفي إذ قدمت الأسرة و مخاوفها و طبيعة العلاقات المتبادلة بين الزملاء و الرؤساء و الموسومين بالمعصية و الشرطة و الأطباء و بين الواقعية السحرية التي لونت العمل و ساهمت بتحريك عجلته .
في بداية العمل مثلا تشير الرواية إلى أن الكتب التي يقرؤها الرقيب – خلسة – صار لها أسنان ، و تكاثرت ، و لمّحت إلى أنها سرقت الرقيب من حياته و صارت تعبث بعقله أو ربما تصحح مساره و تريه ما لا يرى الآخرون ، ما أسمته الرواية " بالسقوط في فخ المعنى " . وترسم الرواية صورا أخرى من الواقعية السحرية مثل أذيال الأطفال العالقين في المخيلة. هذه الواقعية السحرية التي تضافرت مع الواقع الفجيع الذي يحكم المكان الروائي فشكلت تدفقا مستمرا يُغدي الحدث .

لماذا نقول أن هنالك تدفق يصنع التوالي السردي ؟ لأن العمل يشبه انتقلات متدرجة من عالم إلى آخر / حدث إلى آخر مع الحفاظ على ترابط و قوة مفاصل العمل ، فمن عالم ألس في بلاد العجائب إلى جمهورية الأخ الكبير إلى مقبرة الكتب المنسية و أخيرا – كما وصلتُ – إلى حمام دار سعودي السنعوسي الذي تُجادل فيه الشخصية الروائية صانعها و تصارعه للإعلان عن وعيها الخاص،مرورا ببينوكيو و الليمون العجيب و ذات الرداء الأحمر. انتقالات يكبر فيها الحدث الرئيس و تستزيد فيها الشخصية الرئيسية لتفهم نفسها و تكتشف تحولاتها من مواطن صالح إلى متمرد إلى بطل و من ثم إلى خائن تقوده خطوط الضغط إلى الوشاية بأصحابه و من ثم إلى شخصية روائية تحترق في سبيل إنارة العتمة و إفصاح المعرفة أو الإنذار ربما مما هو قادم .

-إسقاطات من الواقع و تخييل ذاتي :

من المُسلمات في العمل الأدبي نقله للواقع بصورة يُحسن فيها المبالغة ، و يجعلها مُقنعة مثيرة لاهتمام القارئ ، تمس مواطن وجعه أو تكشف عورات مجتمعه بصورة تمازج بين التلميح و التصريح . تحمل حارس سطح العالم هم قضية رقابة الكُتب و تسيير العقول و ذلك القلق من يوم تُفرض فيه القناعات ، و من الواضح أن هذا القلق مُبرر لما مرت به قضية رقابة الكتب و رقابة المُجتمع بشكل عام في الآونة الأخيرة .فالرواية تُعالج المسألة بذلك الاشتغال السردي و حمل المتلقي إلى ذلك العالم الذي هو نتاج و مآل ما سيكبر من جراء تلك الممارسة المفروضة ووضعه في قلب الحدث ، ليرى كيف سيؤول مصير الإنسان بلباس موحد و مشاعر مبرمجة و مخيلة فارغة .
و أعتقد أن الرواية قالت ما لديها بهذا الصدد بنحو كبير من الإقناع و لعل التعامل مع طفلة الرقيب و طرق معالجتها كانت من أشد مناطق الرواية سوداوية .
من اللافت أيضا تضمين الناصة للتخييل الذاتي في شخصية الوراقة ، و التي أحالتني مباشرة لكاتبة العمل ، الأمر الذي أجده بالغ التأثير و عاملا مساعدا في تمكين القارئ من تلمس صدق المعاناة و حمل أثقال هذا الهم .

ولادات متوالية للحدث
في حارس سطح العالم
 
لن نُضيفَ جديدا إذا أكدنا أن رواية حارس سطح العالم لبثينة العيسى الصادرة عن منشورات تكوين تقوم على أعمال أخرى ، بارزة و مبطنة ، أو مُشار إليها من خلال لمحة أو ومضة في الرواية ، أو قُدّمت بعض أشيائها الدلالية ، غير أننا لا يمكن أن نتجاهل اشتغال الكاتبة على النص الكُليّ لتشكيل عالمه الخاص و ابتناء صوت يُقرّ القارئ بفرادته ، فتصير الأعمال الروائية المُوظفة بمثابة قاعدة ولّادة تستمر بخلق المتواليات السردية.

يقدم العمل حكاية الرقيب القارئ الذي يسحبه شغفه - في عالم يُحرّم القراءة الحرة - إلى طريق قسري يتذبذب فيه بين ما يود أن يكونه و بين ما يسحبه إليه ولعه ، فطيلة العمل نجد الرقيب يتذمر مما يصير إليه و يود أن يستمر مواطنا نموذجيا يقرأ وفق تكاليف عمله كمراقب كتب و يشاهد البرامج الوثائقية و يلتزم بظاهر اللغة و سطحها دون السقوط في فخاخ المعاني و التأويلات ، لكنه – وكما يبدأ العمل – يكتشف أنه أصبح قارئا نهما يحفر في السطح ليصل إلى العمق . و لا ندري هل فتحت له الممارسة باب التحول أم أن هذه ( الهبة / اللعنة ) جزء من تكوينه الموروث ، الأمر الذي نستدل عليه من طبيعة ابنته العالقة في عالم من الخيال ذي نبوءات تستمر بإثبات نفسها .

-واقع فجيع وواقعية سحرية: 
ما يؤكد أننا نعاين اشتغالا خاصا للناصة هو تحررها من مسار القاعدة القائمة على الروايات المُوظفة –مع إبقاء خيط اتصال نابض بالدهشة – و تقديمها لصور مبتكرة خاصة بها ، وفق معايير متناسبة مع بيئة العمل ، فمزجت بين الواقعية البسيطة في المجتمع الوظيفي إذ قدمت الأسرة و مخاوفها و طبيعة العلاقات المتبادلة بين الزملاء و الرؤساء و الموسومين بالمعصية و الشرطة و الأطباء و بين الواقعية السحرية التي لونت العمل و ساهمت بتحريك عجلته .
في بداية العمل مثلا تشير الرواية إلى أن الكتب التي يقرؤها الرقيب – خلسة – صار لها أسنان ، و تكاثرت ، و لمّحت إلى أنها سرقت الرقيب من حياته و صارت تعبث بعقله أو ربما تصحح مساره و تريه ما لا يرى الآخرون ، ما أسمته الرواية " بالسقوط في فخ المعنى " . وترسم الرواية صورا أخرى من الواقعية السحرية مثل أذيال الأطفال العالقين في المخيلة. هذه الواقعية السحرية التي تضافرت مع الواقع الفجيع الذي يحكم المكان الروائي فشكلت تدفقا مستمرا يُغدي الحدث .

لماذا نقول أن هنالك تدفق يصنع التوالي السردي ؟ لأن العمل يشبه انتقلات متدرجة من عالم إلى آخر / حدث إلى آخر مع الحفاظ على ترابط و قوة مفاصل العمل ، فمن عالم ألس في بلاد العجائب إلى جمهورية الأخ الكبير إلى مقبرة الكتب المنسية و أخيرا – كما وصلتُ – إلى حمام دار سعودي السنعوسي الذي تُجادل فيه الشخصية الروائية صانعها و تصارعه للإعلان عن وعيها الخاص،مرورا ببينوكيو و الليمون العجيب و ذات الرداء الأحمر. انتقالات يكبر فيها الحدث الرئيس و تستزيد فيها الشخصية الرئيسية لتفهم نفسها و تكتشف تحولاتها من مواطن صالح إلى متمرد إلى بطل و من ثم إلى خائن تقوده خطوط الضغط إلى الوشاية بأصحابه و من ثم إلى شخصية روائية تحترق في سبيل إنارة العتمة و إفصاح المعرفة أو الإنذار ربما مما هو قادم .

-إسقاطات من الواقع و تخييل ذاتي :

من المُسلمات في العمل الأدبي نقله للواقع بصورة يُحسن فيها المبالغة ، و يجعلها مُقنعة مثيرة لاهتمام القارئ ، تمس مواطن وجعه أو تكشف عورات مجتمعه بصورة تمازج بين التلميح و التصريح . تحمل حارس سطح العالم هم قضية رقابة الكُتب و تسيير العقول و ذلك القلق من يوم تُفرض فيه القناعات ، و من الواضح أن هذا القلق مُبرر لما مرت به قضية رقابة الكتب و رقابة المُجتمع بشكل عام في الآونة الأخيرة .فالرواية تُعالج المسألة بذلك الاشتغال السردي و حمل المتلقي إلى ذلك العالم الذي هو نتاج و مآل ما سيكبر من جراء تلك الممارسة المفروضة ووضعه في قلب الحدث ، ليرى كيف سيؤول مصير الإنسان بلباس موحد و مشاعر مبرمجة و مخيلة فارغة .
و أعتقد أن الرواية قالت ما لديها بهذا الصدد بنحو كبير من الإقناع و لعل التعامل مع طفلة الرقيب و طرق معالجتها كانت من أشد مناطق الرواية سوداوية .
من اللافت أيضا تضمين الناصة للتخييل الذاتي في شخصية الوراقة ، و التي أحالتني مباشرة لكاتبة العمل ، الأمر الذي أجده بالغ التأثير و عاملا مساعدا في تمكين القارئ من تلمس صدق المعاناة و حمل أثقال هذا الهم .


>>Click here to continue<<

قراءات




Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)