دلشاد : حكايات الجوع و الضحك
.
.
تواصل الكاتبة العمانية بشرى خلفان مشروعها الأدبي عبر تقديم روايتها الأخيرة بعنوان" دلشاد " الصادرة عن منشورات تكوين و التي يُعايش فيها المتلقي تجربة شديدة الفرادة على المستوى الإنساني و الأدبي و المعرفي .
تقوم الرواية – بحرفية عالية – على تعدد الأصوات بنحو يعدو كونه مجرد بناء روائي يُرفد الحدث و مساراته مع عجلتي الزمان و المكان عبر رؤى الشخوص المتنوعة و تعدد منظوراتها و أفكارها ، فيترك للقارئ حرية التعاطف مثلا أو اتخاذ موقف ما ، إنما يمتد لتأكيد أن هذا العمل يُحيل إلى سعة الحياة بكل تفاصيلها و يؤكد مفهوم تعقد المعاناة الإنسانية بتركيز يشعر المتلقي أنه المُمتحن بهذه التجارب المتعدية لأطرها السردية ، و المقذوف في قلب الصراع .
لقد أظهر العمل مقدرة الناصة على تحرير شخوص الرواية ، و إعطاء كل شخصية مساحتها المحررة لتُدير – في نطاقها المُكمل لنطاقات الرواية –عجلة الأحداث و تعبئ الفراغات التي تُكسب العمل لذة التتبع و دهشة ملاحقة الأسئلة. بل استطاعت الكاتبة أن تُميّز لكل شخصية – بذاتها – نبرات متعددة في مسار التحولات فنستمع مثلا لدلشاد الطفل بنبرة خاصة ، و دلشاد الشاب الجائع بنبرة أخرى و دلشاد الزوج و الأب و الكهل ، و نستمع لمريم الطفلة التي تضرب برأسها أبخرة الجوع ، ثم مريم الضاحكة المتوجعة من أتعاب العمل اليومي في بيت لوماه ، ثم مريم الوالهة ، و الزوجة ، و الأم المذعورة من أمومتها الطرية ، و أخيرا مريم التي أنهكتها المحن و هي تنزح لمنطقة أخرى هربا من جنون كراهية فردوس ، و تلك الأصوات بتعدد النبرات تؤكد إيصال فكرة التحولات بنحو مقنع لا يعتني بالألاعيب الشكلانية بقدر ما يحرص على نضوج العمل و اكتماله و إيصال كل شخصية لمرحلة الإشباع . و لم يكن عبثا و لا إقحاما تضمين شخصيات بدت هامشية في مسار الحكاية لكونها تقدم جديدا للصورة الكلية للرواية و لقيمتها المعرفية التي تغوص في تاريخ عمان و العالم العربي آنذاك .
>>Click here to continue<<