TG Telegram Group & Channel
قراءات | United States America (US)
Create: Update:

دار خولة : جدلية البقاء و الفناء
 
تشيّد الروائية الكويتية بثينة العيسى مسارا جديدا في عالمها الكتابي ، يبدو لوهلة أولى عملا منطلقا من الهموم الاجتماعية للواقع المعيش ، و مآزق الإنسان المعاصر التي تُفتح على صراع الأجيال و خطوط التأثير الفكري للقوى الناعمة و الاستلاب الذي يٌمارس على الجيل ، و هذا بالطبع انطباع أولي لا يخلو من الصحة ، غير أن قارئ عملها الجديد المعنون بـ " دار خولة " و الصادر حديثا عبر منشورات تكوين سيكتشف عبر هذا المسار الجديد حقولا دلالية أخرى ، شاسعة جدا ، و خليقة بالتفكر . فالرواية على قالبها المكثف الذي يحيلنا لتجربة " نوفيلا " محدودة المهاد الزماني و المكاني ، الرواية هذه تشبه هزة ارتدادية ، مفجعة بـ ( الأسئلة و الرمزيات ) .


و قبل محاولة استقراء تلك الرمزيات لابد من التأكيد على أن ( دار خولة ) عمل سردي قافز على توقعات القارئ المتتبع لأعمال الكاتبةالتي اتسمت بالنفس الروائي الطويل و اللغة البليغة أو لنقل اللغة التمثيلية التي لطالما كانت رافدا من روح العمل ، ترفعه إلى أعلى مستويات التلقي و تشاطر: الحكاية و الحبكة و مآلات الشخوص ..البطولة و التأثير .


على أن هذه القفزة لا تستمد ألقها من الجِدة ؛فليست الجِدة معيارا لمتانة العمل لكنها تؤكد على أن بثينة العيسى تبرع في ما تفعل ، و على أن الإبداع المقرون بالتأثير لا يؤطر بأطر محددة ، فالناص " المؤثر " قد يقدم خطابه عبر نص روائي طويل ، أو نص مختزل ، أو نوفيلا كـ دار خولة : بمعمارها المكثف تفتح عباراتها المحدودة أبوابا عديدة للفكرة و الإسقاطات .


إن " دار خولة " بفصولها القصيرة ، و حواراتها الوليدة من رحم الحياة اليومية و ملامحها المعاصرة عمل تتلاقح فيه  "الأصالة بالحداثة " و " المحدود باللامحدود " و يستمر من خلاله جدل التنقيب عن ثنائيات الخير و الشر في العمل ، بحيث يبقى المتلقي يحاور الشخوص التي قُدمت جميعها بمنظور الرواي العليم القريب ، أو الراوي العليم الغير موثوق به ، أو الرواي العليم المتعاطف مع الشخصية التي يحكيها – و هذا بالمناسبة لون خاص من السرد تبرع به الكاتبة  - إذ يحتار حينها بوجه من يقف و مع من يتعاطف و أي من تلك الشخصيات سينحاز إليه و ربما يقف في صفه .


غير أن لعبة بثينة العيسى هي إخراج النص من غلافه المثالي لمحاورة الواقع و تمثيله باللغة الحسية النابضة ذات التضاريس ، لتتم مواجهته كما هو ، بلا رتوش و لا تزييف ،و بلا شخصيات ورقية تخرج من رواية متينة مكتوبة بأدوات سليمة ، بل بشخصيات من لحم و دم و فرادة تستمر بالإحالة للواقع ، حتى لكأن ضيفها القارئ يسمعها بصوتها و يشعر بحرارتها .

 
يدور العمل حول شخصية " خولة سليمان " و هي دكتورة التراث زوجة الشاعر قتيبة المتسمة بشخصية فريدة ، ناقدة ، بل مبالغة بنقد المجتمع ، و التي تعتمد على رؤاها الخاصة في تشكيل دستورها الحازم في معايرة ( المجتمع : الناس و الحياة ).
لخولة ثلاثة أبناء : ناصر – يوسف – حمد ، لكل منهم أسلوب مغاير في التعاطي معها وفق اتجاهين :
-خولة الأم .
-خولة الدكتورة : الشخصية الجدلية المشهورة .


و هذا التعاطي المتباين يبدأ من الفكرة الباطنية المشكلة منذ الطفولة الأولى و المارة بتجارب الصبا و سنوات النضج و من ثم ينطلق إلى الظاهر حيث مساحة التعالق المباشر .

تنمو الرواية في خط زمني محدود ، يبدأ منذ الصباح الذي أقرت فيه خولة أنها تكره التصابي و التأمرك ، و تعتز فيه بأوشحة الزمن و تقرر أن تجمع أبناءها على وجبة ودية كأية عائلة تلتم على ذاتها ، و تنتهي الرواية في مساء ذات اليوم حين يعود حمد أصغر الأبناء إلى البيت ليجده غارق في عتمته ، و ما بين البداية و النهاية ؛ و محدوية المدى الزمني و المهاد المكاني تناقش الرواية العديد من الأفكار ( عبر السرد و الوصف و الحوار ) ، حول المجتمع و الهوة بين الأجيال و سلطة الجماهير و غيرها .


هذا الوجه الأول للرواية ، بنقاشه لمشكلات الإنسان المعاصر ، قدّم بُعدا بالغ العمق في العمل ، و بدا كأنه يقول كل شيء و يفرد في وجه المتلقي كل هم ، كل قلق ، كل هواجس الصراع بين الأبوة و البنوة ، و مفاهيم الأصالة و التجديد ، و هذا أمر عظيم في الرواية . لكن هل هذا كل شيء ؟


أعتقد أن الكاتبة ، شكلت المعمار السردي بدقة متناهية ، و حسابات تبدأ من العتبة و تمر بالغلاف إلى اختيار الأسماء ، و تأثيث بيئة الصراع المكانية : حيث دار خولة بغرفة المعيشة و المطبخ و حوض السمك الخالي إلا من فقاعات الهواء ، مرورا بالحبكة الواعية على عبثيتها و انتهاء بالقفلة المفجعة .


فلم يكن عشوائيا عنونة العمل بـ " دار خولة " ، فخولة هي الأم ، و الأم هي الوطن ، و الوطن هو عالمنا الكبير ، و الأبناء هم فئات الشعب ، هم الأسماك التي تأكل بعضها بعضا ، و قد تحزبت و افترقت و تصارعت ما بين :

دار خولة : جدلية البقاء و الفناء
 
تشيّد الروائية الكويتية بثينة العيسى مسارا جديدا في عالمها الكتابي ، يبدو لوهلة أولى عملا منطلقا من الهموم الاجتماعية للواقع المعيش ، و مآزق الإنسان المعاصر التي تُفتح على صراع الأجيال و خطوط التأثير الفكري للقوى الناعمة و الاستلاب الذي يٌمارس على الجيل ، و هذا بالطبع انطباع أولي لا يخلو من الصحة ، غير أن قارئ عملها الجديد المعنون بـ " دار خولة " و الصادر حديثا عبر منشورات تكوين سيكتشف عبر هذا المسار الجديد حقولا دلالية أخرى ، شاسعة جدا ، و خليقة بالتفكر . فالرواية على قالبها المكثف الذي يحيلنا لتجربة " نوفيلا " محدودة المهاد الزماني و المكاني ، الرواية هذه تشبه هزة ارتدادية ، مفجعة بـ ( الأسئلة و الرمزيات ) .


و قبل محاولة استقراء تلك الرمزيات لابد من التأكيد على أن ( دار خولة ) عمل سردي قافز على توقعات القارئ المتتبع لأعمال الكاتبةالتي اتسمت بالنفس الروائي الطويل و اللغة البليغة أو لنقل اللغة التمثيلية التي لطالما كانت رافدا من روح العمل ، ترفعه إلى أعلى مستويات التلقي و تشاطر: الحكاية و الحبكة و مآلات الشخوص ..البطولة و التأثير .


على أن هذه القفزة لا تستمد ألقها من الجِدة ؛فليست الجِدة معيارا لمتانة العمل لكنها تؤكد على أن بثينة العيسى تبرع في ما تفعل ، و على أن الإبداع المقرون بالتأثير لا يؤطر بأطر محددة ، فالناص " المؤثر " قد يقدم خطابه عبر نص روائي طويل ، أو نص مختزل ، أو نوفيلا كـ دار خولة : بمعمارها المكثف تفتح عباراتها المحدودة أبوابا عديدة للفكرة و الإسقاطات .


إن " دار خولة " بفصولها القصيرة ، و حواراتها الوليدة من رحم الحياة اليومية و ملامحها المعاصرة عمل تتلاقح فيه  "الأصالة بالحداثة " و " المحدود باللامحدود " و يستمر من خلاله جدل التنقيب عن ثنائيات الخير و الشر في العمل ، بحيث يبقى المتلقي يحاور الشخوص التي قُدمت جميعها بمنظور الرواي العليم القريب ، أو الراوي العليم الغير موثوق به ، أو الرواي العليم المتعاطف مع الشخصية التي يحكيها – و هذا بالمناسبة لون خاص من السرد تبرع به الكاتبة  - إذ يحتار حينها بوجه من يقف و مع من يتعاطف و أي من تلك الشخصيات سينحاز إليه و ربما يقف في صفه .


غير أن لعبة بثينة العيسى هي إخراج النص من غلافه المثالي لمحاورة الواقع و تمثيله باللغة الحسية النابضة ذات التضاريس ، لتتم مواجهته كما هو ، بلا رتوش و لا تزييف ،و بلا شخصيات ورقية تخرج من رواية متينة مكتوبة بأدوات سليمة ، بل بشخصيات من لحم و دم و فرادة تستمر بالإحالة للواقع ، حتى لكأن ضيفها القارئ يسمعها بصوتها و يشعر بحرارتها .

 
يدور العمل حول شخصية " خولة سليمان " و هي دكتورة التراث زوجة الشاعر قتيبة المتسمة بشخصية فريدة ، ناقدة ، بل مبالغة بنقد المجتمع ، و التي تعتمد على رؤاها الخاصة في تشكيل دستورها الحازم في معايرة ( المجتمع : الناس و الحياة ).
لخولة ثلاثة أبناء : ناصر – يوسف – حمد ، لكل منهم أسلوب مغاير في التعاطي معها وفق اتجاهين :
-خولة الأم .
-خولة الدكتورة : الشخصية الجدلية المشهورة .


و هذا التعاطي المتباين يبدأ من الفكرة الباطنية المشكلة منذ الطفولة الأولى و المارة بتجارب الصبا و سنوات النضج و من ثم ينطلق إلى الظاهر حيث مساحة التعالق المباشر .

تنمو الرواية في خط زمني محدود ، يبدأ منذ الصباح الذي أقرت فيه خولة أنها تكره التصابي و التأمرك ، و تعتز فيه بأوشحة الزمن و تقرر أن تجمع أبناءها على وجبة ودية كأية عائلة تلتم على ذاتها ، و تنتهي الرواية في مساء ذات اليوم حين يعود حمد أصغر الأبناء إلى البيت ليجده غارق في عتمته ، و ما بين البداية و النهاية ؛ و محدوية المدى الزمني و المهاد المكاني تناقش الرواية العديد من الأفكار ( عبر السرد و الوصف و الحوار ) ، حول المجتمع و الهوة بين الأجيال و سلطة الجماهير و غيرها .


هذا الوجه الأول للرواية ، بنقاشه لمشكلات الإنسان المعاصر ، قدّم بُعدا بالغ العمق في العمل ، و بدا كأنه يقول كل شيء و يفرد في وجه المتلقي كل هم ، كل قلق ، كل هواجس الصراع بين الأبوة و البنوة ، و مفاهيم الأصالة و التجديد ، و هذا أمر عظيم في الرواية . لكن هل هذا كل شيء ؟


أعتقد أن الكاتبة ، شكلت المعمار السردي بدقة متناهية ، و حسابات تبدأ من العتبة و تمر بالغلاف إلى اختيار الأسماء ، و تأثيث بيئة الصراع المكانية : حيث دار خولة بغرفة المعيشة و المطبخ و حوض السمك الخالي إلا من فقاعات الهواء ، مرورا بالحبكة الواعية على عبثيتها و انتهاء بالقفلة المفجعة .


فلم يكن عشوائيا عنونة العمل بـ " دار خولة " ، فخولة هي الأم ، و الأم هي الوطن ، و الوطن هو عالمنا الكبير ، و الأبناء هم فئات الشعب ، هم الأسماك التي تأكل بعضها بعضا ، و قد تحزبت و افترقت و تصارعت ما بين :


>>Click here to continue<<

قراءات




Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)