القصد أن تلك التوليفة بين المتن و الهامش كرست الوعي لفهم النص و معضلاته ، و حقيقة الشخوص و تحولاتهم . هذا التوازي يستمر بصنع مكاشفة إثر أخرى و بتوجيه النص نحو غايته و تكامله .
الشخصيات و التحولات :
تتمحور الرواية حول شخصية " وحيد هادي " الذي انتخب لقب أمير الظلام لنفسه ، و الذي تظهر حواراته الجوانية و البرانية و مواقفه الظاهرية تذبذبه بين حدين شديدي التطرف :
-الحقارة
-جنون العظمة
هذه المراوحة بين النقيضين شكلت شخصيته الأقرب إلى العته ، و التي تخوض مواقف شبيهة بدون كيشوت ، مصطحبا رفيقه " المحير " حسن صواب لمحاربة طواحين الهواء المتمثلة في أشجار الكونكاربس ، و بقدر ما يمكن أن تشفع له الحقائق المذكورة عن تلك الأشجار و الجدل القائم حولها – وهذا استثمار سردي ذكي بالمناسبة – بمثل ذلك القدر يفهم المتلفي من خلال السياق الحكائي و عبر التقادم في قراءة العمل أن حرب أمير الظلام مع أشجار الكونكاربس حربا غير مبدئية إنما قائمة على انفعلات الذات و على السعي خلف معرفة المكانة . لقد ظهرت علائم هذا الاضطراب في أكثر من موضع من الرواية ، أذكر على سبيل المثال عبارة وردت في صفحة 12 حيث يقول أمير الظلام:
" هذا يتكرر دائما في التاريخ و بعد أن يعرفوا الحقيقة سيقفون ورائي "
ففي استخدام مفردة ورائي و ليس معي نبش عميق في أعماق الشخصية و تزييفها الذاتي لحقيقتها ، فأمير الظلام المنشغل بمصلحة العالم و الذي أقسم أنه لن يترك المؤامرة تمس شعرة من رأس الإنسانية يبرر لنفسه الكذب أمام زميلته نرجس لتعزيز المكانة ،و يبرر لنفسه العنف البدني عبر الاعتداءات على حراس الأمن و الشرطة ، و يُمنطق بمسوغات عديدة تقديم الضحايا من أجل بروز مكانته كأمير الظلام مما يؤكد أنه يعنى فقط بنفسه و إن تعامى عن ذلك أو كذب بالحقيقة و صدق الزيف ، و أنه انشغاله بمحاربة المؤامرة ما هو إلا هوس بذاته غير أن ذلك الهوس متخف خلف الجهل المركب بالواقع و بالذات ..ربما .
في مقابل شخصية أمير الظلام يقدم النص شخصية حسن صواب ، بأبعادها الكاملة ، الهيئة و المشية و اللغة ، و رغم أن النص لم يغص في حواراتها الجوانية إلا أن الشخصية عبرت عن نفسها بصورة متكاملة كبطل ثانوي شديد التأثير في مسار الأحداث .
لقد قدم النص شخصيات أخرى ، هامشية لكنها جميعها كانت شديدة التأثير ، حتى أم أمير الظلام التي تبقى في صالة المنزل أمام المسلسل التلفازي بينما يصارع ولدها طواحينه و أفكاره مما يحيل القارئ لفهم طبيعة التنشئة التي نشأها أمير الظلام و ما ترسب في طفولته المبكرة من عقد أفضت به لمآله الأخير .
الرواية مرآة الواقع / الإنسان مرآة العالم :
تتنامى دهشة العمل في التماس ما بين المسرود و الواقع ، و عبر التناغم في بنية النص من حيث عناوين الفصول التي تشكل سلسلة من عتبات الفهم ، و في الحيل السردية المتراوحة بين المتن و الهامش ، و في المسار المفاجئ للنهاية و ما بعد النهاية ، و في تلك الجهة التي يأخذنا النص إليها لفهم إنسان اليوم و الانزلاق إلى أعمق نقاطه المضطربة . في المحصلة .. فتح عبد الله البصيص عبر حكاية أمير الظلام أعيينا لنبصر صورنا الظاهرة و المتوارية في مرايا الحقيقة .
>>Click here to continue<<