TG Telegram Group & Channel
قراءات | United States America (US)
Create: Update:

الإنسان مرآة العالم
الانزلاق في الذات المضطربة في رواية الإنسان مخلوق وحيد لـ عبد الله البصيص
 
مرة أخرى يأخذنا الكاتب عبد الله البصيص لعالم الشخصيات الغامضة التي تحرض المتلقي على تتبع سماتها في سبيل اكتشاف الحقيقة المتوارية خلف نسيج " واع " من السرد المُخاتل. إن الرحلة القرائية التي تَهبُها هذه الرواية لقارئها تحتم عليه ألا يتعاطى معها بمحدودية التجربة ، إنما على استدعاء نصوص الكاتب السابقة لمطالعتها كمشروع يشتغل عليه ، و كرسالة كبرى تبني فيها الأعمال ( أعمال الناص ) عتبة تلو عتبة للصعود لمستوى أعلى في فهم مأزق إنسان اليوم و الإنصات إليه .
الإنسان مخلوق وحيد ، رواية الكاتب عبد الله البصيص الصادرة حديثا عبر دار وسم تشكل مع أعماله الأخرى – رغم جِدة الطرح و فرادته – عالما منسجما قابلا للتمدد و مانحا فكرة التأمل و السؤال ، فليس من العبث أن نجد في أعمال الكاتب السابقة ذلك التقديم المتشابه لشخوص النص و الذي يعتمد على الغموض ، و يقدمها بالألقاب كـ : المنشار في ذكريات ضالة ، و أمير الظلام في " الإنسان مخلوق وحيد " ، فهذا التكريس لهذه التقنية يسحب القارئ لمواجهة سؤال هام جدا مفاده : كيف نميز بين الوهم و الحقيقة ؟ و الصدق و الزيف ؟ و كأن الناص في هذه التقنية ينبه المتلقي إلى ضرورة تفعيل الحاسة و الحدس أيضا ..إن كان يطلب الحقيقة .
لكن ما الحقيقة ؟
الحقيقة الواضحة هنا ، أننا نواجه في هذه العمل المتدفق حقائقنا الغائبة خلف جلدنا السميك ، و ممارساتنا اليومية ، و استعاراتنا الذاتية ، و على قدر ما بدت شخصيات النص – كلها – غارقة في اضطرابها : كنرجس المفتعلة ، و المدير متعب الباطش ، و حسن صواب الذي نحتار في تصنيفه فنشعر أنه " ذهاني " ثم تُربكنا عباراته الرصينة ، و لطيف اللطيف الذي ربما يحيلنا إلى شخص مصاب بضعف شديد بالشخصية لدرجة قبول الإهانة ، و مع التركيز على شخصية النص الفاعلة : أمير الظلام – وحيد هادي ؛ و على قدر هذا التمعن في اضطراب الشخصيات و الاستيثاق من عُتهها ، نظل مجبرين على تقبل أن هذه الشخصيات تشكل إنساننا الحالي ، المتآكل اكتئابا ، و القلِق من صورته و مكانته ، و المستميت في تبرير ذاته ، المنصرف تماما إلى تلميع القشور دون الالتفات إلى العطب الداخلي . فأمير الظلام .. شخص الواقع الذي يلعب الفورتنايت و يضيف خسارته بها إلى خساراته في الحياة ، و يقضم شطائر الوجبات السريعة ثم يبحث عن أسرع الطرق للتخسيس ، و يتكئ على الغيبيات و وهم المعجزة لتبرير وجوده الباهت باحثا عن انتصار وهمي ، و السؤال هو : من منا لم يهرع خلف انتصارات يومية صغيرة تمنع عنا هجمة اكتئابنا ؟
ما أعتقده هو أن شخصيات النص مثلت باضطراباتها المتنوعة شكل واقعنا ، أو لنقل أنها تنبهنا لما نصير إليه دون أن نشعر .
الحيّز الروائي و حِيَل السرد :
تتحرك شخصيات العمل في مسارات تصنع حيزا روائيا يفوق التجريب في المكان الحكائي ، أو ما يمكن أن نسميه بفضاء الرواية ، ذلك أن الناص اشتغل على المكان بنحو متفرد جدا ، بحيث صارت الأحداث الدافعة لعجلة العمل تدور في مساحات تتعدى الجغرافية ، حتى يتوضح ذلك الحيز علينا أن نفهم التالي :
1/ تدور الأحداث ما بين مكان العمل – المنزل – المساحات المزروعة – المطاعم – السجن .
2/ تتحرك الأحداث بنحو متسارع يغذي التدفق الحكائي من خلال " مخلية " الشخصية الرئيسية " أمير الظلام " ، و ما ترهصه حواراته الجوانية و أفكاره و تصوراته الخاصة .
3/ تعبر الأحداث حواجز الواقع للانزياح الافتراضي عبر دورانها في فضاءات افتراضية مثل : منصة تويتر ، مقاطع يوتيوب ، ألعاب إلكترونية كـ  " الفورتنايت " بنحو يؤثث الحيّز و يحرك عجلة العمل دون أي إثقال في النص ، فلا يبدو ذلك ضربا من الإضافة أو تعزيزا لعناصر الإمتاع فقط بل هو خط أصيل من مسارات الرواية ، صانع للحدث و تحولاته .
4/ تتحرك الشخصية الرئيسية أيضا في الهامش ، و الذي قد يظهر في المستوى الأول للتلقي كنوع من التخييل الذاتي ، فأمير الظلام يقصد الكاتب " عبد الله " ، زميله في العمل الذي يغلق بابه دوما على مشاريع قرائية و روائية ، غير أننا في المستوى الثاني من التلقي نفهم أن ذلك الهامش لم يتم تضمينه كتوطئة ، إنما كنص مقابل يفتح تأويلات أخرى لفهم النص . في الهامش يتدفق السرد بتيار الوعي ، و بلسان أمير الظلام نفسه ، إذ يطلب من الكاتب أن يكتب حكايته متفضلا عليه بمنحه فكرة غير مسبوقة ستحقق له المجد الأدبي ، و يظهر الكاتب و هو يقرأ " دون كيشوت " ، و في هذا إشارة بليغة جدا لتلك المقابلة بين النص و بين دون كيشوت .
و ما بين الهامش و المتن تراوغ المتلقي تلك الحيل السردية التي يبتكرها الناص ، فتظهر المفارقة في أن الهامش المكتوب بتيار الوعي يتوازى مع المتن المكتوب بتقنية الرواي العليم – الغير موثوق به – أو المتعاطف . فلا المتن غربنا عن الشخصية و لا الهامش زاد اقترابنا ، لقد كانت الشخصية مُجسمة بأبعادها كلها بالنحو الذي تتطلبه المعرفة .

الإنسان مرآة العالم
الانزلاق في الذات المضطربة في رواية الإنسان مخلوق وحيد لـ عبد الله البصيص
 
مرة أخرى يأخذنا الكاتب عبد الله البصيص لعالم الشخصيات الغامضة التي تحرض المتلقي على تتبع سماتها في سبيل اكتشاف الحقيقة المتوارية خلف نسيج " واع " من السرد المُخاتل. إن الرحلة القرائية التي تَهبُها هذه الرواية لقارئها تحتم عليه ألا يتعاطى معها بمحدودية التجربة ، إنما على استدعاء نصوص الكاتب السابقة لمطالعتها كمشروع يشتغل عليه ، و كرسالة كبرى تبني فيها الأعمال ( أعمال الناص ) عتبة تلو عتبة للصعود لمستوى أعلى في فهم مأزق إنسان اليوم و الإنصات إليه .
الإنسان مخلوق وحيد ، رواية الكاتب عبد الله البصيص الصادرة حديثا عبر دار وسم تشكل مع أعماله الأخرى – رغم جِدة الطرح و فرادته – عالما منسجما قابلا للتمدد و مانحا فكرة التأمل و السؤال ، فليس من العبث أن نجد في أعمال الكاتب السابقة ذلك التقديم المتشابه لشخوص النص و الذي يعتمد على الغموض ، و يقدمها بالألقاب كـ : المنشار في ذكريات ضالة ، و أمير الظلام في " الإنسان مخلوق وحيد " ، فهذا التكريس لهذه التقنية يسحب القارئ لمواجهة سؤال هام جدا مفاده : كيف نميز بين الوهم و الحقيقة ؟ و الصدق و الزيف ؟ و كأن الناص في هذه التقنية ينبه المتلقي إلى ضرورة تفعيل الحاسة و الحدس أيضا ..إن كان يطلب الحقيقة .
لكن ما الحقيقة ؟
الحقيقة الواضحة هنا ، أننا نواجه في هذه العمل المتدفق حقائقنا الغائبة خلف جلدنا السميك ، و ممارساتنا اليومية ، و استعاراتنا الذاتية ، و على قدر ما بدت شخصيات النص – كلها – غارقة في اضطرابها : كنرجس المفتعلة ، و المدير متعب الباطش ، و حسن صواب الذي نحتار في تصنيفه فنشعر أنه " ذهاني " ثم تُربكنا عباراته الرصينة ، و لطيف اللطيف الذي ربما يحيلنا إلى شخص مصاب بضعف شديد بالشخصية لدرجة قبول الإهانة ، و مع التركيز على شخصية النص الفاعلة : أمير الظلام – وحيد هادي ؛ و على قدر هذا التمعن في اضطراب الشخصيات و الاستيثاق من عُتهها ، نظل مجبرين على تقبل أن هذه الشخصيات تشكل إنساننا الحالي ، المتآكل اكتئابا ، و القلِق من صورته و مكانته ، و المستميت في تبرير ذاته ، المنصرف تماما إلى تلميع القشور دون الالتفات إلى العطب الداخلي . فأمير الظلام .. شخص الواقع الذي يلعب الفورتنايت و يضيف خسارته بها إلى خساراته في الحياة ، و يقضم شطائر الوجبات السريعة ثم يبحث عن أسرع الطرق للتخسيس ، و يتكئ على الغيبيات و وهم المعجزة لتبرير وجوده الباهت باحثا عن انتصار وهمي ، و السؤال هو : من منا لم يهرع خلف انتصارات يومية صغيرة تمنع عنا هجمة اكتئابنا ؟
ما أعتقده هو أن شخصيات النص مثلت باضطراباتها المتنوعة شكل واقعنا ، أو لنقل أنها تنبهنا لما نصير إليه دون أن نشعر .
الحيّز الروائي و حِيَل السرد :
تتحرك شخصيات العمل في مسارات تصنع حيزا روائيا يفوق التجريب في المكان الحكائي ، أو ما يمكن أن نسميه بفضاء الرواية ، ذلك أن الناص اشتغل على المكان بنحو متفرد جدا ، بحيث صارت الأحداث الدافعة لعجلة العمل تدور في مساحات تتعدى الجغرافية ، حتى يتوضح ذلك الحيز علينا أن نفهم التالي :
1/ تدور الأحداث ما بين مكان العمل – المنزل – المساحات المزروعة – المطاعم – السجن .
2/ تتحرك الأحداث بنحو متسارع يغذي التدفق الحكائي من خلال " مخلية " الشخصية الرئيسية " أمير الظلام " ، و ما ترهصه حواراته الجوانية و أفكاره و تصوراته الخاصة .
3/ تعبر الأحداث حواجز الواقع للانزياح الافتراضي عبر دورانها في فضاءات افتراضية مثل : منصة تويتر ، مقاطع يوتيوب ، ألعاب إلكترونية كـ  " الفورتنايت " بنحو يؤثث الحيّز و يحرك عجلة العمل دون أي إثقال في النص ، فلا يبدو ذلك ضربا من الإضافة أو تعزيزا لعناصر الإمتاع فقط بل هو خط أصيل من مسارات الرواية ، صانع للحدث و تحولاته .
4/ تتحرك الشخصية الرئيسية أيضا في الهامش ، و الذي قد يظهر في المستوى الأول للتلقي كنوع من التخييل الذاتي ، فأمير الظلام يقصد الكاتب " عبد الله " ، زميله في العمل الذي يغلق بابه دوما على مشاريع قرائية و روائية ، غير أننا في المستوى الثاني من التلقي نفهم أن ذلك الهامش لم يتم تضمينه كتوطئة ، إنما كنص مقابل يفتح تأويلات أخرى لفهم النص . في الهامش يتدفق السرد بتيار الوعي ، و بلسان أمير الظلام نفسه ، إذ يطلب من الكاتب أن يكتب حكايته متفضلا عليه بمنحه فكرة غير مسبوقة ستحقق له المجد الأدبي ، و يظهر الكاتب و هو يقرأ " دون كيشوت " ، و في هذا إشارة بليغة جدا لتلك المقابلة بين النص و بين دون كيشوت .
و ما بين الهامش و المتن تراوغ المتلقي تلك الحيل السردية التي يبتكرها الناص ، فتظهر المفارقة في أن الهامش المكتوب بتيار الوعي يتوازى مع المتن المكتوب بتقنية الرواي العليم – الغير موثوق به – أو المتعاطف . فلا المتن غربنا عن الشخصية و لا الهامش زاد اقترابنا ، لقد كانت الشخصية مُجسمة بأبعادها كلها بالنحو الذي تتطلبه المعرفة .


>>Click here to continue<<

قراءات




Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)