TG Telegram Group & Channel
قناة مجاهد مأمون ديرانيّة | United States America (US)
Create: Update:

هل يجوز التيمم بدلاً من الغسل بسبب البرد؟

مع شدة برد الشتاء وانقطاع وسائل التدفئة والتسخين في مناطق كثيرة في سوريا بات السؤال يتكرر كل يوم: هل يجوز التيمم بدلاً من الغسل لمن وجب عليه الغسل من جنابة واحتلام أو طهر من حيض ونفاس؟ ثم صارت الحاجة إلى جواب هذا السؤال أشدَّ بعد كارثة الزلزال الأخير التي شردت ملايين الناس.

خلاصة الفتوى: إذا تسبب استعمال الماء البارد في اليوم البارد بمشقة كبيرة يجوز التيمم ولو وُجد الماء، وإذا غلب على الظن أن يسبب الاغتسال المرضَ أو يزيد درجتَه ويؤخر الشفاء فالتيمم مستحَب واستعمال الماء البارد مكروه، وإذا غلب على الظن (اقتراباً من اليقين) أن الغسل يتسبب بأذى شديد قد يصل إلى الهلاك فالتيمم واجب والغسل بالماء البارد حرام.

ويتفرع عن هذا السؤال سؤال آخر: هل يأثم الزوجان لو صنعا ما يوجب الغسل وهما يعلمان أنه غير ممكن وأنهما سيترخّصان بالتيمم بدلاً من الاغتسال؟ الجواب: لا، لا بأس عليهما ولا يؤاخَذان على ما يصنعان بإذن الله.

التفصيل:

التيسير أصل كبير من أصول الدين لقوله تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وقوله: "وما جعل عليكم في الدين من حرج". من هذا الأصل العام اشتق الأصوليون قاعدة من قواعدهم الكلية: "المشقة تجلب التيسير"، ومنها "إذا ضاق الأمر اتسع". قالوا: "إذا دعت الضرورة والمشقة إلى اتساع الأمر فإنه يتسع إلى غاية اندفاع الضرورة والمشقة".

ومن المعلوم بالتجربة أن الاغتسال بالماء البارد في الجو البارد يتراوح بين المشقة الشديدة والضرر المحدود الذي يُمرض الصحيح أو يزيد مرض المريض ويؤخر شفاءه، بل إنه قد يتسبب بضرر شديد قد يفضي إلى الموت في بعض الأحيان (كما في حديث المشجوج الذي رواه جابر وابن عباس). من هنا اتفق الفقهاء على جواز التيمم لدفع المشقة المتحققة والضرر المحتمل.

هذا الحكم (الجواز) لا خلاف عليه وهو رخصة لكل من وجب عليه الغسل في البرد وعجز عن تسخين الماء، فإذا خاف الصحيحُ أن يُمرضه الاغتسال بالماء البارد والمريضُ أن يزيد البردُ مرضَه أو يؤخر شفاءه انتقل الحكم من الجواز إلى الاستحباب وصار الاغتسال مكروهاً، ثم ينتقل الحكم إلى الحرمة القطعية لو أيقن (أو اقترب من اليقين) أن الاغتسال بالماء البارد يمكن أن يتسبب بالوفاة.

وهذا التدرج في الحكم منهج عام قرره الفقهاء في كل الرخص التي أبيحت لدفع الضرر والهلاك، فقد أباحوا للمضطر -على سبيل المثال- أن يتناول من الأطعمة والأشربة المحرَّمة ما يدفع عنه الضرر إذا لم يجد غيرها، أما لو اقترب من الموت جوعاً وعطشاً فإن الأكل والشرب من الطعام والشراب المحرَّم واجبٌ عليه بمقدار ما يدفع عنه خطر الموت، فإن امتنع ومات فهو آثم لأنه تسبب في قتل نفسه وهو قادر على إنقاذها بالرخصة التي أحلها الله له. قال في "كشاف القناع": "من اضطر إلى محرَّم وجب عليه أن يأكل منه ما يسد رمقه ويأمن معه الموت". وفي "مدارج السالكين" لابن القيم: "الواجب تناول الطعام والشراب عند الاضطرار إليه وخوف الموت، فإن تركه حتى مات مات عاصياً قاتلاً لنفسه. قال الإمام أحمد: من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار".

* * *

ويترتب على هذا الحكم سؤال آخر: هل يجوز للمرء أن يُنشئ الفعل الموجِب للغسل ثم يلجأ مضطراً إلى التيمم لدفع الضرر أم ينبغي عليه الامتناع عن الفعل أصلاً؟

الجواب: لا يجب على الزوجين اجتناب ما يوجب الغسل لانعدام الماء ومن حقهما الاستفادة من رخصة التيمم عند الحاجة إلى الغسل بلا كراهة، هذا هو مذهب جمهور أهل العلم. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "ذهب الجمهور إلى أنه لا يُكره للرجل أن يصيب زوجته إذا كان عادماً للماء لحديث أبي ذر رضي الله عنه: قلت يا رسول الله إني أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور، فقال صلى الله عليه وسلم: الصعيد الطيب وضوء المسلم".

قلت: وهذه المسألة فرع من أصل: هل يأثم من يُسقط واجباً برخصة شرعية وهو قادر على عدم إسقاط الواجب؟ الصحيح أنه لا يأثم، فقد أجمع العلماء على جواز السفر قبل فجر الجمعة وأجازه الجمهور قبل الزوال بأي وقت، ولو بالوقت اليسير، والقول عندهم على الصحيح أنه لا إثم على المسافر لو خرج من البلد قبل أذان الظهر بربع ساعة وتسقط عنه الجمعة ويجوز للصائم الفطر ولا حرج. بل إن أكثر الفقهاء أجازوا الفطر في رمضان لمن سافر لمجرد المتعة والتنزّه ولو في غير مصلحة متحققة، لأنهم اشترطوا للفطر والقصر في السفر أن يكون سفراً مباحاً في غير معصية ولم يقيدوه بشرط المنفعة (كالتجارة والحج والجهاد وصلة الرحم وغيرها من المقاصد الشريفة).

وهذا باب عريض ليس المقام هنا مقام استقصاء مفرداته جميعاً، فتكفينا فيه الخلاصة، وهي أن الشارع عندما قدم الرخصة للعباد أراد منهم الانتفاع بها ولم يقصد تقييدها بقيود صارمة تمنعهم من الاستفادة منها. والله تعالى أعلم.

هل يجوز التيمم بدلاً من الغسل بسبب البرد؟

مع شدة برد الشتاء وانقطاع وسائل التدفئة والتسخين في مناطق كثيرة في سوريا بات السؤال يتكرر كل يوم: هل يجوز التيمم بدلاً من الغسل لمن وجب عليه الغسل من جنابة واحتلام أو طهر من حيض ونفاس؟ ثم صارت الحاجة إلى جواب هذا السؤال أشدَّ بعد كارثة الزلزال الأخير التي شردت ملايين الناس.

خلاصة الفتوى: إذا تسبب استعمال الماء البارد في اليوم البارد بمشقة كبيرة يجوز التيمم ولو وُجد الماء، وإذا غلب على الظن أن يسبب الاغتسال المرضَ أو يزيد درجتَه ويؤخر الشفاء فالتيمم مستحَب واستعمال الماء البارد مكروه، وإذا غلب على الظن (اقتراباً من اليقين) أن الغسل يتسبب بأذى شديد قد يصل إلى الهلاك فالتيمم واجب والغسل بالماء البارد حرام.

ويتفرع عن هذا السؤال سؤال آخر: هل يأثم الزوجان لو صنعا ما يوجب الغسل وهما يعلمان أنه غير ممكن وأنهما سيترخّصان بالتيمم بدلاً من الاغتسال؟ الجواب: لا، لا بأس عليهما ولا يؤاخَذان على ما يصنعان بإذن الله.

التفصيل:

التيسير أصل كبير من أصول الدين لقوله تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وقوله: "وما جعل عليكم في الدين من حرج". من هذا الأصل العام اشتق الأصوليون قاعدة من قواعدهم الكلية: "المشقة تجلب التيسير"، ومنها "إذا ضاق الأمر اتسع". قالوا: "إذا دعت الضرورة والمشقة إلى اتساع الأمر فإنه يتسع إلى غاية اندفاع الضرورة والمشقة".

ومن المعلوم بالتجربة أن الاغتسال بالماء البارد في الجو البارد يتراوح بين المشقة الشديدة والضرر المحدود الذي يُمرض الصحيح أو يزيد مرض المريض ويؤخر شفاءه، بل إنه قد يتسبب بضرر شديد قد يفضي إلى الموت في بعض الأحيان (كما في حديث المشجوج الذي رواه جابر وابن عباس). من هنا اتفق الفقهاء على جواز التيمم لدفع المشقة المتحققة والضرر المحتمل.

هذا الحكم (الجواز) لا خلاف عليه وهو رخصة لكل من وجب عليه الغسل في البرد وعجز عن تسخين الماء، فإذا خاف الصحيحُ أن يُمرضه الاغتسال بالماء البارد والمريضُ أن يزيد البردُ مرضَه أو يؤخر شفاءه انتقل الحكم من الجواز إلى الاستحباب وصار الاغتسال مكروهاً، ثم ينتقل الحكم إلى الحرمة القطعية لو أيقن (أو اقترب من اليقين) أن الاغتسال بالماء البارد يمكن أن يتسبب بالوفاة.

وهذا التدرج في الحكم منهج عام قرره الفقهاء في كل الرخص التي أبيحت لدفع الضرر والهلاك، فقد أباحوا للمضطر -على سبيل المثال- أن يتناول من الأطعمة والأشربة المحرَّمة ما يدفع عنه الضرر إذا لم يجد غيرها، أما لو اقترب من الموت جوعاً وعطشاً فإن الأكل والشرب من الطعام والشراب المحرَّم واجبٌ عليه بمقدار ما يدفع عنه خطر الموت، فإن امتنع ومات فهو آثم لأنه تسبب في قتل نفسه وهو قادر على إنقاذها بالرخصة التي أحلها الله له. قال في "كشاف القناع": "من اضطر إلى محرَّم وجب عليه أن يأكل منه ما يسد رمقه ويأمن معه الموت". وفي "مدارج السالكين" لابن القيم: "الواجب تناول الطعام والشراب عند الاضطرار إليه وخوف الموت، فإن تركه حتى مات مات عاصياً قاتلاً لنفسه. قال الإمام أحمد: من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار".

* * *

ويترتب على هذا الحكم سؤال آخر: هل يجوز للمرء أن يُنشئ الفعل الموجِب للغسل ثم يلجأ مضطراً إلى التيمم لدفع الضرر أم ينبغي عليه الامتناع عن الفعل أصلاً؟

الجواب: لا يجب على الزوجين اجتناب ما يوجب الغسل لانعدام الماء ومن حقهما الاستفادة من رخصة التيمم عند الحاجة إلى الغسل بلا كراهة، هذا هو مذهب جمهور أهل العلم. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "ذهب الجمهور إلى أنه لا يُكره للرجل أن يصيب زوجته إذا كان عادماً للماء لحديث أبي ذر رضي الله عنه: قلت يا رسول الله إني أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور، فقال صلى الله عليه وسلم: الصعيد الطيب وضوء المسلم".

قلت: وهذه المسألة فرع من أصل: هل يأثم من يُسقط واجباً برخصة شرعية وهو قادر على عدم إسقاط الواجب؟ الصحيح أنه لا يأثم، فقد أجمع العلماء على جواز السفر قبل فجر الجمعة وأجازه الجمهور قبل الزوال بأي وقت، ولو بالوقت اليسير، والقول عندهم على الصحيح أنه لا إثم على المسافر لو خرج من البلد قبل أذان الظهر بربع ساعة وتسقط عنه الجمعة ويجوز للصائم الفطر ولا حرج. بل إن أكثر الفقهاء أجازوا الفطر في رمضان لمن سافر لمجرد المتعة والتنزّه ولو في غير مصلحة متحققة، لأنهم اشترطوا للفطر والقصر في السفر أن يكون سفراً مباحاً في غير معصية ولم يقيدوه بشرط المنفعة (كالتجارة والحج والجهاد وصلة الرحم وغيرها من المقاصد الشريفة).

وهذا باب عريض ليس المقام هنا مقام استقصاء مفرداته جميعاً، فتكفينا فيه الخلاصة، وهي أن الشارع عندما قدم الرخصة للعباد أراد منهم الانتفاع بها ولم يقصد تقييدها بقيود صارمة تمنعهم من الاستفادة منها. والله تعالى أعلم.


>>Click here to continue<<

قناة مجاهد مأمون ديرانيّة




Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)