TG Telegram Group & Channel
اقرأ📚- للقراءة الهادفة | United States America (US)
Create: Update:

ويحدثنا الإمام الذهبي (ت 748هـ/1347م) -في ‘تاريخ الإسلام‘- بأن الخليفة عمر الفاروق (ت 23هـ/645م) لقي يوما الصحابي الجليل "محمد بن مسلمة (ت 46هـ/667م) فقال له عمر: كيف تراني؟ قال: *أراك كما أحب..، أراك قويا على جمع المال، عفيفا عنه، عدلا في قسمته، ولو ملتَ عدلناك كما يُعدل السهم في الثقاف*! فقال [عمر]: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملتُ عدلوني"!!

ولم تكن تلك المبادئ حكرا على تعامل الخلفاء الشخصي مع مواطنيهم؛ بل كانت دستورا ثابتا يسير عليه -في أغلب الأوقات- كافة ولاة ومسؤولي دولة الخلافة الراشدة، ويلزم به الخلفاء موظفيهم العموميين؛ فقد روى الإمام البيهقي (ت 458هـ/1067م) -في السنن الكبرى‘- أن عمر خطب في المسلمين يوما فقال:

*"ألا إنما أبعث عمالي ليعلموكم دينكم وليعلموكم سننكم، ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم ولا ليأخذوا أموالكم، ألا فمن رابه شيء من ذلك فليرفعه إليّ، فوالذي نفس عمر بيده لأقصنّ منه"!! ثم توجه بخطابه إلى ولاته على الأقاليم فقال مهددا إياهم: "ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم"!!*

ثمّ كان أول اختبار عمليّ لموقف المسلمين من الاحتجاج السلميّ في عهد الخليفة عثمان بن عفان (ت 35هـ/656م)، وذلك حين احتجّت طائفة من أقاليم مختلفة على بعض سياساته وسياسات ولاته في تلك الأقاليم.

*وبغض النظر عن مدى صدق مزاعم المحتجين؛ فإن الخليفة عثمان نجح في ضمان حق الأمة في الاعتراض على ولاة أمورها بإقراره للمحتجين على مبدأ احتجاجهم رغم ما انطوى عليه من عنف وخشونة، بل إنه رفض تدخل الصحابة لفضّ ذلك الاحتجاج أو لمقاتلة أصحابه بالقوة دفاعا عن حياة الخليفة الشرعي*.

وفي ذلك يقول الإمام ابن كثير (ت 774هـ/1372م) في ‘البداية والنهاية‘: "قال عثمان للذين عنده في الدار من أبناء المهاجرين والأنصار -وكانوا قريبا من سبعمئة-... ولو تركهم لمنعوه...: *أقسم على من لي عليه حق أن يكفّ يده، وأن ينطلق إلى منزله، وقال لرقيقه: من أغمد سيفه فهو حُرٌّ"!!*
مسار طويل
كانت واقعة الاحتجاج على الخليفة عثمان بن عفان -التي بدأت سلمية وانتهت باستشهاده مقتولا في داره- هي البداية التأسيسية لمسارٍ طويل ومطّرد من الاحتجاجات السياسية الجماعية والميدانية، والتي وثّقتها بدقة متناهية مدونات التاريخ الإسلامي طوال عهوده المختلفة.

ثم انتهت حقبة الخلافة الراشدة -إثر استشهاد الخليفة علي بن أبي طالب (ت 40هـ/661م)- بما أسسته للمسلمين من مبادئ تقر حقهم في الاعتراض والاحتجاج على سياسات حكامهم، باعتبارهم وكلاء عن الأمة في تحقيق وحفظ مصالحها العامة والخاصة، وبوصف الاحتجاج -إذا كان نابعا من أسباب موضوعية- نوعا من أنواع فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صيغة *"الحِسبة على السلطان"*.

وانطلاقا من ذلك الإرث النظري والعملي الذي حكم نظرة الصحابة والتابعين إلى سياسات الخلفاء الراشدين؛ نجد أن المسلمين واجهوا سلطة الدولة الأموية في حالات كثيرة بكلٍّ من تلك الأوضاع الاحتجاجية، وذلك بدءا من مؤسس الدولة الأموية الخليفة معاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ/681م) وحتى آخر الخلفاء الأمويين.

لقد كانت حادثة سابقة قرار معاوية توريث السلطة لابنه يزيد (ت 64هـ/685م) أولى محطات المسيرة الاحتجاجية على الأمويين؛ فحين أمر معاوية واليه على الحجاز مروان بن الحكم (ت 65هـ/686م) أن يأخذ له بيعة الصحابة بالمدينة النبوية بولاية العهد لابنه يزيد تصدت له كوكبة من أبناء الصحابة، معترضين على ذلك القرار الذي كان له لاحقا تأثير خطير في تاريخ المسلمين.

فقد ذكر الإمام ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ/1448م) -في ‘الإصابة في تمييز الصحابة‘- أنه *"كان مروان على الحجاز -استعمله (= جعله واليا) معاوية- فخطب فذكر يزيد بن معاوية لكي يبايَع له بعد أبيه...، فقال مروان: سنة أبي بكر وعمر! فقال عبد الرحمن: سنة هرقل وقيصر"!!*

وكان مروان يعني أن استخلاف معاوية لابنه إنما جاء اقتداءً باقتراح أبي بكر على الصحابة تولية عمر خليفة بعده، أما الصحابة فقد رأوا في الأمر تقليدا لعادة قياصرة الروم في توريث الملك لأبنائهم؛ وهو ما توضحه رواية لدى الإمام السيوطي (ت 911هـ/1506م) -في ‘تاريخ الخلفاء‘- بقوله: "فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (ت 53هـ/674م) فقال: بل سنة كسرى وقيصر! وإن أبا بكر وعمر لم يجعلاها في أولادهما، ولا في أحد من أهل بيتهما"!!

وكان في قوله ذلك إشارة بليغة إلى تأثير بيئة الشام -الرومانية الحكم سابقا- على مزاج البيت الأموي، وخاصة معاوية الذي تولى -حتى ساعتها- ولاية الشام نحو ثلاثين سنة (واليا وخليفة).

ويورد ابن حجر ما يفيد بأن هذا الموقف الاحتجاجي تكرر مع معاوية نفسه حين قدم الحجاز حاجًّا سنة 51هـ/672م، وأراد أخذ البيعة لابنه من أهل المدينة؛ فقد "خطب معاوية فدعا الناس إلى بيعة يزيد، فكلمه الحسين بن علي (ت 61هـ/682م) وابن الزبير (عبد الله ت 73هـ/690م) وعبد الرحمن بن أبي بكر، فقال له عبد الرحمن: *أهِرَقليةٌ؟! كلما مات

ويحدثنا الإمام الذهبي (ت 748هـ/1347م) -في ‘تاريخ الإسلام‘- بأن الخليفة عمر الفاروق (ت 23هـ/645م) لقي يوما الصحابي الجليل "محمد بن مسلمة (ت 46هـ/667م) فقال له عمر: كيف تراني؟ قال: *أراك كما أحب..، أراك قويا على جمع المال، عفيفا عنه، عدلا في قسمته، ولو ملتَ عدلناك كما يُعدل السهم في الثقاف*! فقال [عمر]: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملتُ عدلوني"!!

ولم تكن تلك المبادئ حكرا على تعامل الخلفاء الشخصي مع مواطنيهم؛ بل كانت دستورا ثابتا يسير عليه -في أغلب الأوقات- كافة ولاة ومسؤولي دولة الخلافة الراشدة، ويلزم به الخلفاء موظفيهم العموميين؛ فقد روى الإمام البيهقي (ت 458هـ/1067م) -في السنن الكبرى‘- أن عمر خطب في المسلمين يوما فقال:

*"ألا إنما أبعث عمالي ليعلموكم دينكم وليعلموكم سننكم، ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم ولا ليأخذوا أموالكم، ألا فمن رابه شيء من ذلك فليرفعه إليّ، فوالذي نفس عمر بيده لأقصنّ منه"!! ثم توجه بخطابه إلى ولاته على الأقاليم فقال مهددا إياهم: "ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم"!!*

ثمّ كان أول اختبار عمليّ لموقف المسلمين من الاحتجاج السلميّ في عهد الخليفة عثمان بن عفان (ت 35هـ/656م)، وذلك حين احتجّت طائفة من أقاليم مختلفة على بعض سياساته وسياسات ولاته في تلك الأقاليم.

*وبغض النظر عن مدى صدق مزاعم المحتجين؛ فإن الخليفة عثمان نجح في ضمان حق الأمة في الاعتراض على ولاة أمورها بإقراره للمحتجين على مبدأ احتجاجهم رغم ما انطوى عليه من عنف وخشونة، بل إنه رفض تدخل الصحابة لفضّ ذلك الاحتجاج أو لمقاتلة أصحابه بالقوة دفاعا عن حياة الخليفة الشرعي*.

وفي ذلك يقول الإمام ابن كثير (ت 774هـ/1372م) في ‘البداية والنهاية‘: "قال عثمان للذين عنده في الدار من أبناء المهاجرين والأنصار -وكانوا قريبا من سبعمئة-... ولو تركهم لمنعوه...: *أقسم على من لي عليه حق أن يكفّ يده، وأن ينطلق إلى منزله، وقال لرقيقه: من أغمد سيفه فهو حُرٌّ"!!*
مسار طويل
كانت واقعة الاحتجاج على الخليفة عثمان بن عفان -التي بدأت سلمية وانتهت باستشهاده مقتولا في داره- هي البداية التأسيسية لمسارٍ طويل ومطّرد من الاحتجاجات السياسية الجماعية والميدانية، والتي وثّقتها بدقة متناهية مدونات التاريخ الإسلامي طوال عهوده المختلفة.

ثم انتهت حقبة الخلافة الراشدة -إثر استشهاد الخليفة علي بن أبي طالب (ت 40هـ/661م)- بما أسسته للمسلمين من مبادئ تقر حقهم في الاعتراض والاحتجاج على سياسات حكامهم، باعتبارهم وكلاء عن الأمة في تحقيق وحفظ مصالحها العامة والخاصة، وبوصف الاحتجاج -إذا كان نابعا من أسباب موضوعية- نوعا من أنواع فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صيغة *"الحِسبة على السلطان"*.

وانطلاقا من ذلك الإرث النظري والعملي الذي حكم نظرة الصحابة والتابعين إلى سياسات الخلفاء الراشدين؛ نجد أن المسلمين واجهوا سلطة الدولة الأموية في حالات كثيرة بكلٍّ من تلك الأوضاع الاحتجاجية، وذلك بدءا من مؤسس الدولة الأموية الخليفة معاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ/681م) وحتى آخر الخلفاء الأمويين.

لقد كانت حادثة سابقة قرار معاوية توريث السلطة لابنه يزيد (ت 64هـ/685م) أولى محطات المسيرة الاحتجاجية على الأمويين؛ فحين أمر معاوية واليه على الحجاز مروان بن الحكم (ت 65هـ/686م) أن يأخذ له بيعة الصحابة بالمدينة النبوية بولاية العهد لابنه يزيد تصدت له كوكبة من أبناء الصحابة، معترضين على ذلك القرار الذي كان له لاحقا تأثير خطير في تاريخ المسلمين.

فقد ذكر الإمام ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ/1448م) -في ‘الإصابة في تمييز الصحابة‘- أنه *"كان مروان على الحجاز -استعمله (= جعله واليا) معاوية- فخطب فذكر يزيد بن معاوية لكي يبايَع له بعد أبيه...، فقال مروان: سنة أبي بكر وعمر! فقال عبد الرحمن: سنة هرقل وقيصر"!!*

وكان مروان يعني أن استخلاف معاوية لابنه إنما جاء اقتداءً باقتراح أبي بكر على الصحابة تولية عمر خليفة بعده، أما الصحابة فقد رأوا في الأمر تقليدا لعادة قياصرة الروم في توريث الملك لأبنائهم؛ وهو ما توضحه رواية لدى الإمام السيوطي (ت 911هـ/1506م) -في ‘تاريخ الخلفاء‘- بقوله: "فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (ت 53هـ/674م) فقال: بل سنة كسرى وقيصر! وإن أبا بكر وعمر لم يجعلاها في أولادهما، ولا في أحد من أهل بيتهما"!!

وكان في قوله ذلك إشارة بليغة إلى تأثير بيئة الشام -الرومانية الحكم سابقا- على مزاج البيت الأموي، وخاصة معاوية الذي تولى -حتى ساعتها- ولاية الشام نحو ثلاثين سنة (واليا وخليفة).

ويورد ابن حجر ما يفيد بأن هذا الموقف الاحتجاجي تكرر مع معاوية نفسه حين قدم الحجاز حاجًّا سنة 51هـ/672م، وأراد أخذ البيعة لابنه من أهل المدينة؛ فقد "خطب معاوية فدعا الناس إلى بيعة يزيد، فكلمه الحسين بن علي (ت 61هـ/682م) وابن الزبير (عبد الله ت 73هـ/690م) وعبد الرحمن بن أبي بكر، فقال له عبد الرحمن: *أهِرَقليةٌ؟! كلما مات


>>Click here to continue<<

اقرأ📚- للقراءة الهادفة




Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)