TG Telegram Group & Channel
اقرأ📚- التاريخ | United States America (US)
Create: Update:

*قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط*
الحلقة (109)

*عصر الموحدين*

*المنصور الموحدي*

أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي (554-595هـ=1160-1199م)

بعد وفاة يوسف بن عبد المؤمن بن علي تولَّى من بعده ابنه يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي، وقد لُقب بالمنصور، وكان له ابن يُدعى يوسف، فعُرف بأبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي.

*يُعَرِّفه ابن خلكان فيقول: أبو يوسف يعقوب بن أبي يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي، القيسي الكومي، صاحب بلاد المغرب... كان صافي السمرة جدًّا، إلى الطول ما هو، جميل الوجه، أَفْوَه أَعْيَنَ شديد الكحل، ضخم الأعضاء، جَهْوَرِيَّ الصوت، جَزْلَ الألفاظ، من أصدق الناس لهجة، وأحسنهم حديثًا، وأكثرهم إصابة بالظنِّ، مجربًا للأمور، ولي وزارة أبيه، فبحث عن الأحوال بحثًا شافيًا، وطالع مقاصد العمال والولاة وغيرهم مطالعة أفادته معرفة جزئيات الأمور، ولما مات أبوه اجتمع رأي أشياخ الموحدين وبني عبد المؤمن على تقديمه، فبايعوه وعقدوا له الولاية، ودَعَوْهُ أمير المؤمنين كأبيه وجدِّه، ولَقَّبُوه بالمنصور، فقام بالأمر أحسن قيام، وهو الذي أظهر أبهة ملكهم، ورفع راية الجهاد، ونصب ميزان العدل، وبسط أحكام الناس على حقيقة الشرع، ونظر في أمور الدين والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الحدود حتى في أهله وعشيرته الأقربين، كما أقامها في سائر الناس أجمعين، فاستقامت الأحوال في أيامه وعظمت الفتوحات.*

ولما مات أبوه كان معه في الصحبة، فباشر تدبير المملكة من هناك، وأول ما رتَّب قواعدُ بلاد الأندلس، فأصلح شأنها وقرَّر المقاتلين في مراكزها، ومهَّد مصالحها في مدة شهرين، وأمر بقراءة البسملة في أول الفاتحة في الصلوات، وأرسل بذلك إلى سائر بلاد الإسلام التي في مملكته، فأجاب قومٌ وامتنع آخرون[1].

وقد تولَّى المنصور الموحدي حُكم دولة الموحدين خمس عشرة سنة متصلة؛ من سنة (580هـ= 1184م) وحتى سنة (595هـ= 1199م)، وكان أقوى شخصية في تاريخ دولة الموحدين، ومن أعظم الشخصيات في تاريخ المسلمين بصفة عامَّة، وقد عُدَّ عصره في دولة الموحدين بالعصر الذهبي.

*المنصور الموحدي الرجل الإنسان*

مثل عبد الرحمن الداخل ومِنْ بعده عبد الرحمن الناصر، وغيرهم ممن فعلوا ما لم يفعله الشيوخ والكبار، تولَّى أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي وكان عمره ستًا وعشرين سنة فقط[2]، وقد قام بالأمر على أحسن ما يكون، ورفع راية الجهاد، ونصب ميزان العدل، ونظر في أمور الدين والوعظ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن.

واستطاع أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي أن يُغَيِّر كثيرًا من أسلوب السابقين له؛ فكانت سمته الهدوء والسكينة والعدل والحلم؛ حتى إنه كان يقف ليقضي حاجة المرأة وحاجة الضعيف في قارعة الطريق[3]، وكان يَؤُمُّ الناس في الصلوات الخمس[4]، وكان زاهدًا؛ يلبس الصوف الخشن من الثياب، وقد أقام الحدود حتى في أهله وعشيرته؛ فاستقامت الأحوال في البلاد، وعظمت الفتوحات.

*بَلَغَتْ أعمال أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي الجليلة في دولته أوجها، فحارب الخمور[5]، وأحرق كتب الفلاسفة، واهتمَّ بالطب والهندسة[6]، وألغى المناظرات العقيمة، التي كانت في أواخر عهد المرابطين وأوائل عهد الموحدين[7]، وزاد كثيرًا في العطاء للعلماء، «وانتشر في أيامه للصالحين والمتبتلين وأهل علم الحديث صيت، وقامت لهم سوق، وعظمت مكانتهم منه ومن الناس، ولم يزل يستدعي الصالحين من البلاد ويكتب إليهم يسألهم الدعاء، ويصل مَنْ يقبل صلته منهم بالصلات الجزيلة»[8]، ومال هو إلى مذهب ابن حزم الظاهري؛ وأحرق الكثير من كتب الفروع، وأمر بالاعتماد على كتاب الله وعلى كتب السُّنَّة الصحيحة[9].*

وفي دولته اهتمَّ -أيضًا- أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي بالعمران، وقد أكمل إنشاء مدينة الرباط التي كان قد اختطها ورسم حدودها أبوه يوسف، وسمَّاها رباط الفتح[10]، وأقام فيها المستشفى الكبير الذي يصفه عبد الواحد المراكشي مبهورًا بقوله: «وبنى بمدينة مراكش بيمارستانًا ما أظن أن في الدنيا مثله؛ وذلك أنه تخيَّر ساحة فسيحة بأعدل موضع في البلد، وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه، فأتقنوا فيه من النقوش البديعة والزخارف المحكمة ما زاد على الاقتراح، وأمر أن يُغرس فيه مع ذلك من جميع الأشجار المشمومات والمأكولات، وأجرى فيه مياهًا كثيرة تدور على جميع البيوت، زيادةً على أربع بِرَكٍ في وسطه، إحداها رخام أبيض، ثم أمر له من الفُرُش النفيسة من أنواع الصوف والكَتَّان والحرير والأديم وغيره بما يزيد على الوصف، ويأتي فوق النعت، وأجرى له ثلاثين دينارًا في كل يوم برسم الطعام، وما يُنْفَقُ عليه خاصة خارجًا عما جَلَب إليه من الأدوية، وأقام فيه من الصيادلة لعمل الأشربة والأدهان والأكحال، وأعدَّ فيه للمرضى ثيابَ ليلٍ ونهار...

*قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط*
الحلقة (109)

*عصر الموحدين*

*المنصور الموحدي*

أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي (554-595هـ=1160-1199م)

بعد وفاة يوسف بن عبد المؤمن بن علي تولَّى من بعده ابنه يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي، وقد لُقب بالمنصور، وكان له ابن يُدعى يوسف، فعُرف بأبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي.

*يُعَرِّفه ابن خلكان فيقول: أبو يوسف يعقوب بن أبي يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي، القيسي الكومي، صاحب بلاد المغرب... كان صافي السمرة جدًّا، إلى الطول ما هو، جميل الوجه، أَفْوَه أَعْيَنَ شديد الكحل، ضخم الأعضاء، جَهْوَرِيَّ الصوت، جَزْلَ الألفاظ، من أصدق الناس لهجة، وأحسنهم حديثًا، وأكثرهم إصابة بالظنِّ، مجربًا للأمور، ولي وزارة أبيه، فبحث عن الأحوال بحثًا شافيًا، وطالع مقاصد العمال والولاة وغيرهم مطالعة أفادته معرفة جزئيات الأمور، ولما مات أبوه اجتمع رأي أشياخ الموحدين وبني عبد المؤمن على تقديمه، فبايعوه وعقدوا له الولاية، ودَعَوْهُ أمير المؤمنين كأبيه وجدِّه، ولَقَّبُوه بالمنصور، فقام بالأمر أحسن قيام، وهو الذي أظهر أبهة ملكهم، ورفع راية الجهاد، ونصب ميزان العدل، وبسط أحكام الناس على حقيقة الشرع، ونظر في أمور الدين والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الحدود حتى في أهله وعشيرته الأقربين، كما أقامها في سائر الناس أجمعين، فاستقامت الأحوال في أيامه وعظمت الفتوحات.*

ولما مات أبوه كان معه في الصحبة، فباشر تدبير المملكة من هناك، وأول ما رتَّب قواعدُ بلاد الأندلس، فأصلح شأنها وقرَّر المقاتلين في مراكزها، ومهَّد مصالحها في مدة شهرين، وأمر بقراءة البسملة في أول الفاتحة في الصلوات، وأرسل بذلك إلى سائر بلاد الإسلام التي في مملكته، فأجاب قومٌ وامتنع آخرون[1].

وقد تولَّى المنصور الموحدي حُكم دولة الموحدين خمس عشرة سنة متصلة؛ من سنة (580هـ= 1184م) وحتى سنة (595هـ= 1199م)، وكان أقوى شخصية في تاريخ دولة الموحدين، ومن أعظم الشخصيات في تاريخ المسلمين بصفة عامَّة، وقد عُدَّ عصره في دولة الموحدين بالعصر الذهبي.

*المنصور الموحدي الرجل الإنسان*

مثل عبد الرحمن الداخل ومِنْ بعده عبد الرحمن الناصر، وغيرهم ممن فعلوا ما لم يفعله الشيوخ والكبار، تولَّى أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي وكان عمره ستًا وعشرين سنة فقط[2]، وقد قام بالأمر على أحسن ما يكون، ورفع راية الجهاد، ونصب ميزان العدل، ونظر في أمور الدين والوعظ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن.

واستطاع أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي أن يُغَيِّر كثيرًا من أسلوب السابقين له؛ فكانت سمته الهدوء والسكينة والعدل والحلم؛ حتى إنه كان يقف ليقضي حاجة المرأة وحاجة الضعيف في قارعة الطريق[3]، وكان يَؤُمُّ الناس في الصلوات الخمس[4]، وكان زاهدًا؛ يلبس الصوف الخشن من الثياب، وقد أقام الحدود حتى في أهله وعشيرته؛ فاستقامت الأحوال في البلاد، وعظمت الفتوحات.

*بَلَغَتْ أعمال أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي الجليلة في دولته أوجها، فحارب الخمور[5]، وأحرق كتب الفلاسفة، واهتمَّ بالطب والهندسة[6]، وألغى المناظرات العقيمة، التي كانت في أواخر عهد المرابطين وأوائل عهد الموحدين[7]، وزاد كثيرًا في العطاء للعلماء، «وانتشر في أيامه للصالحين والمتبتلين وأهل علم الحديث صيت، وقامت لهم سوق، وعظمت مكانتهم منه ومن الناس، ولم يزل يستدعي الصالحين من البلاد ويكتب إليهم يسألهم الدعاء، ويصل مَنْ يقبل صلته منهم بالصلات الجزيلة»[8]، ومال هو إلى مذهب ابن حزم الظاهري؛ وأحرق الكثير من كتب الفروع، وأمر بالاعتماد على كتاب الله وعلى كتب السُّنَّة الصحيحة[9].*

وفي دولته اهتمَّ -أيضًا- أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي بالعمران، وقد أكمل إنشاء مدينة الرباط التي كان قد اختطها ورسم حدودها أبوه يوسف، وسمَّاها رباط الفتح[10]، وأقام فيها المستشفى الكبير الذي يصفه عبد الواحد المراكشي مبهورًا بقوله: «وبنى بمدينة مراكش بيمارستانًا ما أظن أن في الدنيا مثله؛ وذلك أنه تخيَّر ساحة فسيحة بأعدل موضع في البلد، وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه، فأتقنوا فيه من النقوش البديعة والزخارف المحكمة ما زاد على الاقتراح، وأمر أن يُغرس فيه مع ذلك من جميع الأشجار المشمومات والمأكولات، وأجرى فيه مياهًا كثيرة تدور على جميع البيوت، زيادةً على أربع بِرَكٍ في وسطه، إحداها رخام أبيض، ثم أمر له من الفُرُش النفيسة من أنواع الصوف والكَتَّان والحرير والأديم وغيره بما يزيد على الوصف، ويأتي فوق النعت، وأجرى له ثلاثين دينارًا في كل يوم برسم الطعام، وما يُنْفَقُ عليه خاصة خارجًا عما جَلَب إليه من الأدوية، وأقام فيه من الصيادلة لعمل الأشربة والأدهان والأكحال، وأعدَّ فيه للمرضى ثيابَ ليلٍ ونهار...


>>Click here to continue<<

اقرأ📚- التاريخ






Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)