• السابّ والهازل بشيء من ذكر الله تعالى أو شرعه أو دينه مرتد خارج عن الإسلام بشرط أن يكون هزله أو سبّه واضح الدلالة.
ذلك أنه باستخفافه أو استهزائه أو ازدرائه لشيء من شعائر الله ودينه ينقض ما تضمنته شهادة التوحيد من إخلاص المحبة لله تعالى وتعظيمه والانقياد لأمره، المستلزم للشك والتكذيب والبغض.
قال رحمه الله في [الصارم المسلول]: "إن الانقياد إجلال وإكرام، والاستخفاف إهانة وإذلال، وهذان ضدان، فمتى حصل في القلب أحدهما انتفى الآخر، فعلم أن الاستخفاف والاستهانة به ينافي الإيمان منافاة الضد للضد".
قال ابن السعدي: فإن الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم اللّه، وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل، ومناقض له أشد المناقضة.
وعدّه الشيخ محمد بن عبد الوهاب من النواقض المجمع عليها فقال: الاستهزاء بالله أو بكتابه أو بآياته أو برسوله، مَن فعل ذلك فقد كَفر.
• نصّ شيخ الإسلام في [الصارم] أنّ الهازل والسّاب لا تُقبل توتبه، قال وذلك لعلتين:
- الأولى: أن صاحب الحق وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحيّ حتى يعفو عمّن سبّه.
- والثاني: زجرا لأمثاله، فإن بعض الناس إذا وقع السيف عليه ادعى التوبة.
• وسُئل هل يُقتل ردّة حتى مع توبته؟
ذكر أنه يقتل ردّة على ما ظهر منه، وأمره إلى الله جل وعلا.
وإن كان من غير أهل الملة كالنصراني فإنه يُقتل إجماعا -كافرا أصليا كان أو ذميّا أو مُعاهدا- وبفعل ذلك ينتقض عهده وتخفر ذمته، وقد أورد رحمه الله آثارا كثيرة في ذلك، ولو أسلم لا يُؤسر ولا يُمنّ عليه بل يتعيّن قتله.
قال في [الصارم]: "وأما من طعن في الدين فإنه يتعين قتاله وهذه كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يهدر دماء من آذى الله ورسوله وطعن في الدين".
وقال: "فإذا طعن الذمّي في الدين فهو إمام في الكفر فيجب قتاله لقوله تعالى: {وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ} فيجب قتله بنصّ الآية.
وقد ذكر رحمه الله أن سبب تأليفه [للصارم] إهانة أحدُ قساوسة النصارى واستهزاءه بالنبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنه قد ذكر أنه من سمع الساب -أي سابّ النبي صلى الله عليه وسلم- وكان سبّه صريحا جاز له أن يقتله بشرط أن لا تكون هناك مفسدةً في قتله.
• لا يشترط القصد في الاستهزاء أو السب فمن تكلم بكلمة ظاهرها الاستهزاء بالله أو سبّه أو سبّ رسوله صلى الله عليه وسلم فلا تقبل منه دعوى عدم قصده بل يجري الحكم على ما وقع في الظاهر.
قال الشيخ سليمان في [التيسير]: وفيه دلالة أنّه من نطق بكلمة الكفر أنّه يكفر ولو كان جاهلا وإن ادعى أنه لا يعتقد معناها.
• هل هذه الآية -آية التوبة- نزلت في المنافقين أم في المؤمنين؟
- ذهب بعض أهل العلم منهم شيخ الإسلام في [الصارم] والحافظ الحكمي وابن عثيمين وصالح آل الشيخ إلى أنها نزلت في المنافقين، وبهذا فسرها ابن عباس وابن مسعود وابن عمر ومجاهد وقتادة وزيد بن أسلم وسعيد بن جبير كما جاء عند ابن جرير.
- وذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ سليمان في [التيسير] وعبد الرحمن بن حسن وابن عثيمين -في شرحه على كتابه التوحيد قوله الأول في فتاوى العقيدة- أنّها نزلت في رجال من المسلمين كفروا باستهزائهم، وأخذوا بظاهرها.
- وذكر شيخ الإسلام قولا وسطا في كتابه [الإيمان]: أنه لا يمتنع أن تكون الآية قد نزلت في أقوام من المنافقين وأقوام من المسلمين كانوا ضعيفي الايمان.
• ما حكم الاستهزاء بالعالم أو الفقيه أو المطوع أو أهل الدين:
ذكر أهل العلم أن ذلك على نوعين:
١/ السخرية والاستهزاء بأشخاصهم كثيابهم أو بصفتهم الخَلقية أو الخُلقية ولمزهم بأوصاف نحو العمى والعور والقبح، فهذا محرم وهو أشد تحريما من السخرية بمن ليس بأهل العلم، لقوله تعالى: {لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ}.
٢/ السخرية والاستهزاء بأهل الصلاح لأجل صلاحهم أو بأهل العلم لأجل علمهم، فهذا كفر وردّة، إذ أنّ المقصود منه الاستهزاء بدين الله الذي يحملونه لا أشخاصهم بل على استقامتهم وعلمهم.
• قال في [قرة عيون الموحدين]: وفيه بيان أنّ الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها أو عملٍ يعمل به، وأشدها خطرا إرادات القلوب فهي كالبحر الذي لا ساحل له، ومن هذا الباب الاستهزاء بالعلم وأهله وعدم احترامهم لأجله.
وفي الحديث: [إنّ الرّجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفا].
>>Click here to continue<<