[[ علي بن أبي طالب كلمة الله التامة ، العليا ، العظمى ]]
قال الصادق من آل محمد صلوات الله عليه : لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ، و لكنهم لا يبصرون .(1)
الكلمة هي تجلي العلم و ظهوره ، لأن قبل الكلمة كان العلم غيباً باطناً خفياً لا يمكن إدراكه و لا معرفته مطلقاً ، فكانت الكلمة معبرةً عن وجود هذا العلم و مظهرةً له شرحاً و تفصيلاً .
فكيف للعالم أن يُظهِر علمه للناس فيَعرف الناس هذا العلم و يُعرَف العالم بعلمه بغير أن يتكلم أو يكون له كتاب فيه علمه ، فتقرأ الناس كلمات هذا الكتاب و يظهر العلم و مستوى علم العالم ؟!
قال الله عز و جل : كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف .(2)
الكنز الخفي هو معرفته عز و جل بعد أن كان غيباً خفياً ، فخلق الخلق كيف يُعرف ، و كما قلنا لا يمكن للعلم أن يظهر و العالم أن يُعرف إلا من خلال التكلم ، لذلك أول ما خلق الله عز و جل ( الكلمة ) .
عن أبي جعفر الباقر صلوات الله عليه قال : إن الله سبحانه تفرد في وحدانيته ، ثم تكلم بكلمة فصارت نوراً ، ثم خلق من ذلك النور محمداً و علياً و عترته عليهم السلام .
ثم تكلم بكلمة فصارت روحاً و أسكنها في ذلك النور و أسكنه في أبداننا .
فنحن روح الله و كلمته ، احتجب بنا عن خلقه ، فما زلنا في ظل عرشه خضراء مسبحين نسبحه و نقدسه حيث لا شمس و لا قمر و لا عين تطرف .
ثم خلق شيعتنا ، و إنما سموا شيعة لأنهم خلقوا من شعاع نورنا .(3)
الكلمة هي أول الخلق قبل النور و قبل الروح ، و المتكلم هي المشيئة ، لأن كل شيء بالمشيئة و المشيئة لا من شيء .
و الكلمة هي مقام من مقامات آل محمد التي لا حصر لها .
فكما أن مقام ( يد الله ) في الآية { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } هو مقام للإمام .
و كما أن ( ولاية الله ) المطلقة في الآية { إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا } هو مقام للإمام .
و كما أن ( الأسماء الحسنى ) في الآية { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ } هو مقام للإمام .
و كما أن ( نور الله ) في الآية { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ } هو مقام للإمام .
كذلك مقام ( كلمة الله ) في الآية { وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا } هو مقام للإمام .
فالكلمة هي أعلى مقامات المعصوم بعد مقام المشيئة ، لأن الكلمة هي الصادر الأول من المشيئة الناطقة بمعرفة الكنز الخفي .
فمن الكلمة كان ( النور ) .
و من الكلمة كانت ( الروح ) .
و من الكلمة كان ( الاسم الأعظم ) .
و من الكلمة كانت ( الأسماء الحسنى ) .
ثم من الكلمة العليا كان جميع الخلق ، لأن الكلمة هي الناطقة بإرادة الله و مشيئته عز و جل ، و لولاها لما ظهر الكنز الخفي و لا عُرف الله عز و جل .
قال تعالى { يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ }
قال تعالى { أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ }
قال تعالى { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا }
قال تعالى { وَ لَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
فالخلق كله كلمات الله عز و جل لأنه ظهور لما في علم الله و غيبه ، و كما قلنا أن العلم يظهر و يُعرف بالتكلم .
و كل الكلمات أصلها و مبدؤها من الكلمة الأولى ( كلمة الله ) و تنسب إلى الله تخصيصاً لها و لشرافتها و فضلها على الكلمات كما أن الكعبة بيت الله تشريفاً لها على البيوت .
و كلمة الله هي الإمام من آل محمد ، قال رسول الله صلوات الله عليه و آله قال : نحن كلمة الله ، و نحن خاصة الله .(4)
و قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في وصف الإمام : فلا يقاس بهم من الخلق أحد ، فهم خاصّة اللَّه و خالصته ، و سر الديان و كلمته ..(5)
و قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : أنا جنب الله و كلمته .(6)
و قال صلوات الله عليه : يا طارق الإمام كلمة اللَّه .(5)
و قال صلوات الله عليه : أنا كلمة الله النّاطقة في خلقه .(7)
و قال صلوات الله عليه : أنا أمين الله و خازن علمه .. و كلمته التي يجمع بها المتفرق و يفرق بها المجتمع .(8)
>>Click here to continue<<