اليوم التالي وهكذا ؛ فلا تكونوا مثل هذه الحمقاء، تعودون للمعصية بعد الطاعة، وللهجر بعد الوصل، وللإمساك بعد الإنفاق، ولا تكونوا من الذين قال الله فيهم: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾.
عباد الله: إن من أعظم الجُرم أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسرًا، وبعد الطاعة إلى المعصية راكضًا، وبعد البذل ممسكًا، وبعد تلاوة القرآن هاجرًا، وبعد صلة الأرحام قاطعًا، وبعد برِّ الوالدين عاقًّا ومانعًا. وإن من أكبر خسران العبد أن يبدِّدَ المكاسب التي يسَّرها الله عز وجل له في هذا الشهر الكريم، وأن يرتد بعد الإقبال مدبرًا، وبعد المسارعة إلى الخيرات هاجرًا، وبعد عمران المساجد بالتلاوات والطاعات مُعرِضًا، فإن هذه الأمور لَتدل على أن القلوب لم تحيَ حياة كاملة بالإيمان، ولم يتلألأ نورها بنور القرآن، وأن النفوس لم تذُقْ حلاوة الطاعة والغفران، وأن الإيمان ما يزال في النفوس ضعيفًا، وأن التعلق بالله عز وجل لا يزال واهنًا.
غدًا تُوفَّى النفوس ما كسبت ... ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم ... وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا
ربُّ شوال هو رب رمضان، هو رب الشهور كلها، فمن كان يعبد رمضان، فإن رمضان قد انتهى، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت.
إخوة الإسلام عباد الله: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربيته لأصحابه يركِّز على إذكاء روح المداومة في العبادة، وفي الأعمال التي يعود نفعها على المرء في الدنيا والآخرة؛ قال صلى الله عليه وسلم فيما ورد عنه: أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قلَّ)، فودِّعوا رمضان بالاستمرار في الصيام
ودِّعوا رمضان بالحفاظ على الصلاة ، فهي مناط الفلاح، وطريق النجاح، والفاصل بين الإيمان والكفر، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
ودِّعوا رمضان بالاستمرار في البذل والإنفاق: فقد كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان
عباد الله: إن شهر رمضان قد آذن بالرحيل، ولم يبقَ منه إلا القليل، فمن أحسن ، فعليه التمام، ومن فرط فليتدارك فيما بقِيَ من الليالي اليسيرة والأيام ولا زال فيها فرص ترجا فكم من ليلة قرب وعبادة وتوبة يكتب لصاحبها الفوز والفلاح إلى يوم القيامة ، فاستودعوا رمضان عملًا صالحًا يشهد لكم به عند الملك العلَّام، قال الحسن البصري رحمه الله : "إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخَلْقِهِ، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون". فتحققوا بالثبات على الطاعات والمسارعة إلى الخيرات والاستقامة على فعل المأمورات وترك المحظورات واجتناب الشبهات والتنافس في المبرات وبذلك أمرنا الله في قوله (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ) وقوله (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) ، وقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أحمعين أما بعد فإن من أهم مراسيم الختام لشهر الصيام والقيام والقرآن أن نتواصى بمواصلة الطاعات والحفاظ على الحسنات والبعد عن المعاصي والسيئات (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)
كما نذكر بفريضة زكاة الفطر والتي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ، فعجلوا بأدائها قبل فوات أوانها ، وهي صاع من غالب قوت الناس من البر أو الدقيق أو الأرز أو قيمتها يخرجها رب الأسرة عن نفسه وعمن تجب عليه نفقته من الصغار والكبار والذكور والإناث رفقا بالفقراء والمساكين وفي الحديث ( اغنوهم في هذا اليوم )
كما نتواصى بختام الفريضة بالتكبير والتحميد والتهليل شكرا لله على نعمة الدين والتوفيق والهداية لقول الله (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
كما نذكر بواجب التفقد للأقارب المحتاجين وأسر الشهداء والمعتقلين وأسر المرابطين والجرحى فذلك واجب المجتمع تجاه المجاهدين الذين يضحون من أجل دينهم ووطنهم وفي الحديث (ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزى )
>>Click here to continue<<