الحلقة السادسة...
تمنيت لو أن المسافة التي بين منزلنا ومنزل إيمان أطول من نهر النيل، فكل المواضيع شيقة في حضرة من نحب حتى الصمت يتحول لإستراحة لطيفة من أجل إستيعاب هذا الكم من المتعة.
ايمان وصلنا بيتكم خلاص وعايز اشكرك للمرة للاخيرة على مساعدتك.!
_ ولو العفو بس خلي بالك من نفسك ومن الوالده بليييز يعني.
طيب ح نتلاقى تاني ؟ يعني المرة الجاية ما بنتلاقى الا لو انضربت او انجرحت صاح...
_ ليه بعد الشر عنك اكيد ح نتلاقى في اوقات خير وكتير كمان لأنو الونسة معاك لطيفة شديد.
طيب لو كده ح اخلي بالي من نفسي عشان خاطر المواعيد الجاية.
إنتهى مشوارنا بإبتسامة منها كأنها تخبرني بأن النهايات سعيدة في أغلب الأحيان، ما يجعل إبتسامتها مميزه هو أن أسنانها الجانبية مترادفة تبدو وكأن كل واحده تعانق الأخرى وهي تحاول التستر عليهم بتجنبها للابتسام وإن فشلت وابتسمت تتسارع بوضع يدها على فاهها، لقد أحببتها حقاً "الابتسامة".
أمشي على مهل في طريقي للعودة اتأمل حديثنا وأبتسم وفي الطريق صادفني كهلاً يبدو في العقد السادس من عمره ناداني بأسمي فالكل بات يعلم هويتي وأصبحت معروفاً لدى سكان الحي لذا لم أستغرب فإقتربت منه لأعلم ماذا يريد...
أهلا يا حاج كيفك.؟
_والله كويس الحمد لله يا ولدي إنت مش ود الطريفي.؟
أي انا محمد ود الطريفي اتفضل..
_ يا ولدي عليك الله عندي جاري رحل وبيتو فاضي وهسي سامع صوت حرامية جوه بسرقوا لو بتقدر تكلم شباب الحي ديل ونمشي عليهم.
كانت الساعة تُشير إلى الثامنة مساءً فوافقت لطلب العجوز وذهبنا إلى المنزل أول لنبلغ خطاب...
يا خطاب اطلع وجيب معاك عكاز.!
_ طالعين غزوة ولا شنو؟
اطلع في فزعة...
_ يا محمد لو ماشين للدعامة خلي نشيل صابون احسن عشان انت عارف وانا عارف.
لالا ديل حرامية ساي بيجاي قريب.
_ حبابهم والله دقيقة عندي ساطور اجيبو.
لطالما أعجبتني جاهزية خطاب لم يخذلني بل كان دائماً عند حسن ظني به ولا اسمع منه كلمة "لا" بتاتاً، إن شخصاً كخطاب يغنيك عن ألف صديق.
توجهنا بمعية العجوز وهو يرشدنا نحو المنزل ولحسن الحظ بأن هناك فوج من الشباب خارج من المسجد بعد أدائهم لفريضة العشاء وسرعان ما زاد عددنا من ثلاثة إلى عشرة ثم إلى عشرون شخص البعض منهم يحمل الطوب الملقي على الشارع أو فرع من شجرة "النيم" وكأنها غزوة حقيقة وكنت أنا في مقدمتهم كالقائد وخلفي جيش غاضب ومتمرد.
وصلنا المنزل فتقدم العجوز ليطرق الباب!
يا حاج ديل حرامية شنو بتدق ليهم الباب؟ وبعدين لو فتحو الباب زاتو ح يجرو لأنو نحن كتار احسن نباغتهم جوه.
أثناء توبيخي للعجوز وحديثي المهول بثقة قائد بجيشه خرج إلينا ثلاثة رجال ملابسهم عادية ولكن لا يحملون أسلحة عادية مثلنا فأخف سلاح يحملونه رشاش وآخر يلبس حزام مملوء بالتمائم والذخيرة والقنابل اليدوية..
َوقف الثلاثة رجال بثقة وقال أحدهم "خير يا شباب في شنو؟
نظرت لخطاب وكأن عيناه تقول لي" يا ريت لو الغسيل بحلنا الليلة " وقتها علمت بأننا في مأزق حقاً فنظرت خلفي لأتفحص ثبات جيشي ولكن لم أجد فيهم أحد ولم يتبقى إلا ثلاثتنا انا وخطاب والعجوز والذي أشك بأنه لو كان يملك طاقة لهرب أيضاً ولكن الحمدلله لله بأن مناعته للجري قد خانته..
إذن نحن ثلاثة ضد ثلاثة هم يحملون اسلحة ونحن لا، فكان خطاب يحمل عوداً خشبيا ولكن يبدو بأنه رماه..
حسنا لا سلاح لنا غير لساننا وقد حان وقت التطبيل..
والله يا جنابو ماف حاجه افتكرنا في حرامية وعايزين يسرقو فجينا نمنعهم..
_ أي نحن زاتنا حرامية ودايرين نسرق اها داير تسوي شنو؟
لالا والله العفو نحن زاتنا فداكم وفدا للديموقراطية في النهاية انتو بتحاربو من أجل الشعب يعني فأكيد البيت ده ما يغلى عليكم.
صاح خطاب معززاً كلامي: والله لو نحن العجوز ده كلمنا وقال لينا في دعامة كان جيناكم بالعشا والشاي نتعشى ونرجع وبعدين الدنيا دي فيها شنو.
_ هوي انا ما داير معاكم كلام كتير اتشايلو من هنا عشان ما افضي فيكم السلاح ده!.
طوالي يا جنابو... ارح يا خطاب وانت يا حاج امشي بيتكم الله يرضى عليك في عمرك ده مالك ومال بيوت الناس..
هناك مقولة شائعة تنص بأنه لا يمكنك التفاوض ووجهك بين فكيّ النمر، نعم وضعنا أنفسنا في نفس الموقف ولكن كانت هناك فرصة للتطبيل فالمرء أحياناً يحتاج ليسمع الناس تحدثه بالأشياء التي تنقصه أو التي يحتاج أن يسمعها حتى لو كان يعلم بأنهم يكذبون أو مجبورون.
المرتزقة ليست لديهم قضية تارة تجدهم يقولون هدفهم القضاء على النظام البائد وتارة أخرى يقاتلون من أجل الديمقراطية وفي الحقيقة كلها أهداف واهية فكل منهم يتهرب من فقره على حساب الآخرين.
_ انت يا محمد الا تجيني بمصيبه مستحيل تجي؟
>>Click here to continue<<