مقتبس من مقال مونتاني "عن العزلة" :
كفى عيشا من أجل غيرنا ودعونا نعيش لأجل أنفسنا على الأقل ما بقي من عمرنا. دعونا نستعيد أفكارنا ونوايانا، في سبيل راحتنا. ليس أمرا هينا أن نعتزل في مكان آمن، وقد يشغلنا ذلك عن الاهتمام بأمور أخرى. وما دام الرب يسمح لنا بالمغادرين فعلينا أن نعد أنفسنا لها. لنحزم أمتعتنا ونستأذن أصحابنا؛ لنتخلص من تلك الروابط التي تلزمنا وتجرنا بعيدا عن ذواتنا. يجب أن نتخلص من تلك الالتزامات مهما كانت شدتها، وأن نشرع في محبة هذا أو ذاك، لكن دون أن نقترن بأي كان غير أنفسنا. يعني: أن نربط علاقة بكل الأشياء، لكن من غير أن نقترن بشيء ما بالذات أو نلتصق به لدرجة أن يصبح الانفصال عنه متعذرا دون أن يتسبب في جرحنا وفي سلب جزء منا. ذلك لأن أفضل ما في الحياة هو أن نكون لأنفسنا.
حان الوقت كي ننفصل عن المجتمع، طالما أننا لا نستطيع أن نضيف إليه شيئا فالذي لم يعد قادرا على الإعارة، يجب أن يمتنع عن الاستعارة. إن قوانا آخذة في الانهيار: فلنحتفظ بها لأنفسنا، ولنجمعها عندنا. فيا حبذا لو كان بالإمكان أن نعكس الأمور وأن نلعب قصْد أنفسنا الدور الذي كانت تلعبه الصداقة والصحبة. إن أفولنا يجعلنا لا نفيد الآخرين، بقدر ما ننفرهم ونزعجهم؛ فلنحترز كي لا نكون لأنفسنا مضجرين منفرين غير نافعين .
تذكر الذي سُئل لماذا هكذا يجهد نفسه في فنّ لا يمكن أن يروق للجمهور العريض، فأجاب: «إنّي أكتفي بالقليل ، وقد أرضى بمعجب واحد، بل بلا أي واحد. كان كلامه صحيحا فأنت وصديقك تكوّنان مسرحًا كافيًا أحدكما للآخر، بل حتى أنت وحدك تكوّن لنفسك مسرحًا. فليكن جمهورك كأنه رجل واحد، وليكن رجل واحد كأنه جمهورك. ليس جميلا أن نستمد مجدنا من هجرنا للعالم ومن الملجأ الذي اخترناه لأنفسنا. يجب أن ننسج على منوال الحيوانات التي تمحو آثار أقدامها أمام عرينها. يجب أن يكون مبتغاك أن تعلم، لا بأي وجه يتحدث الناس عنك، وإنما بأيّ وجه ستتحدث أنت إلى نفسك. اخْتَل بنفسك، لكن كن مستعدا لاستقبال نفسك أولاً:إذ من الجنون أن تثق بنفسك وأنت لا تحسن التدبير.
>>Click here to continue<<