TG Telegram Group Link
Channel: ❁مُنْتَـدَىٰ الْخُطَــ✍ـــبْاَءْ❁
Back to Bottom
🕌مُنْتَـدَىٰ.الْخُطَـــــبْاَءْ.cc
📩
@Montda_alkotba
‏─────────────
خطبـــــــة.بعنـــــــوان.cc.
_^((
#رحلة_الى_الدار_الآخرة ))^_
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
الخُطْبَــــةُ.الْأُولَـــــــــى.cc
الحمدلله, جعل الحياة الدنيا داراً للابتلاء والاختبار، وجعل الآخرة دارا للجزاء والحساب, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأخيار, وسلم تسليما كثيرا . أما بعد:

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ )

عباد الله: تعالوا بنا لنحلق سوية في رحلة طويلة جدا, رحلة تكون بعد موتنا, رحلة إلى الدار الآخرة, بعد أن تخرج هذه الروح من الأجساد, وتنتقل بعد ذلك إلى دار القرار, إما جنة أو نار .

الموت باب وكل الناس داخله *** ياليت شعري بعدالموت ما الدار
الدار دار نعيم إن عملت بمــــــــا*** يرضي الإله وإن خالفتفـــالنــــــــــــــــــار
هما طريقان ما للناس غيرهـــــــــــم*** فانظر لنفسك أي الدار تختـــــــــــــــــــــار

فأرعني سمعك, وأعطني بصرك، وافتح لي عقلك، تفكر وتأمل واستمع, لتلك المشاهد والأحداث, والتي سنمر بها حتما, أول تلك المنازل بعد الموت :

القبر, وهي حفرة ضيقة, لكنها إما روضة من رياض الجنة, أو حفرة من حفر النار, قال رسول الله r " إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْر، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَات، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " تفكر في أول ليلة تبيتها في قبرك بمفردك؟ بلا أنيس أو قريب, ليلة شديدة، بكى منها العلماء والحكماء، وشمر لها الصالحون الأتقياء؟
فارقت موضع مرقدي*** يوماَ ففارقني السكون
القــــــــــــبر أول ليلـــــــــــــــــــــة *** بالله قل لي ما يكون ؟!

تسأل في قبرك عن ربك ودينك ونبيك, فأعد لذلك السؤال جوابا ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) ثم يمكث أهل القبور كذلك, حتى يأمر الله تعالى إسرافيل u, بالنفخ في الصور النفخة الأولى, وهي نفخة الصعق والموت ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) فإذا صعق من في السماوات والأرض ولم يبق إلا الله، نادى سبحانه " أين الملوك, أين الجبارون، أين المتكبرون، لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيجيب جل وعلا نفسه بنفسه قائلاً: لله الواحد القهار " .
أتيـت القبـور فناديتهـــــــــــــــــا *** فأين المعظم والمحتقــــــــــــر
وأيـن المـذل بسلطانـــــــــــــــــه *** وأين المزكى إذا ما افتخر
تفانوا جميعا فما مخبــــــــــــر*** وماتواجميعا ومات الخبر
فيا سائل عن أناس مضوا *** أما لك فيما مضى معتبر

ثم إذا أذن الله تعالى ببعث الأجساد وإحيائها مرة أخرى بعد أن صارت ترابا، أنزل من السماء ماء تنبت منه أجساد العباد كما ينبت البقل, وذلك بعد أن ينفخ في الصور النفخة الثانية, هي نفخة البعث والنشور ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ - قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) فتبعثر القبور ويخرجون منها حفاة عراة غرلا غير مختونين, قالت عائشة t: يا رسول الله، الرجال والنساء جميعاً، ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال " يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض " متفق عليه فيساقون إلى أرض المحشر سوقا, وهي أرض بيضاء عفراء, ليس فيها معلم لأحد .

عندها تشخص الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر، وتدنو الشمس من الخلائق قدر مِيل, ويبلغ العرقُ منهم مبالغ متفاوتة بحسب أعمالهم، فمنهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى حِقْوَيه – أي وسطه-، ومنهم يبلغ إلى مَنْكِبَيه، ومنهم من يُلْجِمه العرق إلجامًا, فيسعى الناس إلى الأنبياء ليشفعوا لهم إلى ربهم ليفصل بينهم، فيعتذرون, فيأتون سيد الأنبياء محمدًا r فيكلمونه فيقول: أنا لها أنا لها، ثم يذهب فيسجد تحت العرش فيَشْفَع لهم فيُشَفَّع, وتنزل ملائكة السماء فيحيطون بالناس، ثم يجيء الله سبحانه كما يليق بجلاله وعظمته على عرشه يحمله ثمانية من الملائكة ليفصل بين العباد .
ثم ينصب الميزان وهو ميزان حقيقي له كفتان, كفة للحسنات وكفة للسيئات, توزن فيها أعمال العباد ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) والعمل الصالح يثقل الميزان " كَـلِمَتَانِ حَبِيـبَتَانِ إِلَى الرَّحْـمَنِ، خَـفِيفَتَانِ عَلَى اللِّـسَانِ، ثَقِيـلَتَانِ فِي الْمِـيزَانِ، سُـبْحَانَ اللهِ وَبِحَـمْدِهِ, سُـبْحَانَ اللهِ الْعَظِـيمِ "و" الطهور شـطر الإيمان, والحـمدلله تملأ المـيزان " وابن مسعود t كان يجتني سواكا من الأراك لرسول الله r, فأظهرت الريح ساقاه, فجعل القوم يضحكون من دقتها ونحافتها فقال r " والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد " وأما من ضيع وفرط, فلا يزن شيئا " إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُـلُ الْعَظِـيمُ السَّـمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَـنَاحَ بَعُـوضَةٍ " ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) .

ثم تُنشر دواوين الخلق وهي صحائف الأعمال التي كتبها الملائكة الحافظون، فيُعطَى كل إنسان كتابه مفتوحًا ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا - اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) فأما المؤمن فيأخذ كتابه بيمينه ويقول ( هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ - إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ ) أي تيقنت الحساب وعملت له, وأما الكافر فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره إذلالاً وتقريعًا ويقول ( يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ - وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ - يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ - مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ - هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ) .

ثم يحاسب الله الخلائق من الإنس والجن و" يدني الله تعالى المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه -أي ستره- فيقرره بذنوبه: فيقول: أتعرف ذنب كذا في يوم كذا؟ فيقول: أعرف، فيقول الله عز وجل: أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكافر والمنافق فينادي عليهم على رؤوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين " ثم تشهد عليهم جلودهم بما عملوا ( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .

ثم ينصب الصراط على مَتْن جهنم، وهو جسر لا تثبت عليه الأقدام، أدق من الشعر وأحدّ من السيف، على جنباته كَلالِيب تخطف الناس، يمر الناس على الصراط على قدر أعمالهم ومسارعتهم إلى طاعة الله في الدنيا، فمنهم من يمر كلَمْح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ثم كالريح، ثم كالفرس الجواد، ثم كركاب الإبل، ومنهم من يعدو، ثم من يمشي، ثم من يزحف، ومنهم من تخطفه الكَلالِيب فتلقيه في النار ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ) .

أبت نفسى تتوب فما احتيالي *** إذا برز العباد لذى الجــــــــــــــــلال
وقاموا من قبورهم سكــــــــــــــــــارى *** وقد برزوا كأمثال الجبــــــــــــــــــــــال
وقد نصب الصراط كي يجـــــوز *** فمنهم من يكب على الشمال
ومنهم من يسير لدار عـــــــــــــــــدن *** تلقاه العرائس بالغوانــــــــــــــــــــــــــــــــي
يقول له الـمهيمــــن يا ولــــــــــــــــــــــي*** غفرت لك الذنوب فلا تبـالــــي

اللهم خفف عنا أهوال ذلك اليوم، واجعلنا فيه من السعداء الآمنين، وألحقنا فيه بالصالحين
أقول ما تسمعون .....


الخُطْبَــــةُ.الثَّـــــــــانِيَةُ.cc
الحمد لله ... أما بعد:
عباد الله: تذكروا تلك المشاهد والأحداث, يومُ القيامة يومٌ عظيمٌ وهوله شديدٌ، لا يلاقي العباد مثله، فيه تزلزل الأرض، وتسيّر الجبال، وتفجّر البحار، وتتشقق السماء، وتكوّر الشمس، ويُخسف القمر، وتنكدر النجوم، ويذهب ضوؤها، وتذهل المرضع عن وليدها، وتُسقط الحامل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد, في ذلك اليوم ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيه - وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ - وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ - وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ) .

أيها المسلم: ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون, فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدًا حساب ولا عمل, كل باك سيبكى كل ناع سينعى كل مذكور سينسى ليس غير الله يبقى, قال رجل يا رسول الله متى الساعة؟ قال له " ماذا أعددت لها " فاستعدوا للقاء الله, واستعدوا لذلك اليوم, واستعدوا لتلك الأحداث, واستعدوا لتلك الأهوال, بالعمل الصالح .
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ الْتَقَى *** وَلاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا
نَدِمْتَ عَلَى أَلا تَكُونَ كَمِثْلِــــــــــــــــــــــــــهِ*** وَأَنَّكَ لَمْ تُرْصِدْ بِمَا كَانَ أَرْصَـــــــــــدَا

اللهم احسن ختامنا, اللهم احسن ختامنا, اللهم احسن ختامنا, اللهم توفنا وانت راض عنا, اللهم توفنا وانت راض عنا, اللهم اقبض أرواحنا ونحن على عمل صالح تحبه وترضاه .

ثم صلوا ...
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
📲 قَنـاةُ【️مُنْتَـدَىٰ الْخُطَـــــبْاَءْ】مِـنْ هُنـ↶ـا:
hottg.com/Montda_alkotba
*🌐مَجْمُوعَاتِنَا عَلىٰ الْوَاتسَ اَبِ هُنـ↶ـا:*
https://chat.whatsapp.com/L9TQAUO9Iht5dIVvSvjuWU
📩▎ أنْشُـرُوٰهَا واحْتَسِبُـوٰا الأَجْـرَ بِإِذْنِ اللَّهِ فَالـدَّالُ عَلَىٰ الخَيْـٰرِ كَفَاعِلِه.
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
🕌مُنْتَـدَىٰ.الْخُطَـــــبْاَءْ.cc
📩
@Montda_alkotba
‏─────────────
خطبـــــــة.بعنـــــــوان.cc.
_^((
#تذكرة_الموت ))^_
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
الخُطْبَــــةُ.الْأُولَـــــــــى.cc
الحمد لله الذي أذل بالموت رقاب الجبابرة، وأنهى بالموت آمال القياصرة؛ فنقلهم الموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والنسوان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم في ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ في ألوان الوحل والتراب.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ينادي يوم القيامة بعد فناء خلقه، ويقول: أنا الملك.. أنا الجبار.. أنا المتكبر.. لمن الملك اليوم؟

ثم يجيب على ذاته سبحانه: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48].

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، ولبى داعي ربه حتى أجاب مناديه، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشي على شوك الأسى، ويخطو على جمر الكيد والعنت، يلتمس الطريق لهداية الضالين، وإرشاد الحائرين، حتى علم الجاهل، وقوم المعوج، وأمن الخائف، وطمأن القلب، ونشر أضواء الحق والخير والتوحيد والإيمان كما تنشر الشمس في سائر الأكوان، رفع الله له ذكره، وشرح الله له صدره، وزكاه ربه على جميع الخلق، ومع ذلك خاطبه ربه بقوله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30].

اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم جل وعلا الذي جمعني وإياكم في هذا البيت المبارك على طاعته، أن يجمعني وإياكم في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله! في رحاب الدار الآخرة سلسلة علمية جديدة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، تبدأ هذه السلسلة بالموت وتنتهي بالجنة، جعلني الله وإياكم من أهلها.

وقد تحتاج منا هذه السلسلة إلى عام ونصف أو عامين، إن قدر الله لنا البقاء واللقاء، أسأل الله عز وجل أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب.

تزداد حاجتنا جميعاً بلا استثناء من طلاب علم ورجال ونساء، إلى هذه السلسلة العلمية الجديدة؛ لأننا نعيش عصراً طغت فيه الماديات والشهوات، وأعرض فيه كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات، وتمضي الحياة مسرعة ومعظم أهلها في غفلة مريرة عما هو آتٍ.

الدنيا مزرعة الآخرة
الفطناء العقلاء الأذكياء هم الذين عرفوا حقيقة الدار فحرثوها وزرعوها، وهنالك في الآخرة تجنى الثمار، فالذم الوارد في القرآن والسنة للدنيا لا يرجع إلى زمانها من ليل أو نهار؛ فلقد جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والذم الوارد في الكتاب والسنة للدنيا لا يرجع إلى مكانها ألا وهو الأرض، إذ إن الله قد جعل الأرض لبني آدم سكناً ومستقراً، والذم الوارد للدنيا في القرآن والسنة لا يرجع إلى ما أودعها الله عز وجل من خيرات، فهذه الخيرات نعم الله على عباده وعلى الناس، وإنما الذم الوارد في الكتاب والسنة للدنيا يرجع إلى كل معصية تُرتكب على ظهرها في حق ربنا جل وعلا، فلابد من تأصيل هذا الفهم، لاسيما لإخواننا الدعاة وطلاب العلم الذين ربما يغيب عن أذهانهم حقيقة الزهد في هذه الحياة الدنيا، فنحن لا نريد أن نقنط أحداً من هذه الحياة، ولا نريد أن نثبت لكل عامل في هذه الدنيا ولو كان في الحلال أنه تجاوز طريق الأنبياء والصالحين والأولياء، كلا! كلا! بل الدنيا مزرعة للآخرة.

أيها الأخيار! تدبروا معي قول علي بن أبى طالب رضي الله عنه: (الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن أخذ منها، الدنيا مهبط وحي الله، ومصلى أنبياء الله، ومتجر أولياء الله).

فالدنيا مزرعة الآخرة، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أنس ، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة).

فلابد من هذا التأصيل، ولابد من هذا الفهم الدقيق بهذا الوعي العميق لحقيقة الدنيا؛ لننطلق من هذه الدار إلى دار تجمع سلامة الأبدان والأديان .. إلى دار القرار، فلابد قبل أن تعبر إلى دار القرار من المرور بهذه الدار.

فالدنيا دار ممر والآخرة هي دار المقر، الدنيا مركب عبور لا منزل حبور، الدنيا دار فناء وليست دار بقاء، فلابد من وعي هذه الحقيقة لنستغل وجودنا في هذه الدار، ولنزرع هنا ونجني هنالك عند ربنا عظيم الثمار، أسأل الله أن يجعلنا من الصادقين.
إذا علمت ذلك أيها الحبيب الكريم! فاعلم هذه الحقائق، وكن على يقين جازم بأن الحياة في هذه الدنيا موقوتة محدودة بأجل، ثم تأتي نهايتها حتماً، فيموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت المجاهدون ويموت القاعدون، يموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذلون للعبيد، يموت الشرفاء الذين يأبون الضيم ويكرهون الذل، ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن، فالكل يموت، كما قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) [الرحمن:26-27].

فلابد من أن تستقر هذه الحقيقة في القلب والعقل معاً، إنها الحقيقة التي تعلن على مدى الزمان والمكان في أذن كل سامع وعقل كل مفكر أنه لا بقاء إلا للملك الحي الذي لا يموت، إنها الحقيقة التي تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض، إنها الحقيقة التي شرب كأسها الأنبياء والمرسلون، والعصاة والطائعون، إنها الحقيقة الكبيرة التي تؤكد لنا كل لحظة من لحظات الزمن قول الله جل وعلا: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88].

سكرات الموت
أيها الحبيب الكريم! تذكر هذه الحقيقة ولا تتغافل عنها؛ إذ إن النبي قد أمرنا أن نكثر من ذكرها، كما في الحديث الذي رواه الترمذي والنسائي والبيهقي والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكثروا ذكر هادم اللذات الموت).

إنها الحقيقة التي سماها الله في قرآنه بالحق فقال جل وعلا: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:19-21].

لا إله إلا الله! إن للموت سكرات:

هل علمت أن هذه الكلمات قالها حبيب رب الأرض والسموات وهو يحتضر على فراش الموت، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقتني، وكان بين يديه ركوة بها ماء، فكان يمد يده في داخل الماء ويمسح وجهه ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات).هكذا يقول حبيب رب الأرض والسماوات، قال عز وجل: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19]، فالمصطفى يذوق سكرة الموت ويقول: (لا إله إلا الله، إن للموت سكرات). وفي رواية الترمذي كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: (إن للموت غمرات، وإن للموت سكرات!) وفي رواية: (كان صلى الله عليه وسلم يدعو الله ويقول: اللهم أعني على سكرات الموت).

يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت
إن كنت من المؤمنين الصادقين الموحدين المخلصين واجتالتك الشياطين ثبتك رب العالمين، وأنزل إليك ملائكة التثبيت، كما في حديث البراء بن عازب الصحيح، ومحل الشاهد فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: (أن المؤمن إذا نام على فراش الموت جاءته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، فيجلسون من المؤمن مد البصر، حتى يأتي ملك الموت، ثم يجلس ملك الموت عند رأسه، وينادي على روحه الطيبة وهو يقول: يا أيتها الروح الطيبة! اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب راضٍ عنك غير غضبان، فتخرج روح المؤمن سهلة، تسيل كما يسيل الماء من في السقاء، فلا تدعها الملائكة في يد ملك الموت طرفة عين، ثم ترقى بها إلى الله جل وعلا..).

هكذا أيها الأحبة! يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، فتنزل ملائكة التثبيت على الموحدين لرب الأرض والسماء جل وعلا بهذه البشارة التي سجلها ربُنا في قرآنه في قوله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].

قال ابن عباس : (القول الثابت هو لا إله إلا الله).

سكرة الموت حق
قال عز وجل: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19]، والحق: أنك تموت، والله حي لا يموت، والحق: أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، والحق: أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران.وقوله عز وجل: ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] أي: ذلك ما كنت منه تخاف، ذلك ما كنت منه تهرب، فكيف تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ، ثم ماذا أيها القوي الفتي؟! أيها الذكي العبقري! يا أيها الوزير والأمير والكبير! ويا أيها الصغير والفقير والحقير! كلكم كما قال الشاعر:

كل باكٍ فسيُبَكى كل ناعٍ فسيُنعى
كل مدخور سيفنى كل مذكور سيُنسى

ليس غير الله يبقى

من علا فالله أعلى

وقال الشاعر الآخر:

أيا من يدعي الفهم إلى كم يا أخا الوهم!

تعبي الذنب والذم وتخطي الخطأ الجم

أما بان لك العيب؟! أما أنذرك الشيب؟!

وما في نصحه ريب ولا سمعك قد صم

أما نادى بك الموت؟! أما أسمعك الصوت؟!

أما تخشى من الفوت؟! فتحتاط وتهتم

فكم تسير فى السهو وتختال من الزهو

وتنفض إلى اللهو كأن الموت ما عم!

كأني بك تنحط إلى اللحد وتنغط

وقد أسلمك الرهط إلى أضيق من ثم

هناك الجسم ممدود ليستأكله الدود

إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم

فزود نفسك الخير ودع ما يعقب الضير

وهيئ مركب السير وخف من لجة اليم

بذا أوصيك يا صاح! وقد بحتك من باح

فطوبى لفتى راح بآداب محمد يأتم

لا يرد الموت شيء
نام هارون الرشيد على فراش الموت، فنظر إلى جاهه وماله ثم قال: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29]، وقال: أريد أن أرى قبري الذي سأدفن فيه، فحملوا هارون إلى قبره، فنظر هارون إلى القبر وبكى، ونظر إلى السماء وقال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من قد زال ملكه.قال عز وجل: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29].أين الجاه؟! وأين السلطان؟! وأين المال؟! وأين الأراضي؟ لقد ذهب كل شيء! وهنا يعلو صوت الحق: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:83-96].

سبحان ذي العزة والجبروت!

سبحان ذي الملك والملكوت!

سبحان من كتب الفناء على جميع خلقه وهو الحي الذي لا يموت!

سبحانك يا من أذللت بالموت رقاب الجبابرة! سبحانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة!

ونقلتهم بالموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والنساء والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم في ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ في ألوان الوحل والتراب!قال عز وجل: كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:26-27] أي: من يرقى بروحه، أو من يبذل له الرقية والطب والعلاج.وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:28-30].إنه يومُ المرجع، إنه يوم العودة، انتهى أجلك وانتهت دنياك، وحتماً ستُعرض على مولاك.

موعظة أبي حازم لسليمان بن عبد الملك
سأل سليمان بن عبد الملك عالماً من علماء السلف يقال له: أبو حازم، قال سليمان : يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟!

وبعض الناس الآن ربما يتضجر إن ذُكِّر بالموت، وربما يقول لمذكره: ذكرنا بموضوع آخر، وهل ما وجدت إلا الموت لتذكرنا به؟!

فقال سليمان بن عبد الملك لـأبى حازم : يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟

فقال أبو حازم : لأنكم عمرتم دنياكم، وخربتم أخراكم، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب!

في زيارة لي إلى أمريكا نبهني أحد الإخوة إلى رجل منَّ الله عليه بالأموال، ومع ذلك لا يصلي ولا يعرف حقاً للكبير المتعال، فذهبت إليه لأذكره بالله جل وعلا، وهو مسلم عربي وليس أمريكياً، فقال لي: يا أخي! أنا ما أتيت إلى هذه البلاد إلا من أجل الدولار، وأعدك إن عدتُ إلى بلدي ألا أفارق المسجد أبداً!

قلت: سبحان الله! ومن يضمن لك يا مسكين أن ترجع إلى بلدك، ومن يضمن لك أن يمر عليك يومُ بكامله، والله! لا تضمن أن تتنفس بعد هذه اللحظات.

فدع عنك ما قد فات من زمن الصبا

واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب!

لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعب

والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب

وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب

الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب

دنياك مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة؛ لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر.

يا أبا حازم ! ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.

فقال سليمان بن عبد الملك : يا أبا حازم ! كيف حالنا عند الله تعالى؟!قال: اعرض نفسك على كتاب الله.

قال سليمان : أين أجده؟ قال: في قوله تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14].
قال سليمان بن عبد الملك : فأين رحمة الله يا أبا حازم؟!

قال أبو حازم : إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين.

فقال سليمان بن عبد الملك : فكيف عرضنا على الله غداً؟

فقال أبو حازم : أما المحسن فكالغائب في سفر يقدم على أهله، فيستقبله الأهل بفرح، والمسيء كالعبد الآبق يقدم على مولاه.

وفي الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة: يا رسول الله! أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت، قال: لا يا عائشة ! ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته، أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بسخط الله وعذابه، كره لقاء الله وكره الله لقاءه).

وفي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وضعت الجنازة وحملها الرجال على الأعناق تكلمت، وسمعها كل شيء إلا الإنسان، إن كانت صالحة: قدموني قدموني! وإذا كانت غير صالحة تقول: يا ويلها! إلى أين يذهبون بها؟ ولو سمعها الإنسان لصعق)، إي والله! لو سمعت جنازة تقول: قدموني قدموني، وسمعت جنازة أخرى لحبيب لك تقول: يا ويلها! إلى أين تذهبون بها؟ لصعقت.

والحديث عن النفس حديث طويل ومكروه، فإنما هي آية ثابتة، وإنما هي أحاديث ثابتة نذكر بها كلما أردنا أن نذكر الآخرين -وأنفسنا قبل الآخرين- بالموت، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نكثر من ذكر الموت لنستعد للقاء الله جل وعلا. أيها اللاهي! أيها الشاب! أيها الكبير! أيها الصغير! أيها الوزير! أيها الأمير! أيها الصغير! أيها الحقير، ذكر نفسك وقل لها:

يا نفس قد أزف الرحيلُ

وأظلك الخطب الجليل

فتأهبي يا نفس! لا يلعب بك الأمل الطويل

فلتنزلن بمنزل ينسى الخليل به الخليل

وليركبن عليك فيه من الثرى حمل ثقيل

قرن الفناء بنا فما يبقى العزيز ولا الذليل

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.



الخُطْبَــــةُ.الثَّـــــــــانِيَةُ.cc
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:فيا أيها الأحبة الكرام! هكذا تبدأ رحلتنا في رحاب الدار الآخرة بالموت بعدما بينا بإيجار حقيقة الدنيا، وتنتهي هذه المرحلة الأولى بالوصول إلى القبر، وهأنذا أقف بكم أمام القبر وعند القبر؛ لنرى في لقائنا المقبل إن شاء الله جل وعلا حقيقة القبر، وما معنى البرزخ؟

وما معنى النعيم؟ وما معنى الجحيم؟

ولماذا لم يذكر الله عذاب القبر صراحة في القرآن؟

وهل ثبتت فيه أحاديث صحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام؟

وما هي حقيقة القبر؟ وما هي حقيقة البعث بعد ذلك؟

لنواصل الرحلة، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.

وهأنذا أذكر نفسي وأحبابي وأخواتي في هذه اللحظات بالتوبة إلى رب الأرض والسموات.

يا من أسرفت على نفسك بالمعاصي! يا من ضيعت الصلاة في بيوت الله! يا من تركتِ الحجاب الشرعي! يا من شغلك التلفاز أو الشيطان عن الله عز وجل! يا من أعرضت عن مجلس العلم وأماكن الخير والطاعة والعبادة!

يا من قضيت عمرك على المقاهي وتركت فرض الله عز وجل!

تب إلى الله، والله! إنك ستموت .. والله! إنك ستموت، وغداً يا مسكين! ستتمنى الرجعة، كما قال عز وجل: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99]. فإن كان كافراً سيتمنى الرجعة، وإن كان مسلماً عاصياً سيتمنى الرجعة: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي [المؤمنون:99-100]

سبحان ربي! هو غير متأكد إن كان سيعمل صالحاً أو لن يعمل صالحاً، مع أنه يتمنى على الله أن يعود! حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100]

فيأتيه الجواب كالصفعة على خديه: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ [المؤمنون:100] أي: كلمة حقيرة، كلمة تافهة لا وزن لها عند الله: هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100].فتب إلى الله، وأذكر نفسي وإياك ألا تيأس ولا تقنط مهما بلغت ذنوبك، فعد إلى الملك مهما كثرت معاصيك، واطرق باب الرحمن جل وعلا، والله! لن يغلق الرحمن الباب في وجهك، وإن ارتكبت الزنا، وإن شربت الخمر، وإن قتلت، فعد إلى الله، فإن الله يقبل توبة المشرك إن خلع رداء الكفر على عتبة الإسلام، كما قال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].فعاهد ربك الآن على التوبة، وعاهدي ربك على التوبة.قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8].

وأذكرك بهذا الحديث الذي رواه مسلم والترمذي واللفظ للترمذي من حديث أنس ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم ! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)، فاسجد لربك شكراً يا من خلقت موحداً! وبعث الله إليك محمداً، فإن هذا من فضل الله علينا.أيها الحبيب! اجتهد في الدنيا، وعمر الكون، وإن استطعت أن تربح مليوناً فافعل، بشرطين: أن تربح من الحلال، وأن تؤدي حق الكبير المتعال، فاجتهد في الدنيا، وازرع للآخرة؛ فأنا لا أريد أن أقنطك من هذه الحياة أبداً، وإنما أريد أن أذكر نفسي وإياك بأن الدنيا مزرعة للآخرة، فلا ينبغي أن تنشغل بالدار الفانية عن الدار الباقية، فغداً سترحل عن هذه الحياة، ولن ينفعك إلا ما قدمت، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة: ماله وأهله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع الأهل والمال، ويبقى العمل)

وينادى عليك هنالك في القبر بلسان الحال: رجعوا وتركوك، وفى التراب وضعوك، وللحساب عرضوك، ولو ظلوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا عملك مع رحمة الحي الذي لا يموت.

اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر.اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا.

اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر،

اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، ولا مفرطين ولا مضيعين، ولا مغيرين ولا مبدلين.

اللهم ارزقنا حسن الخاتمة يا أرحم الراحمين! اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة، اللهم لا تحرمنا الزيادة، اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة، اللهم لا تحرمنا الزيادة.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا ألا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته.

اللهم اغفر ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً لنا إلا رحمته، ولا عاصياً بيننا إلا هديته، ولا طائعاً معنا إلا زدته وسددته يا رب العالمين! ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا أرحم الراحمين!

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده دوماً تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً.

اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى.أيها الأحبة! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.والحمد لله رب العالمين.
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
📲 قَنـاةُ【️مُنْتَـدَىٰ الْخُطَـــــبْاَءْ】مِـنْ هُنـ↶ـا:
hottg.com/Montda_alkotba
*🌐مَجْمُوعَاتِنَا عَلىٰ الْوَاتسَ اَبِ هُنـ↶ـا:*
https://chat.whatsapp.com/L9TQAUO9Iht5dIVvSvjuWU
📩▎ أنْشُـرُوٰهَا واحْتَسِبُـوٰا الأَجْـرَ بِإِذْنِ اللَّهِ فَالـدَّالُ عَلَىٰ الخَيْـٰرِ كَفَاعِلِه.
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
🕌مُنْتَـدَىٰ.الْخُطَـــــبْاَءْ.cc
📩
@Montda_alkotba
‏─────────────
خطبـــــــة.بعنـــــــوان.cc.
_^((
#اتقوا_النار ))^_
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
الخُطْبَــــةُ.الْأُولَـــــــــى.cc
إنَّ الحمد الله نَحمده ونستعينُه ونعوذُ بالله من شرور أنفُسِنا ومن سيِّئات أعمالِنا، مَن يهْدِه الله فلا مضلَّ له ومَن يُضْلل فلا هاديَ له، وأشْهَد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحْبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعد:

عباد الله، مع زحْمة الحياة وأعمالها، ومع تتابُع الأحْداث وآلامِها، تغفل النُّفوس أحيانًا عن ذواتِها وسبل تقْويمها، فتحتاج بين الفيْنة والأخرى إلى كلِمات تقرع القلوب وتذكِّرها، وتهزُّ الجوارح وتزْجُرها؛ لتعود النَّفس طائعةً إلى خالقِها ومولاها.

إنَّ إصْلاح النفوس - أيها المسلمون - جزءٌ من إصْلاح المجتمع وتقويمه، ولئنِ انشغلْنا كثيرًا بالمآسي المتوالِية الَّتي تتجرَّعها شعوب أمَّتنا الإسلاميَّة، وانزويْنا قليلاً لأعمالِنا وأهلينا وتِجارتنا، فرجوعُنا إلى ذواتنا وقلوبِنا جزءٌ من علاج مشكلة الأمَّة أجْمع؛ لأنَّ الأمَّة أفرادٌ، ولو أنَّ كلَّ فرد أصْلح نفسه وأحسَنَ عمَلَه لتحقَّق لنا كثيرٌ من أمانينا، ولرأينا النَّصر يتنزَّل على أيدينا.

عباد الله:

القلوبُ تقْسو وتغفل، والجوارح تَجفو وتكسل، وفي كتاب الله وسنَّة رسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يرقِّق هذا ويروِّض ذاك، فدعونا - أيُّها الكرام - نعيش لحظاتٍ إيمانيَّة خاشعة مع آيةٍ من آيات الله تعالى أبرَزَ المولَى فيها عظمته، وأظْهَر قدرتَه، جعلها عبرة للمعْتبرين وعظةً للمتَّعظين.

إنَّها النَّار يا عباد الله، النَّار التي جعلتِ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقِف مرَّة على المنبر، وينادي بصوتٍ عالٍ، حتَّى إنَّ خميصة كانت على كتفيْه وقعت عند رجليْه من شدَّة تأثُّره، وهو يقول: ((أنذرْتُكم النَّار، أنذرْتكم النار، أنذرتكم النَّار)).

يقول عدي بن حاتم - رضي الله عنه -: ذكر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - النَّار، فأعرض وأشاح، ثمَّ قال: ((اتَّقوا النَّار))، ثمَّ أعرض وأشاح، حتَّى ظننَّا أنَّه كأنَّما ينظر إليْها، ثمَّ قال: ((اتَّقوا النَّار ولو بشقّ تمْرة، فمن لم يجِد بكلِمة طيّبة))؛ أخرجه الشَّيخان، ويَروي أنس بن مالك - رضي الله عنْه - أنَّ أكثر دعاء النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النَّار)).

بل سمع أبو هريرة - رضِي الله عنْه - النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يدعو ربَّه قائلاً: ((اللَّهُمَّ إنّي أعوذ بك من حرّ جهنَّم)).

أيُّها المسلمون:

لقد كان من هدْي السَّلف الصَّالح الخوْف من النَّار، والحذر منها، فها هو صديق هذه الأمَّة أبو بكر - رضِي الله عنْه - يقول: "يا ليْتني كنتُ شجرة تعضد ثمَّ تؤْكل، أخاف أن يُلْقِيني في النار ولا يبالي".

ويقول عنها أيضًا فاروق هذه الأمَّة: "لو نادى منادٍ يوم القيامة بالنَّاس جميعًا أن: اذهبوا إلى الجنَّة إلاَّ واحدًا، لخشِيت أن يكون هو عمر".

وأمَّا ذو النورين فيقول: "لو أنّي بين الجنَّة والنَّار، ولا أدْري إلى أيَّتِهما يؤْمَر بي، لاخترتُ أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيَّتِهما أصير".
وها هو أبو هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - رُئِي في مرضه وهو يبكي، فقيل له: ما يُبكيك؟ قال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكن على بعد سفري وقلَّة زادي، وأني أمسيتُ في صعود ومهبطة على جنَّة أو نارٍ فلا أدري إلى أيِّها يؤخذ بي.

وكان ابن حيان يَخرج في الليل ينادي: "عجبتُ للجنَّة كيف نام طالبُها؟! وعجبت للنَّار كيف نام هاربُها؟!".

عباد الله:

من النَّار تقرَّحت عيون الصَّالحين من البكاء خوفًا منها، ولطالَما تضرَّعوا بالدعاء في ظلم الليالي فرقًا منها، كم أقضَّت النار من مضاجع، وكم أسالتْ من مدامع، وكم أنستْ من فواجع!

فيا ترى ما هي النار؟ ومن هم أهلها، وما هي أهوالها؟

أيُّها الإخوة:

النار حرُّها شديد، وقعرها بعيد، وسلاسلُها وأغلالها من حديد؛ يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن حرِّها: ((نارُكم هذه - يعني التي في الدنيا - جزء من سبعين جزءًا من نار جهنَّم))، وفي الحديث الآخَر الَّذي أخرجه الحاكم وغيرُه: ((إنَّها – أي: نار الدّنيا - لَجزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنَّم، وما وصلت إليْكم حتَّى نضحت مرتين بالماء لتضيءَ لكم)).
وأمَّا قعرها وعمقها فبعيد بعيد، يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: سمعنا وجبةً - أي: صوتًا شديدًا - فقُلنا: ما هذا؟ فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هذا حجر أُلْقِي به من شفير جهنَّم منذ سبعين سنة، الآنَ وصل إلى قعرِها))؛ رواه مسلم.
أمَّا طعامُها وشرابُها، فهو الزقُّوم والحميم؛ ﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾ [الدُّخان: 43 - 46]، ﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ [الكَّهف: 29].
ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو أنَّ قطرة من الزقّوم قطرت في دار الدُّنيا لأفسدت على أهل الدُّنيا معايشَهم، فكيف بمن تكون طعامَه؟!))؛ أخرجه النَّسائي وغيره.

وأمَّا وقودُها الدَّاخلون إليْها لإضرامها كالحطَب ونحوه، فهمُ النَّاس والحجارة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24]

عباد الله:

النَّار دار الذُّلِّ والهوان، دار العذاب والخِذْلان، دار الشَّهيق والزَّفرات، ودار الأَنين والعبرات، يؤتَى بها يوم القيامة لها سبعون ألفَ زمامٍ مع كلِّ زمامٍ سبعون ألْفَ ملَك يجرُّونها؛ ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ [الفجر: 23].

يُساق أهل النَّار إلى النَّار وهُم وجِلون نصِبون يدعُّون إليْها دعًّا، ويُدْفَعون إليْها دفعًا، يُسْحَبون في الحميم ثُمَّ في النَّار يُسْجَرون، يشْكون من الجوع فيُغاثون بأخْبَث طعامٍ أُعدَّ لأهل المعاصي والآثام، يَملؤون بطونَهم من تلك الشَّجرة الخبيثة، حتَّى إذا امتلأتْ، أخذتْ تغْلي في أجوافِهم، فيندفِعون إلى الماء ليشربوا، فإذا هو الحميم الَّذي يقطِّع الأمعاء، حميم يقطع أمعاءً طالما ولعت بأكْل الحرام، ويضعضع أعضاءً طالما أسرعتْ إلى اكتِساب الآثام، ويشوي وجوهًا طالما توجَّهتْ إلى معصية الملك العلام؛ يقول النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الحميم ليُصبُّ على رُؤوسِهم فينفذ الجمجمة حتَّى يخلص إلى جوفِه، فيسلت ما في جوفه، حتَّى يمرق من قدميْه، ثمَّ يُعاد كما كان))؛ رواه أحمد.
عباد الله:

تعدُّ الأسرَّة لأهل النَّار ليناموا، وهيهات هيهات أن يناموا! إذْ لهم من جهنَّم مهاد ومن فوقهم غواشٍ، لهم من فوقِهم ظلل من النار ومن تحتِهم ظلل.
تُحيط بِهم النَّار حتَّى تنضج جلودُهم، فيبدلون غيرها ليذوقوا العذاب ويقاسوا العقاب؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ ﴾ [النساء: 56].
تُوصد عليهم الأبواب، فيعظم هنالك الخطْب والمصاب، أمانيهم فيها الهلاك، وما لَهم من أسرها فكاك، ينادون من أكنافها، ويصيحون من أقطارها: يا مالك قد أثقلَنا الحديد، وحقَّ عليْنا الوعيد، نضِجت منَّا الجلود، فهل من خروجٍ إلى خير من هذا الوجود، فيُجيبهم بأقْوى خطاب وأغلظ جواب: إنَّكم ماكثون، لقد جئناكم بالحق ولكنَّ أكثركم للحق كارهون.

عندها ينادُون إلهًا طالما خالفوا أمره، وانتَهَكوا حدوده، ينادُون ربَّهم وقد اشتدَّ بكاؤُهم وعلا صياحُهم وارتفع صراخهم: ربنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الَّذي كنَّا نعمل، ربَّنا أبصرنا وسمِعْنا فارجعنا نعمل صالحًا إنَّا موقنون، ربَّنا غلبتْ عليْنا شقْوتُنا وكنَّا قومًا ضالِّين، ربَّنا أخْرِجْنا منها فإن عُدْنا فإنَّا ظالِمون.

فيُجيبُهم الجبَّار - جلَّ وعلا - قائلاً سبحانه: اخسؤوا فيها ولا تكلِّمونِ.

عباد الله:

أهلُ النَّار لا يُرحم باكيهم، ولا يُجاب داعيهم، قد فاتَهم مرادُهم، وأحاطتْ بِهم ذنوبُهم، ولا يزالون في رجاء الفرَج والمخرج حتَّى يناديَ منادٍ: يا أهل الجنَّة خلودٌ فلا موت، ويا أهْل النَّار خلود فلا موت؛ ﴿ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ﴾ [فاطر: 36]، ﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى ﴾ [طه: 74].

أيها المسلمون:

وإذا أيْقن أهل النار بالهلاك ويئِسوا من الخلاص والفكاك، اشتدَّ حنَقُهم على مَن أوْقَعهم في الضَّلال والرَّدى، ومدَّ لهم في الغيِّ مدًّا، يقولون: ﴿ رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ ﴾ [فصلت: 29]، ويقول القرين لقرينِه الذي صدَّه عن القرآن وزيَّن له العصيان: ﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً ﴾ [الفرقان: 28، 29].

عباد الله:

هذه بعض أوْصاف النَّار وأحْوال أهلها، فاستعيذوا بالله من النَّار، استعيذوا بالله من النَّار ومن فِتْنة النَّار، ومن كلِّ قوْلٍ وفعل يقرِّب إلى النَّار.

أقول ما تسمعون وأستغْفِر الله العظيم لي ولكُم.
الخُطْبَــــةُ.الثَّـــــــــانِيَةُ.cc
الحمد لله ذي العزَّة والإكرام، والجلال والعظمة التي لا تُرام، أحْمده سبحانه وأشكرُه على عظيم الإنعام، وأشهَد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه المبعوث رحْمة للأنام، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحْبِه الكرام وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعد:

فأُوصيكم أيُّها الناس ونفسي بتقْوى الله - عزَّ وجلَّ - اتَّقوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله، اتَّقوا يومًا الوقوف فيه طويل، والحساب فيه ثقيل.

يَا غَافِلاً عَنْ مَنَايَا سَاقَهَا القَدَرُ
مَاذَا الَّذِي بَعْدَ شَيْبِ الرَّأْسِ تَنْتَظِرُ
عَايِنْ بِقَلْبِكَ إِنَّ العَيْنَ غَافِلَةٌ
عَنِ الحَقِيقَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهَا سَقَرُ
سَوْدَاءُ تَزْفِرُ مِنْ غَيْظٍ إِذَا سُعِرَتْ
لِلظَّالِمِينَ فَمَا تُبْقِي وَلا تَذَرُ

أيُّها النَّاس:

لن يدخل الجنَّة إلاَّ مَن يرجوها، ولن يسلم من النَّار إلا مَن يَخافُها، مَن خاف أدْلج ومَن أدْلج بلغ المنزِل، أَلا إنَّ سِلعة الله غالية، أَلا إنَّ سلعة الله الجنَّة.

يقول الحسن البصري - رحِمه الله -: "والله ما صدَّق عبد بالنَّار إلاَّ ضاقت عليه الأرْض بما رحبت، وإنَّ المنافق لو كانت النَّار خلف ظهره ما صدَّق بها حتى يتجهَّم – أي: يقع في دركها - واللهِ، ما أنذر العباد بشيءٍ أدْهى منها".

عباد الله، تِلكم النَّار وهذا شأنها، فيا ترى:

من يطيق زفرة من زفراتها؟!
من يتحمل لحظة من أيامها؟!
من يصبر على لقمة من زقُّومها؟!
من يقوى على شربة من حميمها؟!

ألا أين تاركو الصَّلوات، وأين مرتكبو المحرَّمات؟ أين أهل عقوق الآباء والأمَّهات؟ أين هؤلاء جميعًا عن هذه الدركات، وتلك المنازل المبْكيات؟! أليْس فينا متَّعظ، وهل فينا من مدَّكر قبل أن يحلَّ بنا هاذِم اللذَّات ومفرق الجماعات؟!

عباد الله:

أشعِروا أفئدتكم وأبدانكم ذكر النار ومقامها، أطباقها ودركاتها، وَقودها وحجراتها، والسَّلاسل والأغْلال، السعير والحميم، الغسَّاق والغِسْلين.

اذكروا بُعد القعر، واذكُروا اشتِداد الحرّ، ابْكوا وتباكوا، واعْلموا أنَّها لن تمسَّ النَّارُ عينًا بكت من خشية الله.

اللهُمَّ إنَّا نعوذ بك من النَّار وما قرَّب إليها من قول وعمل.

اللهُمَّ يا حيّ يا قيّوم، يا فرْد يا صمَد، يا ذا الجلال والإكرام، أكرِمْنا في هذا اليوم المبارك بعتْق رقابِنا من النَّار.

اللهُمَّ إنَّا نعوذ بك من عذاب جهنَّم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحْيا والممات، ومن فِتْنة المسيح الدجال.

سبحان ربِّنا ربِّ العزَّة عمَّا يصفون.
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
📲 قَنـاةُ【️مُنْتَـدَىٰ الْخُطَـــــبْاَءْ】مِـنْ هُنـ↶ـا:
hottg.com/Montda_alkotba
*🌐مَجْمُوعَاتِنَا عَلىٰ الْوَاتسَ اَبِ هُنـ↶ـا:*
https://chat.whatsapp.com/L9TQAUO9Iht5dIVvSvjuWU
📩▎ أنْشُـرُوٰهَا واحْتَسِبُـوٰا الأَجْـرَ بِإِذْنِ اللَّهِ فَالـدَّالُ عَلَىٰ الخَيْـٰرِ كَفَاعِلِه.
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
🕌مُنْتَـدَىٰ.الْخُطَـــــبْاَءْ.cc
📩
@Montda_alkotba
‏─────────────
خطبـــــــة.بعنـــــــوان.cc.
_^((
#خطبة_واعظة ))^_
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
الخُطْبَــــةُ.الْأُولَـــــــــى.cc
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: لو تفكَّرنا في المآل، وتذكَّرْنا وعْدَ الله ووعيدَه وما أعده لمن أطاعه ولمن عصاه، ولو جعلنا ذلك نصب أعيننا دائمًا، لصلحت أحوالنا، واستقامت أمورنا، ولَعِشْنا عيشةً طيِّبة، وحياة هانئة سعيدة.

ذلك أن الإنسان إذا كان يحسب للجزاء حسابًا، ويعد للسؤال جوابًا، فلن يُقدِم على شيء من الأعمال إلا وهو مطمئنٌ إلى حسن عاقبته، وأنه سينجيه في دنياه وآخرته.

ولذا فإن من أنفع الأدوية للقلوب الغافلة عن ذكر الله، المعرضة عن أوامره، المواقعة لنواهيه - إن من أنفع الأدوية لتلك القلوب - تذكيرها بوعد الله ووعيده، وما أعده للمحسن والمسيء من عبيده.وكتاب الله حافل بهذا الأسلوب الكريم، فهو يربي المؤمنين على الإيمان التامِّ الذي يرثون به الفردوس هم فيها خالدون.
وفي هذه اللحظات سنعيش وقتًا طيبًا مع سورة الحاقة، تلك السورة العظيمة التي صورت أحوال الآخرة تصويرًا دقيقًا تنخلع له القلوب، وتذرف منه العيون، وتقشعر من أجله الجلود.
استمع إلى تلك الأحوال العظيمة يخبر بها أصدق القائلين في كتابه العظيم فيقول: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ [الحاقة: 13]، وذلك حين ينفخ إسرائيل في الصور فتنبت أجساد العباد، وتدخل أرواحهم في أجسادهم، فإذا الناس قيام لرب العالمين.

﴿ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴾ [الحاقة: 14]، أي: فُتِّتت الجبال واضمحلَّت وخُلِطت بالأرض ونُسِفَت عليها، فكان الجميع قاعًا صفصفًا، لا ترى فيها عِوَجًَا ولا أمْتًَا.

فبينما كانت جبالاً عظيمة ورواسي شامخة إذ جاءها أمر ربها فدُكدِكَتْ حتى لم تكن شيئًا، قدرةٌ عظيمة، وقوةٌ هائلة، فسبحان القوي العزيز! أما السماء فإنها تضطرب وتمور، وتتشقق ويتغير لونها، وتهي وتضعف بعد قوتها وصلابتها، وما ذلك إلا لأمرٍ عظيم أزعجها، وكربٍ جسيم هائل أوهاها وأضعفها.

﴿ وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 17]، فهؤلاء الملائكة الكرام على جوانب السماء وأركانها خاضعين لربهم، مستكينين لعظمته، ومن هؤلاء الملائكة أملاكٌ في غاية القوة يحملون عرش الرحمن.

ثم ذكر -سبحانه- عرض الناس على ربهم فقال: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَىٰ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18]، لا تخفى منكم خافية، لا من أجسادكم، ولا من ذواتكم، ولا من أعمالكم، ولا صفاتكم؛ فإنه تعالى عالم الغيب والشهادة، ويحشر الناس حفاة عُراة غُرْلًا، فحينئذ يجازيهم الله بما عملوا.

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19]: هؤلاء هم أهل السعادة، يُعطَوْن كتبهم التي فيها أعمالهم الصالحة بأيمانهم تمييزًا لهم، وتنويهًا بشأنهم، ورفعًا لمقدارهم، فيقول أحدهم عند ذلك من الفرح والسرور ومحبة أن يطَّلِع الخلق على ما مَنَّ الله به عليه من الكرامة: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19].
أي: دونَكُم كتابي فاقرؤوه، فإنه يُبَشِّر بالجنات، وأنواع الكرامات، ومغفرة الذنوب، وستر العيوب؛ والذي أوصلني إلى هذه الحال ما مَنَّ اللهُ به عليَّ من الإيمان بالبعث والحساب والاستعداد لـه بالممكن من العمل، ولهذا قال: ﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 20]؛ أي: أيقنت بذلك.
﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 22]: جامعة لكل ما تشتهيه الأنفس وتلذُّ الأعين، وقد رضوا بها ولم يختاروا غيرها عليها.

﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 23]: ثمرها وجناها من أنواع الفواكه قريبة سهلة التناول على أهلها، ينالها أهلها قياماً وقعوداً، فيقال لهم حينئذ: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ [الحاقة: 24]؛ لأنكم كنتم من أهل الأعمال الصالحة، ومن التاركين للأعمال السيئة، فالأعمال سببٌ لدخول الجنة، ومادةٌ لنعيمها. هؤلاء هم أهل السعادة والنعيم المقيم عند ربهم الكريم الرحيم.
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة:25-26]: هؤلاء هم أهل الشقاء، يعطَون كتبهم بشمائلهم تمييزًا، لهم وخزيًا لهم، وفضيحةً وعاراً، فيقول هذا الذي أُعطِيَ كتابه بشماله: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ﴾؛ لأنه بُشِّر بالحسرات والخسارة الأبدية.

﴿ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ ﴾ [الحاقة: 27]، أي: يا ليت موتتي هي الموتة التي لا بعث بعدها، ثم التفت إلى ماله وسلطانه فإذا هو وبالٌ عليه لم يقدِّم منه شيئاً لآخرته، فتندَّم وتحسر وقال: ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ﴾ [الحاقة: 28]، أي: ما نفعتني تلك الأموال؛ لأني لم أتصدق، ولم أنفق، ولم أقدِّم منه ما ينفعني.

﴿ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ [الحاقة: 29]: أي ذهب ذلك السلطان والجاه والمنصب والعز، وذهب كل ذلك أدراج الرياح، وذهبت معه المتاجر والأرباح، وحضرت بدله الهموم والغموم والأتراح.
فحينئذ يأمر الله ملائكته الغلاظ الشداد، يأمرهم أن يأخذوا هذا العبد الخاسر المفرط في دنياه الغافلَ عن أخراه، يأمرهم أن يأخذوه فيَغُلُّوه ﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴾ [الحاقة: 30]، بأن يجعلوا في عنقه غلاً بحلقه، ثم يأمرهم فيقول: ﴿ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴾ [الحاقة: 31]: أي قلِّبوه على جمرها ولهيبها.

﴿ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ﴾ [الحاقة: 32]، أي: انظموه فيها بأن تُدخَل في دبره وتخرج من فمه، فلا يزال في عذاب أليم مقيم؛ ذلك لأنه كان في دنياه لاهياً، وعن أخراه غافلاً، فليس لـه في ذلك اليوم العصيب شفيع ولا مخلِّص، ولا صديق مشفق، الكل تخلى عنه، والكل تبرأ منه، فلم ير أمامه إلا ما قدم في هذه الدنيا من سوء الفعال التي أوردته هذا العقاب والعذاب الأليم.



الخُطْبَــــةُ.الثَّـــــــــانِيَةُ.cc
الحمد لله الواحد الصمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه والمثيل، والند والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: ها نحن قد سمعنا أحوال الفريقين، فإما إلى النعيم الأبدي، وإما إلى العذاب السرمدي؛ فالأول سبيل المتقين المطيعين لربهم ولنبيهم، والآخر سبيل أهل الغواية والغفلة.

فيها أيها المسلم! بأي الفريقين تريد اللحاق؟ ومع أي الحزبين ترغب في المسارعة والسباق؟ هما دربان ليس لهما ثالث، فإما درب النجاة والجنَّات، وإما درب الندامة والحسرات، فاغتنِم ما تبقى من عمرك في طاعة ربك، علَّك أن تكون من أهل السعادة، ودَع عنك الغفلة، فليست هذه الدنيا سوى وقتٍ قليلٍ، وعرَضٍ زائلٍ.

عباد الله: إن السعادة هي الاستقامة على دين الإسلام واتباع منهج سيد المرسلين، والتزود من الدنيا بالأعمال الصالحات، قال تعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97] وذلك في الدنيا حتى ولو كان قليل مال وجاه وشهرة، وأما بعد الممات وأما في الآخرة ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]وقوله عزوجل ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13] الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا على الإيمان به فلا خوف عليهم بعد موتهم ولا من فزع يوم القيامة وأهواله، ولا هم يحزنون على ما خلفوا ورائهم بعد مماتهم من حظوظ الدنيا.
احبتي في الله: والله لا نسعد إلا بالدين؛ إلا بالطاعة؛ إلا بالعبادة، لن تسعدنا شاشات وقنوات؛ لن تسعدنا مباريات وكأس العالم ومتابعتها؛ لن نسعد يوم أن نعلق القلوب بغير الله، لن نسعد والله إلا بالقرب من الله. أسأل الله أن يجعل قلوبنا معلقة به سبحانه.

فيا عبد الله: يا من تعصي الله، يا من لا تقيم لأوامر الله وزنا، ولا لنواهيه قدرا، ولا لمرقبته لك أعتبارا، والله لو لم يكن ينتظرك من الجزاء إلا سكرات الموت لكانت كافية في تنغيص عيشك، وتكدير صفوك، ولكانت جديرة بإيقاظك من غفلتك، فكيف بما بعدها من الأهوال العظيمة التي لا يتصورها عقل، فتوكل وتنبه أخي من رقدتك فإن الأيام معدودة، والأنفاس محسوبة، والآجال مضروبة، والأعمال مشهودة، والأفعال محسوبة، والأرزاق مقسومه، قيل لحاتم الأصم: علا م بنيت أمرك في التوكل؟ قال: (على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغته فأنا أبادره، - أي بإعداد الزاد - وعلمت أني لا أخلو من عين الله فأنا مستحين منه).
فيا عبد الله هذا نداء من الله عز وجل نداء من ربٍ رحيم غفور شرُنا إليه يصعد، ورحمته ولطفه بنا نازل، نداء ينادي به الذين أسرفو في المعاصي والذنوب، نداء ينادي به كل من تكبر وعصى، نداء ينادي به من كثرة ذنوبه وظن أنه لا نجاة له، قال عز من قائل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الزمر: 53 - 55]

ألا فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن البررت الأتقياء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم ارحمنا برحمتك، وأعِذْنا من سخطك وعذابك، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار؛ اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا.ويمن كتابنا وهون حسابنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله:

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينها عن الفحشاء والمنكر والبغي يعضكم لعلكم تذكرون، فذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
📲 قَنـاةُ【️مُنْتَـدَىٰ الْخُطَـــــبْاَءْ】مِـنْ هُنـ↶ـا:
hottg.com/Montda_alkotba
*🌐مَجْمُوعَاتِنَا عَلىٰ الْوَاتسَ اَبِ هُنـ↶ـا:*
https://chat.whatsapp.com/L9TQAUO9Iht5dIVvSvjuWU
📩▎ أنْشُـرُوٰهَا واحْتَسِبُـوٰا الأَجْـرَ بِإِذْنِ اللَّهِ فَالـدَّالُ عَلَىٰ الخَيْـٰرِ كَفَاعِلِه.
✺●══🍃🌸🍃═══●✺
HTML Embed Code:
2024/04/28 03:48:42
Back to Top