كعادتي، أصارع الحياة بأحزانٍ قديمة ومهملة، وذاكرة مثقالها ألف طنٍ من الوجع، حين تشرق الشمس فيتكسر الضوء إلى شظايا من ظلامٍ عنيدٍ لا يزول.
وأيامي محطاتُ إقامة قصيرة للزائرين، يبقى فيها النازلون أسبوعًا أو يومين، يعبرونني كحجرٍ أثري قديم، ثم يمضون إلى أماكن ملائمةً للإقامة.
تزول آثار الأقدام سريعًا كما يجف ندى الصباح، أو دمعات الوداع، وتظل المقاعد باقيةً، تصبغها ألوان العبور، والرحيل المتككر، تظل المقاعد باقية، متأهبةً لوافدين جُدد، وافدين آخرين لا يقترفون آثام البقاء.
في حلقة الرحيل السريع المتواتر، يقرر مسافرٌ الإقامة، يبذر اللحظات في فراغ الذاكرة، ينقش اسمه على أسطح المقاعد، وينحت الحكايات على أعمدة المحطة، ويلتقط ملايين الصور.
ولأنني محطة في نهاية الأمر، يغادرني المسافر في بدايات الخريف، لتسقي الأمطار بذور اللحطات القديمة، وتغسل الأتربة التي علقت بالمقاعد، فتنمو الأشجارُ علامة لا تزول، تشير على مقيمٍ بقي طويلًا ورحل، مخلفًا وراءه قصائدًا باكية بدموع التعود التي تتجدد كل يوم، خلافًا لدمعات الوداع، وصورًا على كل جدران المحطة، وبقع حبرٍ على المقاعد، بقع لا يمحوها الزمان.
#الاء_مالك
>>Click here to continue<<