الحمد لله .. وبعد،
كنت اليوم أراجع سورة "طه" بشيء من انشغال الذهن، فلما بلغت قوله تعالى: [ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ ] وقع في نفسي شيء من الخوف والألم النفسي وروعني - على ما بي من قسوة - قوله جل شأنه ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى.
فجعل الله الطغيان في النعم والكفران بها والاستعانة بها على معصيته سببًا لوقوع غضبه الذي فيه شقاء العبد وتعاسته الأبدية.
ومن يطيق منا وعيد الله بإنفاذ غضبه!
ثم كانت الآية التي تليها: [ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ]
وكأني والله ألحظ هذا التتابع لأول مرة في حياتي، فخامرني شعور ما أن الله الرحيم يسكن من روع عباده وفزعهم، وكأنه يمسح بيمينه على قلوب ترتجف إثر قراءة حروف الغضب ليتودد إليهم ويبعث إليهم رسالات الأمان بإظهار مغفرته المقرونة بلام التوكيد بعد آية الوعيد مباشرة رحمة بعباده؛ فذكر الغضب مجردًا، والمغفرة صفة من صفات الله تأكيدًا وتوكيدًا.
حاولت أن أبحث على هذا المعنى في كتب التفاسير فكان من بديع ما وقفت عليه كلمتين:
الأولى لأبي حيان فقال: لما حذر الله من حلول غضبه؛ فتح باب الرجاء للتائبين.
والحرف الثاني لابن عاشور فقال: استطراد بعد التحذير من الطغيان بالإرشاد إلى ما يتدارك به الطغيان إن وقع بالتوبة والعمل الصالح.
وهذا والله والقرآن به من عجائب رحمة الله بعباده ما لا تكاد تحيط به العقول، فكثر خير الله ربنا الرحيم التواب، والله يعفو عنا.
>>Click here to continue<<