TG Telegram Group Link
Channel: شَادِنْ
Back to Bottom
"الناس موتى، وأهل العلم أحياء."
... ولكن الشعراء والكتّاب أشد إحساسًا وأرق عاطفة وأنفذ نظرًا وأكثر عرفانًا بمقادير أنفسهم، من كل من عداهم."
أبكيكم واحدا واحدا بدمع الأمومة الحار..
يارب، لطفك بالصغار يارب.
كنت في صغري صموتةً بقدر لا أبلغ به العيّ، وهذا موقف لا أنساه أرجع له بالذاكرة سبعة أعوام، إذ كنت طالبة في الصف السادس المتوسط، وكانت مدرستنا آن ذاك تقرّ على التلامذة الضِعاف فصولا إضافية مجانية غير المقررة، وعلى كل معلم اختيار طلبته الضِعاف المحتاجين لهذه التقوية بطريقته هو، فجاءت معلمة اللغة العربية ووزعت على بعضنا(البُلَداء بنظرها)أسئلةً لتحديد المستوى بدقة، وكنت ممن أعطتهم هذه الأسئلة، فقلت لا بأس والبأس كله في شعور كهذا، جاوبت الأسئلة وذهبت لإعطائها الورقة فلم تأخذها. مرت أيام.. وجاءت سلمى صديقتي-وهنا شاهدي من الكلام- بعد أن تصالحنا وعفا كل واحد عن صاحبه، وأخبرتني أنها لما رأت المعلمة تعطيني من هذه الأوراق كما تعطي الطالب الضعيف، أتتها وقالت: "أمَا علمت أن عائشة هي الأولى في صفنا؟" فسألتها المعلمة عن درجاتي ودرجتي في اللغة العربية، فحدثتها سلمى عني بما يطيب من الكلام. هذه سلمى طفلة لم يتعدّ عمرها اثني عشر عاما، وكانت في موقف خصام مع صديقتها، لكن انظر كيف نصرتها في غيبتها وهي لها مُخاصمة، إنني أعزّ سلمى كثيرا وأحبها حبّا كما يحب الأخ أخاه وزيادة، ولم أصاحب بعد هذه الفتاة أحدا، كأن الزمان كفاني بها عن كل صاحب، أو كأن الأيام علّمتني بها ما الصديق وما الصداقة، فزهدت بعدها في كل صداقة دونها. غير أن الزمان لا يُبقي عليك سرورا دائمًا، فقد سامني بالبعد عنها كما بوعد بين المشرق والمغرب، وخضعتْ وهي عني بعيدة لعملية جراحية، فأعلمتني رعشة يداي وفزع قلبي عليها ولساني الذي ما انفك يلهج لها بالدعاء، أنني لا أقوى على سوء يمسها ولا أطيق بها ضُرًّا ولا وجعًا، حفظ الله سلمى وأبقاها دائما سالمة مُعافاة.. وعسى الزمان الذي فرقنا هو يومًا جامعنا عن قريب كما تقولين يا حبيبتي، ولو أن الأسباب تقول: "مستحيل".
"بكيتُ على سِرب القَطَا إذ مررن بي
فقلتُ ومثلي بالبكاء جديرُ..

أسربَ القطا، هل..؟"
لقد زادني حبًّا لنفسي أنني
بغيضٌ إلى كل امرئ غير طائل

-الطرماح.
"قد بانَ في وجهها الصبور بُكاهَا"
الدكتور أسامة شفيع السيد، طيّب الله ثراه..
العالم البحاثة العبقري، ما عرفته إلا بعد موته، وبقدر ما يأسى المرء لموت هؤلاء، إلا أنه يحمد الله أن لم يفجعه الموت فيهم وهو يعرفهم.
قال أبو القاسم السيرافي: حضرنا مجلس الأستاذ أبي الفضل ابن العميد الوزير فجرى ذكر الجاحظ، فغضّ بعض الحاضرين منه وأزرى به، وسكت الوزير عنه، فلما خرج الرجل قلت له: سكت أيها الأستاذ عن هذا الرجل في قوله مع عادتك في الرد على أمثاله؟! فقال: لم أجد في مقابلته أبلغ من تركه على جهله، ولو وافقته وبينت له لنظر في كتبه وصار بذلك إنسانا يا أبا القاسم، فكتب الجاحظ تعلم العقل أولا والأدب ثانيا، ولم أستصلحه لذلك.

وصار بذلك إنسانا يا أبا القاسم!
ويبلغ بي ألم عظمي حدًّا لا أستطيع معه قبضًا على قلم، أو كسرًا لرغيف خبز، والحمد لله.. تقول الدكتورة أنت كيف عايشة؟ والحق أن:
لو قيل عائشةٌ أقول لقد فنى
عيشي وصبري والإله بصير
دعاءكم في هاته الأيام المُفترحة..
هذا رمضان ينفرط انفراطًا، وهكذا باقي الشهور، وهكذا عمرك، فاحرص على ما ينغعك، واربأ عما تذهب نفسك فيه سُدى.
أذكر "الخزعة" الأداة الحادّة الغليظة يومَ اخترقت لحمي وعظمي بلا تخدير لسحب بعض من نخاع العظم، وأذكر وقتها دوّيي المتألم وبكاء أمي وخالتي أمامي، وما خلفته تلك الخزعة حينها من عرج لا أستطيع معه المشي، ثم أذكر تدهور حالي وهزال جسمي وضناه وشحوب وجهي واصفراره، ثم قولهم: "تستأصل الطحال" فكانت أمي تتلقى صدمة تلو أخرى، وأتلقّى أنا تحليلا وراء آخر، وأنتقل من عيادة لأخرى ومن مشفى لمشفى، حتى ألهم الله أمي أن تقرأ على ماء لأغتسل به، لجأت لهذا بعد قولهم: "لا دواءَ ناجعٌ معك، لا سبب لعرضك أصلا" -والحق أن كلام الله هو أول الأدوية وأنجعها وأنفعها- وهكذا شكاياتي دائما، أوجاعٌ بلا أسباب، وأعراض بلا مسببات، كأنها الروح تُصاب وتمرض، فتُتعب معها الجسد الضعيف، فهذه أيام وليالي أذكرها فأقول سبحانك ربي دفعت عن أمتك ضرًّا لم يجد معه الأطباء حلا سوى"نزع الطحال" فكم أن الإنسان ضعيف، ضعيف بلا ربّ يحميه، يدعوه ويلجأ إليه، ويرفع له كفّ السؤل فلا يردها إلا وقد امتلأت بسؤاله، وقد أجبت مرة على سؤال صديقة لي: "ما أسعد أيام دنياك؟" قلت: "يومًا سمع الله تأوّهات أمي المكلومة، وجعل في رقيتها نفعًا وشفاءً، وكفاني نزعَ عضو من جسدي".
فله الحمد ربنا، ما أوسع نعماءه!
كنت قررت التغيب عن محاضرات هذا الأسبوع، حتى علمت أن محاضرات اليوم كلها ألغيت عدا واحدة، فآثرت-على التعب- أن أجوب هذه المسافة، على أن يدخل أستاذٌ قاعة الدرس فيتملّكه أسًى لما سيراه!
Forwarded from سُقيا ومربع
في قوله تعالى: {وإني سميتها مريم} دليلٌ على أن تسمية الإناث إلى الأمهات دون الآباء.

تأويلات القرآن، الماتريدي.
هذا أفقي أمام عيني يسودّ ويسودّ وأردد أنا طوال المحاضرة: "اللهم سترك، اللهم لطفك" حتى -ولا أدرك ماذا تغشّاني- أجد الجميع متكدس على الباب والمدرج خالٍ، وتناديني إحداهن ممسكة بحقيبتي، ممسكة  على يدي تمشي معي حتى ركوبي، وأنا بجسد كأنه يحمل في داخله جسدًا آخرا، يتردد فيه للأمام والخلف، أطلب والوقوف ولا أستطيعه، لا جسدي يحملني، ولا أنا أحمله. وأخرى في المواصلات تفتح ذراعيها أنْ ضعي هنا رأسك، وهي قبل أن تكمل رميت بهذا الرأس على كتفٍ لا أعرف صاحبته غير أنها ذات حنوّ. لا أدري متى صارت أكتاف الناس حاملةً لأعبائي، غير أن هؤلاء ممن يُقال فيهم:

"وهم أرقّ من الأنسام لو عبروا
مشيًا على الماء لم تبصر به جَعَدَا"

والحق أن هذا اليوم المضني ذكرني بأيامَ كنت في السنة الأولى في الفصل الأول، هذه الحالة من: من أنتم، وما هذه الوجوه، وما هذا المكان؟ حتى كنت أستمع للمحاضرة مسجلة بعدئذ فأقول أقيل فيها كل هذا؟ وهذا السؤال..؟ كنت أعرف إجابته، أين كنت؟ ليتني كنت معهم..
فمَا لك اليوْم؟.. لم تستعملِ الجَلدَا؟..

شطرٌ يفيض أسًى يا ريم..
"إن الحزينَ يهيجُه
بعد الذُّهولِ بُكَا الحزينِ"
يلمسني الأسى في كل مرة يُتحدّث فيها أو يُذكر طرفٌ من خبر أستاذ قدير تُوفي ولم أكن بعدُ التحقت بالجامعة، ولا أدري..؟ غير أنها لُحمة العلم وأواصره. وقد قال مما قال: "سيموت الكاتب وسيبقى النص يقدم إجابات لأعوام وأعوام" وسيقدم أنفسًا تأسى لأنفسٍ لم تلقهم أبدا.. يرحمه الله!! ويرحمنا.
HTML Embed Code:
2024/04/30 06:38:36
Back to Top