TG Telegram Group Link
Channel: قصص بنفسج 💜
Back to Bottom
الفصل الأخير: التبر في الأفق
لا نقول الوداع؛ لأن الوداع كلمة ضياع، مثل سفينة بلا شراع،
بل نقول إلى اللقاء، إلى أن نلتقي في يوم آخر.

في تلك اللحظات، امتزجت مشاعرها بين الحزن و الحبور، سعيدة بإيصال ضيوفها الأعزاء لمنزلهم سالمين، حزينة على فراق حتمي و معرفة بأنها قد لا تراهم مجددا.
كان كارتر يراقب الطريق بشرود عبر النافذة،
بينما صغاره يستمتعون بتناول الشطائر و هم يتسامرون فيما بينهم، و القط الأسود يجلس قرب لينيريا مستمعا لهم باهتمام،
وصلت السيارة لمشارف مدينة آركس، لتطل لينيريا عبر نافذة السيارة و تهتف:
" عدنا لحينا!"

اقترب سوير و سارة ليتأملا الطرق و المنازل بحنين و سعادة،
لينظر كارتر عبر النافذة المقابلة و يتأمل الطريق بشرود، تلك المنازل و الأشجار، و الوجوه بدت مألوفة له، بطريقة ما شعر و كأنه كان هنا في وقت ما، لتتراىء له صور له و هو يجلس في ذلك المرج الأخضر، ممسكا بيد شابة شقراء مبتسمة،
هز راي رأسه لتختفي الصورة و يفكر فيم سيفعله.

توقفت السيارة الحمراء في شارع الياسمين، ليخرج الصغار حاملين حقائبهم معهم و يقفز القط لتحمله لينيريا بين ذراعيها،
نزل كارتر كذلك لتنزل إيلين و تخاطبهم بابتسامة:
" إنه وقت الفراق يا أعزائي، إلى اللقاء.
من الأفضل أن تذهبوا للمنزل بمفردكم"

صرخ الصغار ليتمسكوا بفستانها الزهري و يخاطبها سوير:
" لا تتركينا يا إيلين! فلتعيشي معنا!"

" جدتي و أمي ستحبانك كثيرا! مدينتنا جميلة أيضا!"
أضافت سارة لتردف لينيريا:
" لدينا غرفتان خاليتان، يمكنك أخذ واحدة"

ابتسمت إيلين لتربت على رؤسهم و تجيب:
" كم كنت أتمنى ذلك، لكنني لا أستطيع.
والدتكم طيبة، و جدتكم كذلك، و منزلكم جميل،
لكنني لا أستطيع ترك منزلي أيضا، و أصدقائي و من أقوم بحمايتهم هناك، و شجراتي و زهراتي،
و السيد أصفر و ألفين و إيلدون و كالان، إنهم عائلتي و لا أستطيع تركهم"

أومأ الصغار بحزن لتدس إيلين كيسا صغيرا أحمر اللون حريريا بين كفي سوير و تهمس:
" عشرون ألف قطعة ذهبية، ستجدها هنا"

ابتسم سوير بسعادة ليشكرها لتقترب لينيريا متسائلة بحزن:
" إيلين، ألن نراك مجددا؟"

أشارت إيلين للسماء لتجيب:
" عندما يحل المساء، و تشاهدون شهابا ذهبيا يسقط من السماء، فاعلموا بأنني أرسل تحياتي لكم"

ثم أضافت:
" عندما تكبرون، و تصيرون أقوياء كفاية لكي لا تقلقوا والدتكم عليكم، سأكون في انتظاركم"

أومأت لينيريا بابتسامة لتقترب إيلين من راي و تخاطبه:
" هيا أمض، سيد كارتر، أتمنى لك التوفيق.
هذه السيارة الحمراء لك"

اتسعت عينا راي دهشة لتلوح إيلين للجميع ثم تسير مبتعدة،
ليهتف راي:
" انتظري! لماذا تعطينني السيارة؟"

توقفت إيلين لتلتفت و تجيبه بابتسامتها الفاتنة:
" لتوصلك للأماكن العزيزة، التي لم تزرها منذ وقت طويل"

ابتعدت إيلين تسير بمهل، ليلتفت جميع السكان محدقين نحوها، مشيتها الأبية و فستانها الذي يعانق الأرض،
راقبها الصغار مع والدهم كذلك حتى تضاءلت، ثم اختفت.

كانت آنا منهمكة في الإعتناء بحديقتها الجميلة، حديقة الفريز،
ابتسمت آنا لترفع رأسها و تنظر للسماء، بعد الرسالة التي تلقتها اطمئن قلبها قليلا و عادت لمنزلها في انتظار صغارها.
مسحت آنا قطرات العرق من جبينها لتفكر في الاسم،
إيلين، كانت الرسالة مميزة حقا، علاوة على الورقة القديمة و الكتابة ذات اللون الذهبي و اللفافة الحريرية التي غلفت الرسالة،
حديثها و كتابتها منحت آنا كثيرا من الإطمئنان بشكل مفاجيء، كثيرا من السلام و كأن ماء صافيا غسل قلبها المتألم و داواه.

رفعت آنا رأسها لرؤية سيارة حمراء جميلة تقترب من المنزل، لتنهض و تخلع القفازين البلاستيكيين و تنفض الغبار من فستانها البنفسجي لتخرج لرؤية ضيوفها .
توقفت السيارة ليفتح الباب الخلفي،
نظرت آنا مترقبة لتلاحظ قمة رأس ذهبية صغيرة فقط،
لتركض لينيريا و هي تصرخ بحماس:
" أمي! لقد عدنا!"

شهقت آنا بصدمة لتجثو على الأرض و تعانق لينيريا بقوة، انسابت دموعها و هي تردد:
" لينيريا! ابنتي الصغيرة!"

تلمست آنا صغيرتها بعدم تصديق ليسرع التوأم ليعانقاها و هما يبكيان،
عانقتهما آنا لتشد على ظهريهما و تخاطبهما:
" تهربون من المنزل بعد أن توقعوا على رسالة و تذهبوا لمكان غير معروف؟
هل هذا ما علمته إياكما؟! ألم تعلموا كم قلقت عليكم و كدت أن أجن، و بحثت و سافرت للعاصمة أملا في إيجادكم؟ لماذا تفعلون بي هذا أيها الأشقياء؟!"

"أنا آسف، تلك كانت فكرتي، سارة و لينيريا تحمستا للذهاب معي، إنه خطأي أنا"
اعترف سوير بدموع منسكبة لتضيف سارة:
" لا! إنه خطأي أيضا! لو لم أحرض سوير لما تشجع للذهاب أصلا، أنا خططت أيضا!"

اقتربت لينيريا لتضيف:
" إنه خطأي أنا!
مع أنني لا أعلم ما فعلته"

ضحك التوأم لتضحك آنا و تمسح دموعها، لتلاحظ للرجل الوافق قرب السياج،
نهضت آنا لتكفكف دموعها و تخاطبه:
" معذرة، لم أنتبه لوجودك.
أنت من أحضر أبنائي لهنا، شكرا جزيلا لك يا سيد..."

توقفت آنا عن الحديث لتحدق نحو الرجل طويلا،
تلك القام
ة الطويلة و اللحية الخفيفة، الشعر الأسود القصير و القبعة البنية كقبعات رعاة البقر،
مع عصابة على عينه اليمين، وجه متعب و ملامح عزيزة.

ابتسم راي بتوتر لنظرات آنا الفاحصة ليضيف:
" راي، أنا راي كارتر"

أجهشت آنا بالبكاء لتركض و تعانقه بقوة،
اتسعت عينا راي مندهشا و مستغربا لتتمسك آنا بقميصه و هي تتمتم:
" راي... لقد عدت يا راي! كنت أعرف أنك حي!"

ابتسم راي بمرارة ليعانقها و هو يشعر بالألم رأسه،
ليغمض عينيه ثم يفتحهما فجأة،
ليمسك آنا من كتفيها و يتحدث بذهول:
" آنا! أنت آنا!"'

عانق راي زوجته لتجري دموعه، ليقترب الصغار و يصرخوا:
" أبي! أبي يتذكر أمي! أبي شفي!"

ابتعدت آنا لتمسح دموعها بينما جلس راي ليعانقه صغاره و يجيبهم:
" والدكم عاد للمنزل، و لن يترككم أبدا مجددا"

جلس الجميع على المائدة ليضيف سوير:
" و هكذا هربنا من الغول و أنقذنا الأقزام من الساحرة الشريرة، ثم التقينا بإيلين، إنها طيبة جدا و حنون، و تعتني بجميع من في الغابة،
و أعطتني المال، في هذا الكيس السحري"

وضع سوير الكيس الحريري الأحمر على الطاولة ليسأله راي باندهاش:
" إذا هي جنية؟! لماذا لم تخبروني؟!"

التفتت سارة لتجيبه:
" لم تكن لتصدقنا و أنت لا تعرفنا، و أيلين أخبرتنا ألا نخبرك شيئا عنها حتى تعود ذاكرتك لك،
بعد أن تعانق أعز شخص لقلبك"

حركت سارة حاجبيها لتؤنبها آنا:
" عيب يا بنت!"

وضعت لينيريا القط الأسود على الطاولة لتقول:
" سأحتفظ بهوكي، حسنا يا أمي؟"

"بالتأكيد، يمكنك ذلك"

اقتربت آنا من راي لتسأله:
" هل أنت بخير الآن؟"

أومأ راي ليجيب:
" و كأنني كنت في حلم مزعج و استيقظت منه"

صعد الصغار لغرفتهم لتتفاجأ لينيريا بدمية جميلة و جرو أبيض صغير على فراشها،
لتركض و تحملهم هاتفة:
" شكرا إيلين!"

لاحظت سارة مائدة كبيرة في الطرف، لها طاولة مستديرة من الشوكولا، و ست كراسي مصنوعة من الزبد، الجبن، الخبز، الكعك، الحلويات و البسكويت على الترتيب.
مع ورقة صغيرة ذهبية كتب فيها:
" هذه هديتك يا سارة"

ركضت سارة لتقفز على الطاولة و تتحسسها بسعادة بينما تقضم منها لتعود مجددا لحالتها الأولى.

سارت إيلين في جنبات الغابة و أشجارها الكثيفة بشرود، لتتأمل الأغصان المورقة و الجذوع الباسقة و الأزهار المتفتحة،
التفتت إيلين للسيد أصفر مخاطبه إياه:
" سنشعر بالوحدة حقا بعد رحيل آريون، و الصغار كذلك، أتمنى أن يكونوا بخير و سعادة أينما حلوا.
هل يمكنك الإطمئنان على جنيات شجرة الياسمين؟"

أومأ الصوص ليقفز من كتفها ليركض بسرعة مبتعدا،
لتذهب إيلين نحو طريق منزلها، قاطعة حقل الأزهار نحو المنخفض،
لتسير ببطء نحو تلك الزهرة الوحيدة و تحيي ماسة،
ابتسمت ماسة لتقول:
" مرحبا إيلين"

" مرحبا بك"
جلست إيلين على الأرض قرب الزهرة الألماسية لتتأملها و تضيف:
" عندما أشعر بالوحدة أو الحزن آتي لهنا، غاردينيا دياموند مميزة و وحيدة كما أنا، تمنح الآخرين الحياة بينما تخفي كل قلق و ألم"

هزت الجنية رأسها لتحلق و تجلس على كتف إيلين قائلة:
" قويتان و مميزتان، لكنكما لستما وحيدتين.
بمجرد رؤية الزهرة و لمسها، أشعر بأن الرجل الأخضر هنا، حين زرعها أول مرة"

نهضت إيلين لتربت على رأس الجنية الصغير برفق ثم تسير مبتعدة،
سارت عبر الأشجار الخضراء لتهب نسمات عليلة تحمل أصوات أغان عذبة لجنيات الأوركيد،
ابتسمت إيلين بحنين لتسير قرب الجدول و تردد معهم بصوتها العذب:
" هل ستذهب إلى سكاربوروفير؟
أزهار، أغضان و زجاج ملون لمعبدنا القديم.
تذكرني عندما يهب النسيم،
ليذكرك بأنك كنت حبي الأزلي.
حين كنت لا أحتاج للكلمات، لأخبرك بأنك صرت حبي الأزلي"

تنهدت إيلين لتراقب جدول المياه الصافي المنساب، لتحلق جنية غاردينيا دياموند عائدة لزهرتها،
أصغت إيلين لحفيف الأوراق الخفيف من خلفها لتلتفت للخلف،
دققت الجنية عينيها بين الوريقات و الغصينات لتلاحظ بصعوبة تلكما العينين الخصراوتين اللتين تحدقان بها من بين الأوراق،
ليأتيها صوت هاديء مخاطبا إياها من خلف الأشجار:
" من أنت؟"

ابتسمت إيلين لتجيب:
" إيلين، ابنة الأرض و سيدة الغابة"
أبعدت خصلات شعرها الذهبية من عينيها لتسأله:
" و أنت؟ "

" الرجل الأخضر، فوستر"

جلس راي مقابلا توماس ليخاطبه مشيرا لصندوق معدني قديم:
" إذا، يا صديقي العزيز توماس،
ها هو المال، عشرون ألف قطعة ذهبية.
هل تصدق أنني سعيد برؤيتك مجددا؟
هل كنت حقا تعتقدني ميتا؟"

ابتسم توماس بتوتر ليبرم شاربه البني و يفتح الصندوق ليعميه لمعان الذهب،
اتسعت ابتسامته ليصافح راي قائلا بسعادة:
" سعيد بعودتك يا صديق!
إذا اتفقنا! المطعم لك."

وقع توماس على الأوراق بسرعة ليسلمها لراي الذي تأملها طويلا،
نهض توماس ليشير لمساعده بأخذ الصندوق ليرفع قبعته محييا الآخر ليخرج بسرعة.

نهض راي ليسلم الأوراق لآنا و يضيف:
" خذيها لمكان آمن، انتهى كل شيء أخيرا.
سأعود للعمل هنا في المدرسة، تعلمين أنني لا أطيق أمور التجارة هذه"

أومأت
آنا مبتسمة ليخرج راي لبهو المطعم و يراقب آدم خلسة، ثم يستغل فرصة التفاتته ليجذبه من عنقه من الخلف،
التفت آدم فزعا لتنجلي أساريره عند رؤية راي ليخاطبه:
" سيدي! لقد جئت للمطعم"

أومأ راي ليضيف:
" لقد ذهب توماس للأبد، لن يعود ليزعجكم مجددا.
و أيضا... لدينا حجرات خالية في المنزل...
لك واحدة و لمونيك واحدة"

اتسعت عينا آدم ليقول:
" لكن نحن ل..."

رفع راي يده ليقاطعه:
" نحن جميعنا عائلة، أنا أعتبركم كذلك، و آنا و والدتها و الصغار، ستحزمان أغراضكما الليلة بدون أي نقاش"

هز آدم رأسه ليشد على يدي راي ممتنا.

في تلك الليلة عندما حل المساء اجتمع الجميع في حديقة المنزل،
دخان الشواء يتصاعد في الهواء بينما آنا تحدث مونيك عن أول لقاء لها مع راي،
جلست لينيريا قرب جدتها تراقب هوكي و هو يركض بفزع من سومي-الجرو الأبيض الصغير- الذي يلاحقه لكل مكان بسعادة،
بينما رفع سوير أصبعيه قرب الجدار ليخاطب سارة:
" هذا أرنب"

نظرت سارة للظل على الحائط لترفع كفها أفقية و تضم السبابة و الوسطى قائلة:
" هذا ذئب يأكل الأرنب!"

رفع سوير يديه نحو الضوء ليضيف بحقد:
" تمساح يأكل الذئب!"

رفعت سارة يديها لتضيف:
" تنين يأكل التمساح!"
" فارس يقتل التنين!"

ابتسمت جورجينا لتقول بانشراح:
" حمدا لله على رؤيتكم مجددا جميعكم،
مجتمعين سالمين سعداء، كل الأقدار و المصائب التي تمر بنا لها حكمة ربانية لا يعلمها سوى القدير.
ما نراه شرا و سوءا لنا في ظاهره، يحمل الكثير من الخير في ثناياه،
إذا، لو لم يذهب الصغار للغابة، لما استعدنا المطعم، و لا عرفنا أن راي حي و لما عاد أبدا،
و لما اجتمعنا هكذا يوما.
لذلك، يجب علينا دائما التحلي بالصبر، و الإيمان"

أومأت آنا و الجميع لتنهض و تقدم عيدان الشواء، لتضع نصيبا لهوكي، و نصيبا لسومي،
تناول سومي نصيبه بشراهة بينما رفع القط الأسود بصره للأعلى، ليهمس للسماء شاكرا على النعم،
متأملا اليوم الذي سيعود فيه فتى بفارغ الصبر.

في تلك الليلة عندما آوى الصغار لأسرتهم ليلا
شاهدوا عبر النافذة شهابا يلتمع بوهج ذهبي،
لتنتشر الأجزاء في السماء كالتبر و تلمع حتى الأفق،
هتف الصغار بسعادة ليقتربوا و يلوحوا من النافذة،
مرسلين تحياتهم للجنية الطيبة في الغابة البعيدة.

☆النهاية☆

⭐️💜⭐️
فصل إضافي: فوستر
•┈┈┈┈•✿❁✿•┈┈┈•


كانت إحدى ليالي الشتاء القارسة، حيث طبقة جليدية ناصعة البياض تغطي كل شيء،
في تلك الغابة البعيدة تعرت الأشجار الوارفة من أوراقها لتكتسي بطبقات الثلج الذي تراكم عليها، بدت الغابة مهجورة؛ فلا كائنات صغيرة استحملت العيش في مكان كذلك، عدا بعضا من الوحوش الكاسرة.

كان يخطو ببطء على الجليد، بالرغم من سيره بوتيرة حذرة ثابتة إلا أن قدميه لم تغوصا في الثلج في كل خطوة كما كان يفترض، و لم تتركا أية آثار.
تأمل الغابة الجليدية بتمعن و حرص، ليقطع مسافة كبيرة في لمحة بصر، حيث وصل لمنخفض أرضي تراكمت عليه الثلوج، قفز بخفة ليهبط و يجيل بصره، ليسير لحافة المنخفض حيث تتسع لتصنع كهفا صغيرا مظلما، ليدخل و يتأمل المكان، ثم يجثو على ركبتيه ليحفر في الثلج بيمناه،
صنع حفرة صغيرة ليخرج من جيبه شيئا يلتمع، كانت حبة ألماسية صغيرة بحجم بذرة عباد الشمس.
وضعها برفق في الحفرة ليقبض يمناه ثم يفردها ليتناثر الرذاذ الذهبي على البذرة الألماسية،
بدأت تتوهج بألوان الطيف ليهيل عليها بقية الثلج و يبتعد ليجلس ملصقا ظهره لطرف الكهف.

مرت عدة دقائق، ليشع الجليد حيثما حفر و يبرز شيء ما خارجه، كان ساقا فضية صغيرة، استمرت في النمو لتتمدد أكثر و تنمو لها ورقتان فضيتان مدببتان، ثم ظهر لها برعم صغير ليخف التوهج رويدا رويدا ثم يختفي.

اقترب من النبته الفضية ليراقبها عن كثب بحبور، صار لها ساق فضي لامع و ورقتان مدببتان من الفضة، و بعض الأشواك الصغيرة المنتشرة على طول الساق بلون الذهب، يعلو قمتها برعم صغير فضي اللون يخفي زهرة صغيرة.
ظهر ضوء خفيف على إحدى الأوراق لتظهر جنية صغيرة جدا نائمة على إحدى الورقتين، بشكل آدمي ضئيل جدا أصغر من اﻷصبع الصغير، فستان فضي لامع و شعر ملون بألوان الطيف السبعة، جناحان صغيران شفافان و وجه صغير حلو.

ابتسم بحنان ليقرب أصبعه الصغير و يلمس الجنية الصغيرة، لتتحرك قليلا ثم تفتح عينيها ببطء، رمشت عدة مرات قبل أن تنهض بتكاسل و تفرك عينيها الصغيرتين بينما ترفرف جناحيها،
لتنظر في الأرجاء بعد عدة دقائق و تلاحظ النبتة التي تجلس على ورقتها، ابتسمت الصغيرة لتعانق الساق بسعادة و تقول:
- مرحبا يا زهرتي! أنت أجمل زهرة، سأعتني بك!

انتبهت الجنية الصغيرة أخيرا لمن كان يراقبها بصمت، لتحلق في الهواء و تصرخ بصوت يشبه الجرس الضئيل :
- ابتعد عن زهرتي! من أنت؟

عبرت ابتسامة بطيئة شفتيه ليجيبها بنبرة هادئة:
- الرجل الأخضر، فوستر.

هبطت الجنية الصغيرة على الورقة بسرعة لتنحني باحترام، ليقرب يمناه منها لتطير و تحط على كفه بتوجس، ابتسم مطمئنا إياها ليردف:
- أنت ماسة، حارسة غاردينيا دياموند.
لا تسمحي لأي كائن بالاقتراب منها أو العبث بها،
لأنها... ستكون قلب هذه الغابة، ستعيد لها الحياة من جديد.

هزت الجنية الصغيرة رأسها لتبتسم بسعادة و تلصق خدها باصبعه قائلة:
- ماسة اسم جميل، غاردينيا دياموند رائعة، سوف أعتني بها دائما.

لتردف بسرعة بينما تتمسك بأصبعه:
- لا تتركني! أرجوك ابق معي! لا أريد أن أكون وحيدة!

ابتسم بلطف ليجيبها:
- كنت سأحب ذلك ماسة، لكن لكل منا عمل يجب القيام به، لا يمكنني الجلوس معك دائما،
لكن أعدك، سأزورك باستمرار.
كما أنك لست وحيدة؛ غاردينيا دياموند معك، تستطيعين سماعها، و فهم ما تقوله، ستخبرك بحكايات كثيرة مشوقة.

أومأت الجنية الصغيرة بحزن ليرفع يسراه فوقها، لتتساقط عليها ذرات ذهبية مضيئة، ابتهجت الجنية لترفع كفيها لتلتقط الرذاذ بسعادة و تخبئه في جيب فستانها، أبعد كفه ليبحث في جيبه و يخرج قطعة خبز صغيرة بيضاء كالحليب، ليقدمها لها و تحملها بجهد،
طارت بها لتخبئها في الثلج قرب الزهرة و تعود مبتسمة، لينهض و يرفع يده محييا إياها،
لوحت الجنية الصغيرة بكلتا يديها لتهتف بصوتها الضئيل:
- سأنتظرك أيها الرجل الأخضر!

ابتعد عن الكهف ليتراجع للخلف ثم يقفز متشبثا بالحافة، ليخرج من المنخفض و يلقي عليه نظره أخيرة ثم يبتعد.

بدأت حرارة الجو بالإنخفاض أكثر، لتتساقط ندف الثلج من السماء كالقطع القطنية،
خرجت أنفاسه حارة كالبخار بينما يسير ببطء في جنبات الغابة المهجورة متأملا الأشجار الجليدية العارية، ليسمع فجأة صوتا خافتا لنحيب بشري.
سحب نفسه بسرعة للاختباء خلف أقرب شجرة كما هي عادته عند اقتراب البشر، ليرهف سمعه منصتا للنحيب الحزين القريب.
بدا صوتا صغيرا، طفلا صغيرا يبكي بحرقة في وسط الغابة المهجورة، ليهب نسيم بارد و يزداد البكاء أكثر.

رق قلبه ليعض شفتيه مفكرا لوهلة، ليتكيء على الجذع الغليظ و يميل رأسه بهدوء لرؤية من يبكي،
كانت فتاة صغيرة، فستانها الزهري القصير كان ممزقا ليظهر ساقين و بشرة بيضاء مليئة بالرضوض و الجروح، بينما تكورت على نفسها لتخفي وجهها بين كفيها تبكي بأسى، كان شعرها الذهبي اللامع قصيرا كثيفا، ينساب على كتفيها ليخفي وجهها و أذنيها تماما.
هبت الرياح لترتجف الصغيرة مجددا، بيد أن فستانها الممزق لم يحمها من الصقيع بالطبع،
لتحرك قدميها الحافيت
ين قليلا لكي لا تتجمدا بيد أنهما صارتا بلون زهري مائل للحمرة،
رفعت الصغيرة رأسها لتبعد كفيها عن وجهها الجميل المليء بالدموع، لتنشج و تفرك يديها معا للحصول على بعض الدفء، لتبحث في جيب كبير في مقدمة فستانها و تخرج بحرص كتكوتا أصفر صغير منفوش الزعب، ابتسمت الفتاة لتقربه من خدها و تهمس:
- سيد أصفر، أنت فقط من تبقى لي.

أصدر الصوص أصواتا تدل على سعادته ليصوصو و يغمض عينيه الكرويتين بينما يلتصق بوجهها الأبيض،
ليتكلم بلسان فصيح و صوت صغير:
- لا تبك يا إيلين، سنكون بخير، الأب فريتز أرادنا أن نذهب للغابة، هنا أفضل لنا من العيش مع أؤلئك القرويين الوحوش... الجو بارد لكن يمكننا العثور على مخبأ،
و سنجد شجرة فيها بعض الفاكهة، سنعيش..
سننجو.

ابتسمت الصغيرة بعذوبة لتجيبه بينما جرت دموعها على خديها:
- شكرا لك يا صديقي، لكن.. لقد تعبت.
الجو بارد هنا، و لا تظهر أية أشجار خضراء في الارجاء، كل ما يوجد هنا هو الذئاب، و ذلك الشبح الأسود الذي يلاحقنا في الليل.

لتضعه على الأرض برفق و تضيف:
- لقد اقترب المساء و ستظلم الغابة، اذهب و اختبيء في أي مكان، سأبقى هنا.

ركض الصوص ليرفرف بجناحيه و يقفز فوق رأسها،
ليقول بصوت عال و نبرة غاضبة:
- لن أذهب لأي مكان! لقد اعتنيني بنا دائما، و كنت تزورين أمي في القن كل يوم إلى أن فقسنا و اعتنيتي بي و بأخوتي،
و عندما هاجمنا الثعلب من طرف الغابة...

توقف الصوص عن الحديث ليردف بنبرة منخفضة و صوت حزين:
- عندما أكل الثعلب أخوتي و قتل أمي.. لقد أنقذتني من فكيه و طردتيه، كنت على وشك الموت فقمتي بمعالجتي بطريقة ما، و ها أنا الآن أفضل من السابق، و أستطيع الحديث أيضا.

ليضيف بحزم بينما ينقر على رأسها:
- لذلك توقفي عن قول الكلام الغبي، لن أذهب لأي مكان و سأكون صديقك و مساعدك دائما، نحن فريق لا يستسلم!

ضحكت إيلين بخفة لنقراته الخفيفة فوق رأسها لتمد يديها المرتجفتين و تحمله، لتقربه لصدرها و تضمه بلطف، لتغمض عينيها و تتكور على نفسها مجددا لتجد بعض الدفء لها و لكتكوتها الصغير.

تنهد فوستر ببطء ليجلس على الأرض بهدوء و يسند رأسه للجذع الغليظ، ليحني رأسه و يلقي نظرة أخرى على الصغيرة التي لا تزال متكورة على نفسها،
ليضع يده على ذقنه مفكرا و يراقب السماء التي بدأت تظلم.
كانت ليلة قارسة الهبوب، تحركت الأغصان اليابسة و كأنها تئن تحت وطأة الرياح لترتجف الصغيرة و تتكور على نفسها أكثر لتدفيء السيد أصفر،
أصغى فوستر سمعه لينهض بهدوء و يخرج قوسا من كنانته خلف ظهره، ليسحب قوسه نحاسي اللون ذا النقوش الذهبية و النقاط البيضاء ليصوبه بحذر نحو الظلام،
ضاقت عيناه الخضراوتان لتلمعا في الظلمة و يطلق السهم لينطلق بصفير سريع، ليسمع صوت صرخة بشعة متألمة في الجهة الأخرى من الغيهب.

تسارعت خطا الرجل الأخضر ليتجاوز الشجرة حيث تجلس الصغيرة و يغيب في الجهة الأخرة من الظلام،
لينحني و يقبض بيمناه الكائن الأسود بقوة، أنهضه مرغما و حدق نحوه بغموض.

كان الكائن بشعا؛ له جسد غليظ أسود مليء بالفراء، و قدمان قويتان تشبهان حوافر الأبقار،
يدان قصيرتان بمخالب حادة كالغراب الأسود، و وجه بشع نحيل يعلوه قرنان مدببان، بدا كالشيطان بل أكثر رعبا.
ابتسم الشيطان ليفتح عينيه الكرويتين لتشعا بلون أبيض، ليتحسس السهم الذي يخترق صدره و يردف بصوت متحشرج بشع:
- فوستر... لماذا تقتلني بعد كل هذا الوقت؟
نحن جنس واحد بعد كل شيء...

ضاقت عينا فوستر أكثر بينما تشعان في الظلام، ليقبض على عنق الشيطان بقوة أكبر و يردف بهدوء:
- يورييغ.. تحدث، ما الذي تريده من هذه الصغيرة؟
من الغريب رؤيتك هنا في نيون، و تسعى خلف فتاة صغيرة عاجزة كهذه.

أطلق الوحش الأسود ضحكة مجلجلة ليفرقع فوستر بأصبعه و يختفيا، ليظهرا في مكان أبعد و يفلت الوحش الأسود ليتهاوى على الأرض،
تحسس يورييغ الدماء السوداء التي تجري من صدره ليجيبه باستحقار:
- من الغريب أيضا رؤيتك تحمل قوسك مجددا بعد الحرب العظمى، حسبتك ستقضي بقية حياتك تجوب الغابات و تعتني بالكائنات الضعيفة...
فقط لو قبلت عرض الملك و اتحدت مع عشيرتنا الأقوى لكنت قد...

لم يسع يورييغ إكمال جملته حتى، لتتحشرج أنفاسه بسبب فوستر الذي دهسه بقدمه على صدره الجريح لينحني و يخاطبه بقسوة:
- ليست هذه هي الإجابة التي أريد، إذا تحدثت قد أتركك تعيش، و لو تفوهت بالهراء مجددا سأقتلك.

ارتعش يورييغ بينما يحدق نحو عيني فوستر و جرحه الذي يزداد نزفا و ألما، ليجيبه آخر الأمر بخنوع:
- إنها.. تلك الصغيرة من عشيرتكم، ابنة... أفيري.

اتسعت عيناه الخضراوتان عند سماع الاسم،
ليبعد قدمه عن يورييغ المتألم و يلمس السهم المنغرز في اللحم ليختفي فجأة،
نهض يورييغ بصعوبة ليشاهد تعابير فوستر المتفاجئة بترقب و حذر،
ليشير له فوستر بيده بمعنى ارحل و يضيف:
- لو اقتربت منها مجددا، ستكون جنيا ميتا.
أخبر رفاقك بذلك أيضا.

لمس يورييغ جرحه ليلتئم بسرعة خاطفة و يخاطب فوستر بحقد و تحد:
- هل أخبر الحاكم
؟

ارتفع حاجباه باستنكار ليجيبه بغضب:
- هل تهددني؟ أنا لا أخاف شيئا.
و لو تطلب الأمر، لن أتردد أبدا في خوض حرب أخرى، ستكون جميع كائنات الغاب و المخلصين معي.
و لو لم يقف أحد معي، سأقتلكم و أقتل حاكمكم القذر بنفسي.
كيف تجرؤون على ملاحقة الصغيرة و أنتم تعلمون من هي؟! أم كنتم تريدون قتلها منذ البداية؟

ارتعد يورييغ ليتراجع للخلف و يتمتم ببعض الشتائم ليتحول لدخان أسود و يختفي،
ليزفر فوستر بضيق و يغمض عينيه بقوة ليسيطر على غضبه،
ليفتحهما بعد دقائق و يبتعد، عائدا أدراجه نحو الشجرة الكبيرة حيث تجلس إيلين الصغيرة متكورة على نفسها بينما تغط في نوم عميق،
اقترب بهدوء ليجلس على الثلج مقابلا لها ليراقبها لعدة دقائق، أنزل القلنسوة الخضراء التي تغطي رأسه، ليخلع ردائه الأخضر القديم الذي يدثره حتى جذعه و يدثرها به، تنهد بأسى ليربت على شعرها الذهبي و يهمس:
- إيلين ابنة إيفري، يا له من قدر جمعنا معا هنا،
ستكونين بأمان، أعدك.

داعبت خيوط الضوء الذهبية وجه إيلين الصغيرة بلطف لتستيقظ و تفتح عينيها ببطء، ابتسمت بسعادة لقضائها ليلة هنيئة و دافئة افتقدتها منذ زمن، لتلاحظ للرداء الأخضر الدافيء الذي يدثرها بعناية و يخبيء قدميها الصغيرتين فيه لتعلو الدهشة ملامحها و تتلفت في الأرجاء، لم تر شيئا عدا الأشجار و الثلج الممتد على مدى البصر، و آثار أقدام تقود لعمق الغابة.
أخفضت رأسها لتبحث و تخرج السيد أصفر من بين طيات ثوبها، لتربت على رأسه و يفتح عينيه بتكاسل ثم يتثائب مهمهما:
- ماذا الآن؟ الصيصان لا يستيقظون باكرا هكذا!

ضحكت إيلين لتطبع قبلة على رأسه و تضعه برفق على الأرض، لتهب واقفة و تحمل الرداء الأخضر بين ذراعيها.
رمقها الصوص باستغراب ليتسائل:
- ما هذا الرداء الأخضر؟ من أعطاه لك؟

هزت إيلين رأسها نافية معرفتها لتضيف:
- لا بد أنه شخص طيب ليعطينا ردائه الدافيء، يجب أن نعيده له و نشكره.

اقترب الصوص لتحمله و تضعه على كتفها ليخاطبها باستنكار:
- لماذا نعيده؟!

- لأنه ليس لنا.

تنهد الصوص ليردف:
- حسنا سنعيده، لكن الجو بارد لذا أقترح أن ترتديه الآن لكي لا تموتي من الصقيع، و يمكننا البحث عن مالكه؛ لكي تشكريه، و نسأله المساعدة و بعض الطعام لأنني أتضور جوعا و في مرحلة نمو أيضا.

ابتسمت الصغيرة لتوميء و ترتدي المعطف الأخضر القديم، لتضع القلنسوة الخضراء الكبيرة على رأسها و تدخل السيد أصفر في جيبها، كان الرداء يصل لنهاية ساقيها ليغمرها الدفء و تبتسم بحبور بينما تتأمل لونه الأخضر الزاهي، لتسير في جنبات الغابة متبعة آثار الأقدام و هي تتأمل رؤية مالكه.

سارت إيلين بينما تبحث بناظريها في أرجاء الغابة لتتعمق في أبعد نقطة بينما تسير على الجليد بصعوبة، لتتوقف و تخرج الصوص من جيبها و تضعه على الأرض، كان السيد أصفر على وشك الصياح بسبب البرودة لتشير له بالصمت و تشير بإصبعها نحو شجرة ذات أغصان عارية يكسوها الثلج،
حيث كان يجلس هناك بصمت على الجليد محدقا نحو السماء الزرقاء.

حملت إيلين السيد أصفر على يديها لتسير ببطء و تقترب من الرجل الذي كان جالسا غير مكترث باقترابها، عند دنوها اتضحت ملامحه أكثر، بدا لها طويل القامة، بينما هي ضئيلة قصيرة تصل قمة رأسها لمحاذاة رأسه و هو جالس،
كان اللون البني يطغى على ملابسه، بنطال بني غامق كجذع الشجرة و حذاء جلدي طويل يكاد يصل لركبتيه، قميص أخضر فاتح بكمين طويلين تتخلله نقوش بنية، حزام جلدي بلون بني أيضا و نقوش بيضاء،
كان لون بشرته قمحيا فاتحا، أسمر مقارنة بلونها الأبيض الشاحب، بشعر بني غامق ينساب على جبهته و تتمرد بعض خصله قرب أذنيه و عينه اليمنى، بينما أغلب الخصلات قد جمعها للخلف برباط.

تنهد ببطء ليخفض بصره من السماء و ينظر نحو إيلين الصغيرة، أتسعت عيناها الزرقاوتان السحريتان لترمش بدهشة بين رموشها الكثيفة عندما التقت عيناها بعينيه الناعستين الخضراوتين، خطي فكه الحاد و أنفه المستقيم،
كان جميلا، شابا، لكن ما أثار دهشة الصغيرة أكثر هو أذناه مدببتا الأطراف، تلك لم تكن آذان بشر بالتأكيد.

ابتسمت إيلين باطمئنان لتهمس:
- الرجل الأخضر.

ارتفع حاجباه دهشة لتضع السيد أصفر على الأرض و تنزل القلنسوة من رأسها، لتضيف بحبور:
- قال الأب فريتز ذات يوم، أن للغابة حارسها و حاميها، و للطبيعة قيمها و راعيها، من يحرس الزهرات الصغيرة و الأشجار العالية، و من يعتني بالحيوانات الضئيلة و الكاسرة.
قال أيضا، أنه لا يظهر للبشر، لكن يمكنني معرفته إذا رأيت عينيه بين أوراق الشجر، بلون أخضر سحري.
و له أذنان مدببتا الأطراف، مثلي.

تكور فمه في ابتسامة صغيرة ليخرج زفرة حارة ظهرت كبخار أبيض في الهواء،
قرب يمناه ليلمس خدها، أغمضت عينيها إثر موجة الدفء التي غمرتها لتبتسم بسعادة، ليزيح خصلات شعرها الذهبي الكثيف للخلف و تظهر أذنها الصغيرة الزهرية، بنهاية مدببة مثله تماما.

سحب يده ليبتسم و يخاطبها:
- اسمي فوستر، و أنت؟

- إيلين.

اقترب الصوص ليحدق نحوه بحقد و يردف:
- ا
سمي السيد أصفر، و لن أسمح لك بأخذ إيلين أو إيذائها أيها الغريب.

ضحكت إيلين لتحمله من الأرض و تخاطبه:
- هذا لا يليق سيد أصفر!

ابتسم فوستر ليرفع حاجبيه و يجيب الصوص مؤكدا:
- سررت بمعرفتك سيد أصفر. لا تقلق؛ أنا لا أنوي إيذائكما بل تقديم المساعدة.

انفرجت أسارير الصوص ليقول بسرعة:
- طعام؟ أريد قطع طماطم صغيرة مقطعة و حبوب الدخن!

انفجر فوستر ضاحكا لتضحك إيلين كذلك، ليرمقهما الصوص باستغراب و يضيف:
- ما الذي يدعو للضحك؟

هزت إيلين رأسها لتتذكر و تضيف بينما تخلع الرداء:
- إنه ردائك، شكرا لك لقد قضينا ليلة دافئة أمسا.

هز رأسه ليربت على كتفها و يقول:
- لا بأس، يمكنك الاحتفاظ به.
الجو قارس، ملابسك لا تدفيء لكن ملابسي دافئة.

ترددت الصغيرة لتوميء و تبتسم بامتنان،
ليضيف بينما ينظر للسماء على البعد:
- عالمنا جميل، لكنه قاس.
بقدر قسوته، يجب أن نصقل أنفسنا و نكون أقوياء.

و من ثم وجه بصره للصغيرة ليردف متسائلا:
- من هو الأب فريتز؟

ظهرت سحابة من الدموع على عينيها الجميلتين لتجيبه بينما تضم الصوص بيديها المرتعشتين:
- إنه.. أبي.
لقد أخبرني أنه عثر علي أمام باب الكوخ عندما كنت رضيعة منذ ست سنوات، و من يومها اعتنى بي و صرت ابنته،
كنا نعيش في القرية القريبة من الغابة،
و قبل وقت ليس بالطويل..
هاجمت الذئاب كوخنا بالليل و ...

جرت الدموع على وجهها لتضيف بنبرة متقطعة:
- لقد... أخرجني عبر النافذة و أخبرني أن أهرب للغابة و لا أعود مجددا للقرية، ثم..
الذئاب أكلته.

أجهشت الصغيرة بالبكاء لتفلت الصوص الصغير ليقفز للأرض، دفنت وجهها بين يديها لتعلو شهقاتها و ارتجافها،
ليلتفت الصوص نحو فوستر و يرمقه بوجه غاضب.

كسى الأسى وجهه ليربت على رأس الصغيرة بلطف، ليسحبها و يعانقها بينما يربت على ظهرها برقة ليخف نحيبها،
اقترب السيد أصفر ليقفز فوق كتفه و يضيف:
- هربنا بعدها و ذهبت إيلين لطلب المساعدة من سكان القرية، لكنهم رفضوا و قالوا أنها ملعونة و منذ مجيئها للقرية تدهورت أحوالهم ثم طردوها،
ذهبنا بعدها للغابة و ها نحن نكمل يومنا الثاني في العراء.

أومأ فوستر بصمت لينهض واقفا بينما يحمل الصغيرة بين ذراعيه، لترفع رأسها و تسأله بصوت مبحوح و وجه محتقن مليء بالدموع:
- كيف سنعيش بعد الأب فريتز؟ لقد أخبرني يوما أن الجنيات تعيش في الغابة، لكن الغابة مكان موحش و مخيف... بعد رحيله لا أحد يحبني أو يرعاني..
هل يمكنك أن تحصل على منزل صغير هنا في مكان آمن من أجلنا و بعض الطعام للسيد أصفر؟

تنهد فوستر ليغمض عينيه بقوة لمرارة اجتاحته فجأة و نبضة مؤلمة في قلبه، ليخفض رأسه و تلمس جبهته جبهة الصغيرة،
همس مجيبا بهدوء:
- سيكون كل شيء على ما يرام، ستعيشان معي،
لن تخافا أو تجوعا مجددا.
إيلين.. لا تبك أرجوك.

شعرت الصغيرة بشرارة ذهبية أمام عينيها عندما لامست جبهته جبهتها لتتسع مقلتاها و تشعر بالتعب و الفراغ فجأة، اختفت جميع ذكرياتها عن موت الأب فريتز و صارت تتذكر فقط حديثه لها بالذهاب للغابة.
أسندت رأسها لصدره، بينما جلس السيد أصفر على كتفه الأيمن بهدوء،
ليسير مبتعدا إلى أن يختفي في عمق الغابة الأزلية.

نظر فوستر للصغيرة بين ذراعيه و الكتكوت على كتفه ليضيق عينيه مفكرا،
حرر ذراعه اليسرى ليحمل الصغيرة بيمناه و يلتقط الصوص من كتفه ليقربه من إيلين و يخاطبها:
- أمسكيه جيدا و أغمضا أعينكما، سنذهب لغابة فاي في مملكة رام، مكان بعيد من هنا، حيث لي منزل... تقريبا.

أومأت إيلين لتخبيء السيد أصفر بحرص بين ذراعيها و تلتصق بفوستر أكثر، ليطوقها بذراعيه جيدا ثم يختفوا في لمحة بصر.

شعرت إيلين الصغيرة بالدوار الشديد لتمسك السيد أصفر بخوف، ليخف شعورها بالدوار و يناهي سمعها صوت فوستر العميق الهاديء:
- لقد وصلنا.

فتحت عينيها بدهشة لترى الغابة الخضراء الكثيفة،
نظرت في الأرجاء لتهتف بسعادة و ذهول:
- هذه ليست الغابة العظمى، أليس كذلك؟

هز رأس ليجيبها باسما:
- لا، إنها غابة فاي، في مملكة رام.
المكان هنا أكثر أمانا، و لا يدخله البشر أو الوحوش الضارية، ستجدين كائنات لطيفة جدا هنا و ستتعلمين الكثير.
ستعودين للغابة العظمى، لكن بعد أن تصيري كبيرة كفاية، و بعد أن تعود لها الحياة مجددا.

أومأت الصغيرة بسعادة لتخرج السيد أصفر و ترفعه ليرى موطنهما الجديد، ليسير فوستر بين الأعشاب الخضراء لتسأله إيلين:
- لماذا لا تهطل الثلوج هنا؟

ابتسم ليجيبها:
- إنه الشتاء، لكن مملكة رام من البلاد الحارة، تنخفض الحرارة قليلا لكنها لا تثلج أبدا.

أومأت الصغيرة متفهمة ليسمعا صوتا ساخرا:
- هل حصلت على ابنة أخيرا يا فوستر؟

توقف فوستر ليدير عينيه و يتنهد، ليخرج المتحدث من خلف شجرة قريبة، كان طويل القامة كذلك، ببشرة بيضاء شاحبة و ملابس زرقاء، شعر دموي ينسدل على كتفيه ليلامس نهاية ظهره بينما خصلة خلف أذنه اليمنى مدببة الطرف، له عينان تركوازيتان ساحرتان تلمعان تحت الضوء.
اقترب أكثر ليتوقف و يحدق بابتسامة نحو إيلين الصغير
ة و الصوص، ليهمس فوستر منزعجا:
- ها قد بدأنا..

ربت الجني ذو الشعر الأحمر على كتف فوستر بقوة ليهتف:
- مبارك! لماذ لم تخبرنا من قبل بحصولك على جنية صغيرة جميلة؟ أين والدتها؟

- إيه؟
أبدت الصغيرة استغرابها ليجيبه فوستر بهدوء:
- إليستون جينيس، إنه ليس وقت المزاح.
ليست ابنتي، إنها ابنة أفيري.

كست الدهشة ملامحه لتتسع عيناه و ينعقد لسانه،
ليضيف فوستر:
- عثرت عليها في الغابة العظمى في نيون، كان يورييغ يسعى خلفها لقتلها.

أومأ أليستون بتفهم ليربت على رأس الصغيرة و يخاطب فوستر:
- خيرا فعلت، من الآمن جلبها معنا هنا لتكون في رعايتنا و تحت حمايتنا.

أومأ فوستر ليضيف أليستون:
- مع من ستمكث؟ أنت مشغول دائما من غابة لغابة و لن تستطيع رعايتها كل الوقت.

تنهد فوستر بينما حول بصره نحو إيلين لتتجمع الدموع في عينيها و تلتصق بصدره قائلة بخوف:
- لا تتركني! لن أعيش معه! انظر كيف شعره مخيف!

انفجر أليستون ضاحكا ليردف بينما يهز رأسه بخيبة أمل:
- عيب عليك يا صغيرة! هل أبدو بشعا لهذه الدرجة؟

ابتسم فوستر ليتنهد باستسلام و يخاطبها مطمئنا إياها:
- حسنا، اتفقنا.
لن تعيشي معه بل معي، سأبذل جهدي لأتواجد بكثرة.
أليستون ليس شريرا؛ إنه أفضل إلف يعلم السحر،
هل تذكرين عندما قمتي بمعالجة الفرخ فصار بصحة جيدة و يتحدث أيضا؟ ذلك هو السحر.

علت الدهشة ملامح الصغيرة لتردف:
- يومها بكيت كثيرا لأنه كان صوصي المفضل، و تمنيت ألا يموت و يكون بصحة جيدة و يتحدث معي،
ثم ظهر ضوء ذهبي و فتح عينيه و تحدث معي.

أومأ أليستون مبتسما ليضيف:
- الأماني و السحر وجهان لعملة واحدة، يمكنني تعليمك أشياء رائعة أكثر من مجرد جعل فرخ يتحدث.

ضاقت عينا الكتكوت ليصرخ:
- أنا لست فرخا أيها الحمقى! أنا السيد أصفر!

أومأت إيلين مبتسمة ليبتسم أليستون و يربت على كتف فوستر قائلا:
- ابذل جهدك، رفيق.

أومأ فوستر ليبتعد و يقطع مساحة واسعة بخطوات سريعة، بينما تتأمل إيلين و السيد أصفر المنازل الأشجار العظيمة التي تحتوي على أبواب تدل أنها منازل،
ليمروا بمجموعة من جنيات الإلف اليافعات،
لاحظن فوستر ليرفعن أيديهن ملوحات ليوميء برأسه و يبتعد بسرعة،
ليصل لنقطة بعيدة لا تحتوي على منازل و لا إلف،
تنهد براحة ليتوقف في سهل فسيح له عشب ناعم و أزهار بيضاء تتراقص مع النسيم، و شجرة دردار عظيمة خضراء ظليلة تجلس على إحدى أغصانها بومة لها ريش بني و رمادي جميل.

انخفض على الأرض لينزل إيلين الصغيرة، لتحدق نحو المكان و يحرك النسيم خصلات شعرها لتبتسم بحنين و تقترب من شجرة الدردار الكبيرة لتلمسها، قفز السيد أصفر لينكت الأرض بمخالبه الصغيرة بسرور و هو يبحث عن الديدان، ليركض و يختبيء خلف إيلين و هو يصرخ مستدكا:
- بومة! النجدة!

حملته إيلين برفق لتخبئه بين يديها، ليضحك فوستر بخفة و يرفع رأسه نحو البومة الناعسة في الغصن،
طارت البومة لتحط على كتفه و تتحدث بصوت هاديء:
- لا تخف أيها الفرخ الجبان، أنا لا آكل لحم الفراخ الصغيرة مثلك.

فتحت إيلين يديها ليظهر السيد أصفر الغاضب ليحدق نحو البومة و تحدق نحوه،
ضحكت إيلين و اقتربت ليجثو فوستر على ركبته اليمنى لتتمكن من رؤية البومة الكبيرة بوضوح،
لتبتسم بلطف و تخاطبها:
- اسمي إيلين، و هذا السيد أصفر.
ما اسمك؟

فتحت البومة عينيها المغلقتين لتجيبها بهمس:
- البومة الناعسة، أيتها الأميرة.

ابتسمت إيلين بحبور للقب الذي حسبته إطراء، ليخاطبها فوستر بابتسامة عذبة:
- لست وحدك من تمنى ألا يموت صديقه العزيز،
أنا أيضا فعلت.

علت الدهشة ملامح الصغيرة لتبتسم بسعادة،
لتضيف البومة الناعسة بصوتها الهامس:
- لن تترك الصغيرة تنام مثلك في العراء، أليس كذلك فوستر؟

نهض فوستر ليضع يده على جبهته مفكرا و يجيب معترفا:
- لا أعلم، أنا أنام على العشب لكنني سأصنع لها فراشا على شجرة الدردار.

حركت البومة رأسها ببطء ليستدير للجهة الأخرى و كأنه مقطوع، لتحدق بحدة نحو السيد أصفر الذي كان ينبش في أجمة زهور صفراء بسعادة بينما يلتقط ديدان الأرض لتزعق بحدة و تخاطبه:
- أيها الفرخ! لا تفسد الأجمة!

ارتعد الصوص الصغير ليهرب مبتعدا و يختبيء خلف إيلين مجددا، لتضحك و تحمله ببن ذراعيها بينما صار زغبه منفوشا كالكرة الصوفية من شدة الخوف،
التفت فوستر للبومة ليخاطبها:
- سأذهب لجلب بعض الفروع اللينة، فلتطعميهما شيئا.

أومأت البومة لتحلق مبتعدة ليبتعد فوستر كذلك،
جلست إيلين على العشب الطري لتبتسم بسعادة و تسند ظهرها لشجرة الدردار لتخاطب صوصها الصغير:
- لقد حصلنا على منزل، و على عائلة جديدة في الغابة سيد أصفر!

أومأ الكتكوت ليردف:
- فوستر هذا طيب ربما، لكن تلك البومة الحقودة لا تريحني أبدا!

اقتربت البومة محلقة تحمل بين مخالبها سلة سعفية تحمل فواكة كثيرة،
لتتهلل أسارير الصوص و يضيف:
- إنها بومة طيبة!

كانت الشمس على وشك المغيب لتهب نسمات الشتاء الباردة و تحرك الورقات و الأغصان، جلست إيلين الصغيرة على العشب تحت شجرة الدردار
تتناول بعض التفاح، ليعود لون وجهها و يتورد خداها الشاحبان مجددا، بينما السيد أصفر مغمض عينيه لينام بعد أن امتلأت كرشه الصغيرة لتتمدد أمامه قليلا،
كان فوستر جالسا قربهما تحت الشجرة يغزل بعض السعف و الأغصان اللينة، اقتربت إيلين لتسأله:
- هذا فراشي؟

أومأ برأسه لتفكر لهنية ثم تضيف:
- لماذا لا تستعمل السحر و تتمنى الحصول على فراش؟ ذلك سيكون أسهل.

ابتسم فوستر ليضع ما في يديه جانبا و يشير لها لتقترب و تجلس قربه،
رفع كفه اليمنى ليتناثر رذاذ ذهبي في الهواء و يلمع كالنجوم، ليصنع أشكالا كثيرة و يتجمع ليشع كالضوء و تظهر زهرة وردية جميلة من فصيلة الروز تطفو في الهواء.
مد يده ليحمل الزهرة و يقدمها لها، لتحملها بسعادة و تضعها خلف أذنها بحرص،
ليجيبها بينما يحدق للسماء التي أظلمت لتكتسي بلون قاتم :
- نحن الإلف وهبنا الإله قدرات أكبر، بإمكاننا استعمال السحر، و تحقيق الأماني مهما صعبت.
البعض منا - و منهم أنا- نستطيع تحقيق حتى الأماني المستحيلة، لكنني أفضل استخدام يدي و مهارتي و بذل جهدي أولا، ثم استعمال السحر لاحقا لو تعقد الأمر، أفضل الأشياء هي التي نتعب من أجلها.

تنهد ليربت على كتف الصغيرة و يضيف:
- عندما تكبرين، و تصيرين شابة يافعة بعد خمسين عاما، ستعودين للغابة العظمى و تكونين سيدة الغابة، ستكون تلك غابتك، غابة إيلين.
كوني طيبة و صبورة، فكري جيدا و لا تتسرعي،
و استخدمي المنطق و الحجة أولا، ثم الأماني و السحر ثانيا.

أومأت الجنية الصغيرة لتحدق نحو السماء حيث ينظر،
ليخفض بصره و يعود ليكمل عمله بينما أضاف:
- هل تعلمين لماذا يعيش الجن في الغابات بينما البشر يعيشون في القرى و المدن؟

هزت الصغيرة رأسها لتقبل نحوه لمعرفة الإجابة، ليقول بصوته الهاديء:
- كل يعيش و يقطن حيث يجد السلام و الأمان.
البشر يعيشون في منازلهم لأنها آمنة، مريحة و لا تشاركهم فيها أي كائنات أخرى، حيث يجدون حريتهم و يحصلون على منافعهم.
بينما نحن نعيش في الغابات البعيدة أو الجبال النائية لأننا ننشد الهدوء و السكينة، بغض النظر عن الحيوانات و الكائنات الأخرى التي نتعايش معها هنا و نتقاسم معها نفس الموطن.
طبيعتنا مختلفة عن طبائع البشر.
بالنسبة لنا، الطبيعة هي أصل السلام و الإطمئنان، في الأشجار الوارفة، الزهرات الندية و السماء المرصعة بالنجوم، و نسعى دائما للحفاظ على ذلك التوازن، بيد أخرى نحن لا نتوافق مع البشر في كثير من الأمور، لو مال البشر لنا سيكون ذلك غالبا بدافع الاستغلال لنا، أو لقتلنا،
و لو جاورناهم و آذونا، قد نؤذيهم و تكون أذيتنا لدرجة لا يستحملونها و سنقتلهم.

أسندت إيلين رأسها للشجرة لتتسائل مستغربة:
- هل يمكن لبشري قتل جني؟

- بالطبع، أنت نفسك لو مكثتي في القرية لقتلك أحد القرويين.
لو التقى ساحر قوي بجني أقل قوة منه سيستطيع هزيمته و ربما قتله أيضا.

ارتعدت الصغيرة و هي تتذكر ما حدث في القرية و كيف طردوها ليضيف فوستر بنبرة غامضة:
- نحن لسنا الأقوى، أحيانا أشياء بسيطة بالنسبة للبشر قد تقتلنا.
الحزن، عندما يحزن الجني كثيرا لدرجة عميقة، فإن قلبه يتوقف و يموت في الحال. ربما ذلك أحد أهم أسباب انعزالنا عن بقية الأنواع.

تكورت الصغيرة مفكرة فيم قاله بعمق، لينهي عمله أخيرا و يربت على شعرها الذهبي مضيفا بندم:
- آسف، ليس من المفترض إخبار جنية صغيرة بكل هذا الحديث الممل المخيف، ربما كان الأحرى بي أن أخبرك بقصة ما لكنني لا أجيد ذلك.

ضحكت إيلين لتهز رأسها و تجيبه:
- إنه ليس حديثا مملا، لقد استمتعت بالاستماع لك،
مثل الأب فريتز، كان يخبرني بالكثير، و يجيب على كل تساؤلاتي بحديثه العذب الذي لا أمل منه أبدا.

- ليباركك الله إيلين، و ينر طريقك دائما.

نهض فوستر ليحمل الشبكة التي صنعها على ظهره و يتسلق شجرة الدردار بخفة، و يعلق الأرجوحة الشبكية التي صنعها على إحدى الأغصان القوية، و يفرش عليها بعض الأعشاب الناعمة و الأقمشة لتصير كالفراش،
نزل هبوطا ليلقي عليها نظرة و يشير مخاطبا إيلين:
- ستنامين هناك مؤقتا، إلى أن أعثر على شيء أفضل..

زمت الصغيرة شفتيها لتتسائل بخوف:
- ألا يمكنني النوم معك في الأسفل؟ المكان أصبح مظلما جدا... و أخشى من قدوم ذلك الشبح الأسود مجددا...

تنهد فوستر بإرهاق ليمسد صدغيه بيمناه و يطرق مفكرا، جلس على أمشاط قدميه ليكون بطول الصغيرة و وضع كفيه على كتفيها، ابتسم ليجيبها:
- لا أمانع نومك معي على الأرض لكن ضميري لن يسمح لي بذلك؛ لأنني معتاد على النوم في أي مكان بينما أنت ما زلت جنية صغيرة كانت تعيش مع البشر الناعمين و تنام في فراش لين، لذلك الأرجوحة الشبكية ستكون أفضل لك.

صمت فوستر لهنية ليشير بسبابته لرأس الصغيرة ثم جهة القلب في الصدر، ليضيف:
- العقل و القلب، هما المصدران الرئيسيان للسعادة أو الشقاء، و طريقة تفكيرك هي ما تحدد مصيرك.

نظرت الصغيرة بعدم فهم ليشير بذراعه نحو الأشجار المظلمة جوارهم و يردف:
- مثلا حين تنظرين لتلك البقعة المظلمة، ما الذي تفكر
ين فيه؟
وحش أسود و ظلال و ذئب، أليس كذلك؟

أومأت إيلين ببطء و هي تحول بصرها للجهة الأخرى بينما كسى الخوف وجهها، ليردف باسما:
- ماذا لو أخبرتك بأن تلك البقعة تحتوي على منازل لجنيات زرع جميلة بأجنحة كالفراشات؟

انفرجت أسارير الصغيرة لتحدق بسعادة نحو تلك البقعة و تهتف باندهاش:
- حقا؟ جنيات صغيرات؟!

أومأ بالإيجاب ليلمس خدها الممتليء و يضيف:
- هل رأيتي؟ عندما تفكرين بشيء سيء و مخيف، حتى لو لم يكن موجودا سيخيل لك عقلك بأنه موجود. بينما لو فكرتي بنظرة جميلة للأشياء، تستطيعين رؤية الخير و الجمال في كل مكان، حتى في الظلام.

كما أنك لست وحيدة؛ معك السيد أصفر، و البومة الناعسة على الغصن قرب فراشك، و أنا هنا تحت الشجرة أحرسك من أي مكروه.

أومأت إيلين باسمة بحبور بينما تنظر للأشجار الداكنة و تستمع للحفيف بين الورقات،
تنهدت بارتياح لتقفز و تتشبث بعنقه بسعادة قائلة:
- أنا أحبك كثيرا سيد فوستر! شكرا لك!

رمشت عيناه دهشة ليبتسم و يربت على رأسها الصغير بيمناه و يجيب بنبرته الهادئة:
- و أنا أحبك أيضا، إيلين الصغيرة.
لكن اسمي ليس سيد، فوستر فقط.

أومأت إيلين لتحمل الصوص و تدخله في جيب فستانها و تحمل الرداء الأخضر بين يديها، تشبثت بظهره بقوة ليتسلق الشجرة الكبيرة بحذر لكي لا يسقط الصغيرة من ظهره، ليصل للغصن الكبير و يمد يده لتمسك بها إيلين و تقف على الغصن الكبير بحرص،
ليحملها و يتدلى بهدوء لينزلها على الأرجوحة الشبكية الكبيرة لتجدها متينة الصنع مريحة، وضعت السيد أصفر النائم على الطرف بحذر لتتأمل فراشها الوثير المبطن بالأقمشة، استلقت لتتدثر بالرداء الأخضر بسعادة ليخاطبها فوستر باستغراب:
- تريدين التدثر بهذا الرداء القديم؟ يمكنني إحضار غطاء أكبر.

هزت رأسها لتجيبه بينما تخبيء رأسها الصغير تحت الرداء:
- إنه دافيء كثيرا، و رائحته مميزة.

ارتفع حاجباه ليجيبها ضاحكا:
- أتمنى ألا تكون رائحة عرق.

- بل أوراق شجر، قرفة و ياسمين و أشياء جميلة!

هتفت الصغيرة بسعادة لينفجر ضاحكا و يوميء معترفا، ليربت على رأسها تحت الغطاء و يهمس:
- فالتلمسي اليعاسيب و النجوم، ترقصي مع الجنيات و تتحدثي مع القمر.

أخرجت الصغيرة رأسها من تحت الرداء لتتسائل باستغراب:
- ما هذا؟

عبرت ابتسامة بطيئة شفتيه ليجيبها:
- عبارة كان يقولها لي شخص ما قبل أن أنام عندما كنت صغيرا، مثل ليلة سعيدة أو ما شابه للبشر.

أومأت باغتباط لتلمع عيناها الزرقاوتان السحريتان و تتسائل:
- هل يمكنني فعل كل ذلك حقا؟

- بالطبع، كل ما تتخيلينه و تؤمنين به بقلب صادق، سيكون حقيقة جلية أمامك يوما ما.
أجابها الرجل الأخضر ليردف:
- فلتنامي الآن، لقد تأخر الوقت.

ترددت الجنية الصغيرة قبل أن تهتف:
- قبلة ما قبل النوم!
كان الأب فريتز يقبلني هنا قبل أن أنام.

أشارت الجنية الصغيرة لجبهتها لتتسع عيناه دهشة ثم يضع يمناه على وجهه ليغطيه محتارا،
راقبته إيلين بترقب لتفتح البومة الناعسة عينيها و تخاطبه بلغة الطير:
- هل ستخبرها أنك تخجل من النظر للآنسات؟ إنها مجرد طفلة و لقد تكفلت بالإعتناء بها، هيا فوستر أنت عجوز على هكذا مشاعر.

انفجر السيد أصفر ضاحكا بقوة ليتضح أنه كان مستيقظا بالفعل، أدارت البومة الناعسة رأسها و رمقته بعينيها المضيئتين الكبيرتين ليختبيء تحت الرداء الأخضر بخوف،
أبعد فوستر يده عن وجهه ليسأل الصغيرة:
- بعدها ستنامين، حسنا؟

أومأت بشدة ليشع وجهها سعادة و يتنهد مستسلما،
ليتدلى بهدوء رأسا على عقب مثبتا نفسه بساقيه على الغصن لكي لا يسقط فوق الأرجوحة الشبكية،
انخفض ببطء ليقترب و تتدلى خصلات شعره البني على جبهة إيلين لتشعر بأنفاسه الدافئة على وجهها، ليقترب أكثر و يطبع قبلة على جبينها ثم يسحب نفسه للأعلى ليبتعد من ذلك الغصن ثم يقفز بخفة على الأرض، قربت الصغيرة الكتكوت الزغبي منها لتعانقه بسعادة غامرة و تدثره بحرص قربها ثم تغمض عينيها باطمئنان بينما الرياح الباردة تحرك لها أرجوحتها الشبكية كالمهد.

كانت السماء مظلمة بالفعل، بينما غط الجميع في نوم عميق تمدد ببطء على العشب الناعم ليراقب السماء الصافية التي تتوهج نجومها،
ليسمع صوت البومة الناعسة تخاطبه:
- صرت والد أحدهم فجأة.

- أظن ذلك.
أجابها لتضيف بينما ترفع بصرها للأعلى:
- لن تراقب النجوم وحيدا بعد الآن.

ابتسم بحبور ليراقب الشهب التي تجري و الكواكب التي تلتمع، ليغمض عينيه متمتعا بنوم هانيء.

┈•❁•┈

سارت إيلين في جنبات الغابة و أشجارها الكثيفة بشرود، لتتأمل الأغصان المورقة و الجذوع الباسقة و الأزهار المتفتحة،
التفتت إيلين للسيد أصفر مخاطبه إياه:
- سنشعر بالوحدة حقا بعد رحيل آريون، و الصغار كذلك، أتمنى أن يكونوا بخير و سعادة أينما حلوا.
هل يمكنك الإطمئنان على جنيات شجرة الياسمين؟

أومأ الصوص ليقفز من كتفها ليركض بسرعة مبتعدا،
لتذهب إيلين نحو طريق منزلها، قاطعة حقل الأزهار نحو المنخفض،
لتسير ببطء نحو تلك الزهرة الوحيدة و تحيي ماسة،
ابتسمت ماسة لتقول
:
- مرحبا إيلين.

- مرحبا بك.
جلست إيلين على الأرض قرب الزهرة الألماسية لتتأملها و تضيف:
- عندما أشعر بالوحدة أو الحزن آتي لهنا، غاردينيا دياموند مميزة و وحيدة كما أنا، تمنح الآخرين الحياة بينما تخفي كل قلق و ألم.

هزت الجنية رأسها لتحلق و تجلس على كتف إيلين قائلة:
- قويتان و مميزتان، لكنكما لستما وحيدتين.
بمجرد رؤية الزهرة و لمسها، أشعر بأن الرجل الأخضر هنا، حين زرعها أول مرة.

نهضت إيلين لتربت على رأس الجنية الصغير برفق ثم تسير مبتعدة،
سارت عبر الأشجار الخضراء لتهب نسمات عليلة تحمل أصوات أغان عذبة لجنيات الأوركيد،
ابتسمت إيلين بحنين لتسير قرب الجدول و تردد معهم بصوتها العذب:
- هل ستذهب إلى سكاربوروفير؟
أزهار، أغضان و زجاج ملون لمعبدنا القديم.
تذكرني عندما يهب النسيم،
ليذكرك بأنك كنت حبي الأزلي.
حين كنت لا أحتاج للكلمات، لأخبرك بأنك صرت حبي الأزلي.*

تنهدت إيلين لتراقب جدول المياه الصافي المنساب، لتحلق جنية غاردينيا دياموند عائدة لزهرتها،
أصغت إيلين لحفيف الأوراق الخفيف من خلفها لتلتفت للخلف،
دققت الجنية عينيها بين الوريقات و الغصينات لتلاحظ بصعوبة تينك العينين الخصراوتين اللتين تحدقان بها من بين الأوراق،
ليأتيها صوت هاديء مخاطبا إياها من خلف الأشجار:
- من أنت؟

ابتسمت إيلين لتجيب:
- إيلين، ابنة الأرض و سيدة الغابة.
أبعدت خصلات شعرها الذهبية عن عينيها لتسأله:
- و أنت؟

- الرجل الأخضر، فوستر.

اتسعت عيناها الزرقاوتان لترمش بعدم تصديق، و تراقب بصمت الأغصان التي تتحرك، ليخرج من بينها بابتسامته اللطيفة و طلته التي عرفتها مذ كانت طفلة.

ترقرقت الدموع في عيني الجنية الجميلة لترفع أطراف فستانها الزهري اللامع الذي تنتشر فيه أزهار تعانق الأرض، لتسرع خطاها نحوه و يفتح ذراعيه ليعانقها بحنان، عانقته بحرارة بينما أغمضت عينيها بامتنان و هي تتنشق رائحته التي افتقدتها منذ سنوات طويلة، أوراق شجر ندية، قرفة و ياسمين.
رفعت رأسها لتلتقي أعينهما، بالرغم من مرور السنوات الطويلة و نموها لتصبح جنية جميلة يافعة لا تزال قمة رأسها في مستوى كتفيه فقط أو أطول قليلا،
حررت نفسها قليلا لتمد ذراعيها النقيتين و تتلمس وجهه الجميل بيديها، بالرغم من مرور أكثر من مئة عام لا تزال ملامحه نضرة كما كانت، صارت عيناه الناعستان أكثر إرهاقا و كأنه لم ينم طويلا، بينما شعيرات قليلة في رأسه استحالت بيضاء، ابتسم ثغرها لتمسك يمناه بسعادة غامرة و تخاطبه:
- فوستر العزيز، ثلاثون عاما مضت منذ آخر زيارة لك، لقد اعتقدت أنك نسيتني.

ابتسم بإرهاق ليتنهد و ينحني ليطبع قبلة على رأسها الذهبي الغزير،
استقام ليكسو القلق ملامحها و تتسائل:
- لم تبدو متعبا؟

هز رأسه نافيا ليجيبها:
- لا شيء يذكر، لقد صرت عجوزا جدا فقط.
كيف حالك، إيلين الصغيرة؟

هزت رأسها غير مقتنعة لتجيبه:
- ألن تخبرني؟

تنهد مستسلما لعينيها السحريتين اللتين حدقتا به بإصرار ليجيب:
- الكثير من العمل أبقاني مشغولا لدرجة أن رأسي بات يؤلمني حينا.
سنعود للديار قريبا، سكاربوروفير. لتزوري معارفك و يطمئنوا عليك.

رمشت الجنية الجميلة بدهشة لتوميء بتفهم و تنظر للسماء الزرقاء مفكرة، لتخفض بصرها و توجهه نحو الأشجار القريبة،
ابتسمت بحبور لتقول:
- يمكنكم الخروج، لا بأس.

ظهر فجأة سرب كبير من جنيات الزرع الصغيرات اللاتي حلقن في الهواء ليملأن الجو،
ارتفع حاجباه مستغربا ليتسائل ضاحكا:
- ما كل هذا؟

ضحكت إيلين بخفة لتمد يديها و يسرع كل من إيريس، روزي، توت، بندق و ماسة بالهبوط على يديها الناعمتين ليحدقوا نحو فوستر بفضول و سعادة،
لتجيبه إيلين بابتسامة:
- لقد حدثت الجميع عنك، و لقد كانوا في شوق لرؤيتك كما أنا كذلك.

أومأ مبتسما ليقرب يمناه و تطير الجنيات الصغيرة و تحط على كفه بسعادة، ليرفع رأسه مخاطبا إيلين:
- لقد سمعت أن صديقك آريون قد رحل، و أن جنية لطيفة تشعر بالوحدة و تفتقدني، لذا تعجلت بالعودة.

كست الحمرة وجنتيها لتبتسم بسعادة و توميء قائلة:
- لقد تمنيت ذلك، و تحققت أمنيتي أخيرا.

ثم استدركت لتضع يديها على خصرها و تضيق عينيها الجميلتين لتردف مهددة:
- لن تختفي هكذا مجددا، هل تعدني؟

انفجر فوستر ضاحكا ليقترب و يمسك يدها ليجيب:
- لن أغيب طويلا مرة أخرى، أعدك بذلك.
فقط أريد أن أنام تحت شجرة كبيرة و لا يوقظني أحد لسبعة أيام، و سأمكث في غابتك الجميلة حتى تملي مني و تطرديني.

انفرجت أساريرها لتضيف مسرورة بينما تسير برفقته:
- لا أحد يجرؤ على طرد سيد الغابات من غابة. سيسعد كالان، ألفين و إيلدون برؤيتك ايضا، لنذهب لهم!

انحنى الإلف الثلاثة باحترام و وجوه مندهشة لرؤية فوستر عند منزلهم برفقة إيلين و عدد هائل من جنيات الزرع الصغيرة، ليقترب و يعانقهم فردا فردا بحرارة،
ابتسم ألفين بفخر ليخاطب زميليه:
- ألم أخبركما أننا سنتعوض بشخص أفضل من آريون؟ انظرا الآن و قد جاءنا الرجل الأخضر بنفسه،
أخبرتكما أنني جني مبارك.

ضحك الإثنان لتتجمع ا
لخراف البيضاء السبعة و يتسلل بيك كثير الفراء ليمضغ شعر إيلدون، اقترب السيد أصفر أيضا لينظر في الأرجاء و يتسائل:
- هل جاءت تلك ال...

أطلق الصوص الصغير صرخة مرتعبة ليركض و يختبيء تحت فستان إيلين الطويل المختال في الأرض،
انخفضت إيلين لتخرجه و تحمله بين يديها برفق لتسأله باستغراب:
- ماذ جرى عزيزي؟

انتبهت إيلين للبومة الكبيرة التي حطت على شجرة قريبة، لتضحك بخفة و تضيف بحماس:
- لقد اجتمعت عائلتنا مجددا!

•┈┈┈┈•✿❁✿•┈┈┈•

تكملة من أخي الصغير:
هاها هذا غداؤنا لحم بومه فاخرجت النبلة ...

-أدركته قبل كتابة المزيد 😂😂-



•┈┈❁
*مقطع من أغنية سكاربوروفير، أغنية شعبية انجليزية.

•┈┈┈┈•✿❁✿•┈┈┈•
تمت
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
بالنسبة لأني لمن بديت القصة لحدي هسي القناة نقصت 57 نفر 😂🌚 شكلو محبي الخيال قليلين جدا هنا
غالبا بحب أكتب قصص خيال و رعب😁 لكن لقدام مخططة لقصة سودانية طويلة ان شاء الله 👍

رايكم بهمني جداً و الله 😄🥺💜 كيف كانت القصة؟ شينة؟ مبتذلة؟ كويسة؟
-آي بحب قصص سيد الخواتم و بحب الصيصان😆🐥-
لقدام ان شاء الله برفعها pdf عشان تكون قرايتها أسهل

دا البوت، مستنية أي رأي 🧚‍♀
@Violets_bot
🇸🇩 لستة القنوات السودانية 🇸🇩

🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺

05k➥ أكاديمية الذكاء الأنثوي

06k➥ سياسي ساخر 😜

03k➥ تطبيقات مدفوعة مجاني🛍
20k➥ أروع الشعر السوداني📃
~~
06k➥ 💭🔬مختبرات طبية 🔬💭
~~
03k➥ تنميه بشريه
~~
03k➥ حكايات سمراء👄
~~
03k➥ 💕 لأنك الله ♥️
~~
02k➥ طق طرق يالبن☕️
~~
02k➥ العَــهْــد ||
~~
02k➥ كلاش اوف كلانش
~~
01k➥ | سكة_فرح
~~
01k➥ احساس
~~
01k➥ عشاق رسائل الغرام🥰
~~
01k➥ سمـراويـــــة
~~
01k➥ ~😍♡ همساات رااقية♡😍~
~~
01k➥ بعـــثرة حــروف💔💘💗
~~
01k➥ الثقافيـــة
~~
01k➥ شباب غير
~~
01k➥ فلوكستين
~~
01k➥ قصص بنفسج 💜
~~
09h➥ Yes l Can •|• 🌸
~~
06h➥ قم ..وقاوم#♡
~~
05h➥ دوبامين💙
~~
05h➥ احاسيس زرزور
~~
02h➥ Free course
~~
01h➥ كن للخير داعيا👳‍♂️
~~
0.0h➥ فرفشآااااآت
~~
0.0h➥ الداعيه ذاكر نايك 👳
~~
01h➥ 10 في الخير
~~
03h➥ FrAh💙
~~
03h➥ قناه المسجد الدعوية
~~
04h➥ رسالة الإسلام
~~
06h➥ سيرتونين
~~
07h➥ 🔥تحدي الشعر في شهر😻🔥
~~
07h➥ أحــلام سجينــة
~~
07h➥ صـدقـة جـارية🌸
~~
08h➥ ٌخوَاطِرَ وَاحُلام
~~
09h➥ Weam Kamal🔈
~~
01k➥ أ̍فــٻۧــﯟنۨ 🎼🖤
~~
01k➥ عشان نتثقف👌 👌
~~
01k➥ كُن ك عابِر لَطيف 💫💕
~~
01k➥ أصول اﻻقتصاد
~~
01k➥ القرآن الكريم 🌸💙
~~
01k➥ لسى في أمل
~~
02k➥ معآ" لّنرتٍقيِ
~~
02k➥ Sudanesereflections
~~
02k➥ اقتباسات_روايات
~~
02k➥ واقفـين قنـا 🤠
~~
02k➥ نبـــض💖 السـودان🇸🇩
~~
03k➥ ګلَأّمَ صٌدِفِّهِ
~~
03k➥ متجر سوليتير♡
~~
03k➥ خواطر راقيـة
~~
04k➥ الامثال السودانية
~~
04k➥ اجمل قناة😍
~~
04k➥ خربشات قلم مجنون
~~
06k➥ كوني انتي😌💕
~~
07k➥ قناة لكل سوداني
~~
08k➥ روايات ، خواطر ❤️🌷
~~
09k➥ حالات وات ساب
~~

Ooمثبتة ساعة الحذف 1ظهرً1 oO
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
2k➥ @Clash_sd 🛡كلاش اوف كلانس

00k➥ @@AlSudani_bot ☜ للاشتراك في اللستة🇸🇩
إتحاد أرونيكا لدعم القنوات

♦️برعاية أرونيكا للدعاية والتسويق

زيادة مضمونة ودعم فردي للقنوات

للقنوات +1k

══🥀══℘══🥀══

🔖F 8 am - T 3 pm 💎 By : Arunika Company

══🥀══℘══🥀══
مهما كنت قريب لأي إنسان و مفتكر انك عارف تفاصيلو كلها ، ف انت برضو ناقص معرفة بيهو ..
اي زول عنده حاجات بتخصه هو براه و ماف زول عارفها غيره و غير ربنا ..
في انهزامات م اتقالت لزول .. و في عبرة بتجينا نص الضحك بنموت بيها برانا ..
و في كلام م اتقال و لا ح يتقال ..
انتو شايفين الصورة ال نحنا عايزنكم تشوفوها ..

أحسنوا الظن ما استطعتم ..
و اللُطف .. فالعالم سيء بما يكفي.
إتحاد أرونيكا لدعم القنوات

♦️برعاية أرونيكا للدعاية والتسويق

زيادة مضمونة ودعم فردي للقنوات

للقنوات +1k

══🥀══℘══🥀══

🔖F 8 am - T 3 pm 💎 By : Arunika Company

══🥀══℘══🥀══
HTML Embed Code:
2024/03/29 06:23:47
Back to Top