TG Telegram Group Link
Channel: "شفَق"
Back to Bottom
فقالت: أطعنا الشوق بعد تجلّدٍ
وشر قلوبِ العاشقين جليدها



علي بن الجهم،
شعره يؤكد معنى:(وإن أحسن ما في الشاعر قلبُه الفصيح.)
من مقدمة المحقق د. فوزي عطوي لديوان "عمر بن أبي ربيعة"، فهو يرى أنه شاعر ذوّاقة لا يكذب ما تراه عيناه من جمال، أو أن يحجبهما عن رؤيته.
وكلام الجمال، كلام أعمق من مجرّد الحديث عن الهيئة أو الصورة المجرّدة، وإن كان لها مزيتها، وأنا أذكر كلامًا بديعًا، قيل لنا في مسألة "الوحدة العضوية في الشعر" ابتدأه معلمٌ لنا بفلسفة الجمال وأنه قائم على مبدأ "التناسق" الذي يدخل في نمط "الإيقاع"، والأهم من ذلك كله أن الروح الفاصلة بين الحيّ والميت تحرر جمالاً كاد أن يجمُد، فتجعله حيًّا يغلي بالحياة، لأن الوظائف التي يؤديها الجسم، أدعى إلى إحيائه، ونمائه، وتفرده، وأن تدركه هو أمر طبعي، لكن أن يكون لك معه ألفة سينقله إلى جمالٍ مخصوصٍ ميّزته أنت دون غيره، ويترقّى الجمال ويصعد ليكون أعمق وأشد تمكينا وتمكّنا، وهذا يذكرني بما كانت تتناقله الغواني من شعر إبراهيم المهدي، وأظنها رويت في أمالي القالي:

لم ينسنيك سرورٌ لا ولا حزن
وكيف لا، كيف يُنسى وجهك الحسن

مازلت مذ كلفت نفسي بحبكم
كلي بكلّك مشغول ومرتهن

نورٌ تجسّم من شمس ومن قمر
حتى تكامل منه الروح والبدن


وعلى خفة الأبيات صوغًا وأسلوبًا، إلا أن معناها حقيقي، وهي: فكرة التكامل
ليت كل صنعة كصنعة المتنبي في بيته من مطلع داليته، لأنها صنعة يقابلها الذكاء والفطنة:

لقد حازني وجدٌ بمن حازه بعد
فياليتني بُعدٌ ويا ليته وجدُ


أسرّ بتجديدِ الهوى ذكرَ ما مضى
وإن كان لا يبقى له الحجرُ الصّلدُ
ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله ﷺ كأن الشمس تجري في وجهه.

سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه.
نعمْ، سرى طيفُ من أهوى فأرقني
والحُـبُّ  يَـعْتَرِضُ  اللَّـذاتِ  بالأَلَـمِ


الآن أدرك لمَ هذا البيت آخذٌ بقلبي، فهذا جوابُ السؤال المبدوء في صدرِ قصيدته:

أمن تذكر جيرانٍ بذي سلم
مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم


لكنه جاء  بعد الإبانة عن حال المحب، دمعه الهامل السرب، وجسمه الملوح، وقلبه الذي تفسأ حجابه، ليقول بعدها "نعم" أنا هذا المولّه، ما خرجتُ من هذا السؤال، أعرض الحال، إلا أن تجد مني جواب تقرير، بل هي أعذبُ طريقةٍ أتى بها ليؤكد أنه يشرف بتلك المحبة، وذلك البذل، وهو يخرج من حالةٍ إلى حالة بتعليق السؤال بالجواب، لينسج لك إنسانًا أخلص روحه وقلبه، أما ألم التذكر فمختلط باللذة التي لم يرد لها أن تكف: «إن المُحبّ عن العذّال في صممِ». كأن "نعم" مكاشفةُ محبٍّ لا يدّعي، لمحبوبٍ حُقّ إليه إخلاص المحبّة.
"شفَق"
فقالت: أطعنا الشوق بعد تجلّدٍ وشر قلوبِ العاشقين جليدها علي بن الجهم، شعره يؤكد معنى:(وإن أحسن ما في الشاعر قلبُه الفصيح.)
النارُ في أحجارها مخبوءةٌ
ليستْ تُرى إن لم تُثرها الأزْنُدُ


-عليّ بن الجهم-
أحيانًا تبحث في الكلام عن مفاصله، محركه، عالمه المقيد ببعضه، ولا تكتفي حتى تبلغ الأسباب، وتكشف عنه الحجاب، فمثلا، لم يعد تكفي غوارب الدمع الغوارق على مرثية البهاء زهير في ابنه، حتى تدرك معها كيف بكي واستبكى معه آخرين، فيكون لدمعك أثره، ولوجدك فيها معنى حقًّا، وإني لرأيت فيها رحلة (كاف الخطاب) مذ أول تجريده من نفسه نفسا يخاطبها:

نهاك عن الغواية ما نهاك
وذقت من الصبابة ما كفاك


ثم يتحوّل إلى خطاب ابنه على صورتين: صورة المعشوق، وهو وهم الهجران، ثم صورته الميتة وهو ما اسميه (الكشف):

وما فارقتني طوعًا ولكن
دهاك من المنية ما دهاك


ثمّ آخره الأسى الذي لا يبلغ مثله مبلغ، حين يتحول هذا الضمير من ابنه، إلى قبر ابنه، فينتهي الخطاب، كأنما الموت أغلق عليه فجيعة كاد يذكيها الأمل، وغاب:

فيا قبر الحبيب وددت أني
حملت ولو على عيني ثراك

سـقاك الـغيث هـتانـا، وإلا
فحسبك من دموعي ما سقاك
«المكانُ إذا لم يكن مكانة لا يعوّلُ عليه.»
من قديم ما قرأت في "جواهر الأدب"، أبياتٌ رقيقةٌ محببة، تُظهِر رقّة "بحر الكامل"، ارتجلها أبو العينين في الرّازي حين دخلت مجلسه حمامةٌ تفرّ من صقر فقصدته مستجيرة:

جاءت سُليمانَ الزمان حمامةٌ
والموتُ يلمعُ من جناحي خاطفِ

من أنبأ الوُرقاء أنّ محلّكم
حرمٌ وأنك ملجأٌ للخائف
البارحة بعد تنعّمنا بليلة قمريّة هانئة، ومشاعر طيّبة نتقاسمها بالضحكات، ونتبادلها بالتهاني والتبريكات، فتحت درج طاولتي القريبة من السرير، فرأيت الرواية التي أقرأها مفتوحة على ما توقفت عليه، وقد بقي منها القليل، أخذت وقرأت ما شاء الله لي، كلما رافقتها، تأكدت أنها أتت في الوقت المناسب، بعد أن حملتها معي منذ زمن، لكن تجاهلتها، بحكم أني لا أتفق مع شخصية المروي عنه، إلا أن عادتي تجعلني لا أنفر ممن يخالفني، على العكس، قد آخذ خصلة توافق الصحة، ويتلقفهما عقلي وقلبي بغير ما أُريد لها.

قلوبنا وأرواحنا وأجسادنا أسفار طويلة في هذه الحياة، وكلما توغلت فيها يتعلم قلبك، وكأنه طوال الوقت في حالة من الدربة والمراس وأخذ الأدوات، سيصل لحالة يتأكد بها أنه فترة من الفترات، وأنه في غربة، ومملوك في صورة مالك، هذا هو صبره، وتلك غربته، وذلك فراقه.
"شفَق"
البارحة بعد تنعّمنا بليلة قمريّة هانئة، ومشاعر طيّبة نتقاسمها بالضحكات، ونتبادلها بالتهاني والتبريكات، فتحت درج طاولتي القريبة من السرير، فرأيت الرواية التي أقرأها مفتوحة على ما توقفت عليه، وقد بقي منها القليل، أخذت وقرأت ما شاء الله لي، كلما رافقتها، تأكدت…
أحيانًا تأخذ المرءَ سكرةُ الحماسة، يمتطي صهوة العمر، ويبرز ما اختصه الله به من نسيان، فتقول له دنياه ساخرة مشفقة: كم أنت لاهث، وعطشانٌ طامع، تعلّم يا بنيّ كيف تتنحّى.

أعتقد مبدأ "التنحّي" من المبادئ المحببة إلي. وهو و"الفناء" عندي سيّان.
«وكل كدرٍ بالتركيب فقلما يصفو، وكل مركّبٍ على الكدر قلّما يعتدل، إلا أن الانحراف متى كان إلى جانب العقل كان أصلحَ من أن يكون إلى طرف الحمق، والكامل عزيز، والبريء من الآفات معدوم، إلا أنّ العليل إذا قيّض اللهُ له طبيبًا حاذقًا رفيقًا ناصحًا كان إلى العافية أقرب، وإلى الشفاء أرحى، ومن العطب أبعد، وبالاحتياط أعلق. فالعاقل إذا عرف من نفسه عيوبًا معدودة، وأخلاقًا مدخولة، استطبّ لها عقلَه، وتطبب فيها بعقله، وتولى تدبيرها برأيه ورأي خلصانه، فنفى ما أمكن نفيه، وأصلح ما قُبِل إصلاحه، وقلل ما استطاع تقليله، فقد يجد الإنسان الرّمص في عينه فينحيه، ويُبتلى بالبَرَص في بدنه فيخفيه.»


-الإمتاع والمؤانسة-
Forwarded from شَادِنْ𓂆
كلام نفيسٌ جدًا، مستحق القراءة، لأبي حيان التوحيدي، وهو في أصله وطبيعته مجموع في قول الحقّ :﴿وتلك الأيامُ نداولها بين النّاس﴾
في النفس المرهفة.. يظل التعبير حبيسَ التأمل، ويظلّ الكلامُ مرهونًا بجميل الصمت . فإذا تحلحل قيد المبهم وكشف عنه حسنُ الفَهم، تجلى بأبهى حللٍ وسلب الألباب، إذْ جلّ  غايتها من صمتها وكتمانها واصطبارها ألَّا يُجرح المعنى.
ما البلاغة؟ ما البلاغة إلا أن توظفها في الحياة، أن تعرف الوضع الذي يقتضيها، دون أن تمسّها بطائف الجفوة، وليست فقط أن تحلل بها نصوصًا غُلّقت مضامينها، نعم، قلت هذا في قلبي، بعد أن نزل كلامها صواعق، فانهمرتُ الليلَ كلّه مع السماء الماطرة، وارتجفتُ الصبحَ كلّه مع غزالٍ هارب في مخطوط، ما البلاغة؟ ما البلاغة إلا أن تتعلّم الإنصاف، أن تقيسه بميزان القلوب، وأن تعرف التكامل بين الجزء والجزء، وألا تصدر الحكم حتى تمهل في النظر والتقليب. ما البلاغة؟ نعم، بالله عليكم.. ما البلاغة؟!
HTML Embed Code:
2024/06/14 07:59:34
Back to Top