TG Telegram Group Link
Channel: واحة التاريخ والحضارة
Back to Bottom
واحة التاريخ والحضارة
Photo
🔸أهم المعارك التي شارك فيها عمر المختار ودوره فيها

لقد شهدت صحراء ليبيا المعارك التي خاضها عمر المختار وسطر عليها بدماء الشهداء أروع آيات العزة والجهاد، لقد كبد المجاهدون المحتلين خسائر لا تحصى في الأرواح والعتاد، وثبتوا أمام عدوهم مع أنهم لا يمتلكون سلاحًا كما يملك عدوهم من السلاح، لقد حارب عمر المختار الطائرة بسيفه حتى امتلك الخوف قلوبهم بمجرد سماع اسم عمر المختار. ومن معاركه التي خاضها مع الطليان المحتلين:
معركة فزان
كانت القيادة الايطالية حريصة على الاستيلاء على فزان فخرجت في أواخر يناير 1928م قوتان.. احدهما من غدامس والأخرى من الجبل الأخضر، وكان الجيش بقيادة غراسياني والتحم المجاهدون مع ذلك الجيش في معركة دامية استمرت خمسة أيام بتمامها، انهزم فيها الطليان شر هزيمة فتقهقروا تاركين ما لديهم من مؤن وذخائر ثم ما لبث أن خرجت قوة أخرى قصدت فزان مباشرة، فعلم المجاهدون بأمرها بعد خروجها بثلاث أيام وانسحبوا إلى الداخل، حتى إذا وصل هذا الجيش الجديد إلى مكان يقع بين جبلين يعرفان بالجبال السود انقض المجاهدون على الطليان وأرغموهم على التقهقر، فعمل قواد الحملة إلى الفرار بسياراتهم تاركين وراءهم الجيش، الذي وقع أكثره في قبضة المجاهدين، فاستأصلوهم عن آخرهم، وعندئذ لم يجد الطليان مناصا من أن يجددوا محاولتهم فخرجت هذه المرة قوات عظيمة من جهات متعددة غير أن الطليان ما لبثوا أن انهزموا في هذه المعارك وتركوا وراءهم غنائم وأسلابًا كثيرة[6].
معركة أم الشافتير (عقيرة الدم)
يقول الأستاذ علي الصلابي عن هذه المعركة ونتائجها لقد استمر المجاهدون في الجبل الأخضر يشنون الهجمات على القوات الإيطالية وحققوا انتصارات رائعة من أشهرها موقعة يوم الرحيبة بتاريخ
28مارس 1927م جنوب شرقي المرج قرب جردس العبيد ووقعت بعد معركة الرحيبة معارك ضارية في بئر الزيتون 10 محرم 1335هـ/ 10 يوليو 1927م، وراس الجلاز 13 محرم 1335هـ/ 13 أكتوبر 1927م.
أراد الإيطاليون أن ينتقمون لقتلاهم في معركة الرحيبة، فشرعت تعد العدة للانتقام لقتلاها الضباط الستة وأعوانهم المرتزقة البالغ عددهم (312) في محاولة لإعادة معنوياتهم المنهارة نتيجة لتلك الهزيمة الساحقة تمّ إعداد الجيوش الجرارة، لتتخذ من الجبل الأخضر قاعدة لها على النحو التالي:
1- الجنرال مازيتي القائد العام للقوات الإيطالية قائدًا لإحدى الفرق فوق الجبل الأخضر 8 يوليو من مراوة: أربع فرق أرترية - فرقة ليبية - أربع فرق - خيالة - بطارية أرترية.
2- الكورنيل اسبيرا إنذائي: 8 يوليو من الجراري (جردس الجراري) أوجردس البراعصة أربع فرق أرترية - فرقة ليبية - بطارية ليبية - فرقة غير نظامية.
3- الكورنيل منتاري: 8 يوليو من خولان - فرقة أرتريا - فرقة غير نظامية.
4- الماجور بولي: 9 يوليو غوط الجمل - فرقة مهما ريستا - فرقة سيارات مصفحة - نصف فرقة ليبلير - فصيلين قناصة على الدبابات.
ويضاف إلى تلك الاستعدادت سلاح الطيران الذي انطلق من قواعده بالمرج ومراوه وسلنطة.
لقد كانت قوات الايطاليين ضخمة مما تدلنا على خوفهم ورهبتهم من قوات المجاهدين.
كان عدد المجاهدين مابين 1500 إلى 2000 مجاهدًا منهم حوالي 25% من سلاح الفرسان ويرفقهم حوالي 12 ألف جمل وما يثقل تحركاتهم من النساء والأطفال والشيوخ والأثاث علمت ايطاليا بواسطة جواسيسها بموقع المجاهدين في عقيرة أم الشفاتير فأرادت أن تحكم الطوق على المجاهدين فزحفت القوات الايطالية نحو العقيرة بعد مسيرة دامت يومين كاملين واستطاعت أن تضرب حصارًا حول المجاهدين من ثلاث جهات، وبقوات جرارة تكونت من حوالي (2000) بغل و5000 جندي، 1000 جمل بالإضافة إلى السيارات المصفحة والناقلة.
علم المجاهدون بذلك وأخذوا يعدون العدة لملاقاة العدو فأعدوا خطة حربية وقاموا بحفر الخنادق حول أطراف المنخفض ليستتر بها المجاهدون وخنادق أخرى لتحتمي بها الأسر من نساء وأطفال وشيوخ، وتم ترتيب المجاهدين على شكل مجموعات حسب انتمائهم القبلي ووضعت أسر كل قبيلة خلف رجالها المقاتلين، وكان قائد تلك المعركة التقي الزاهد الورع الشيخ حسين الجويفي البرعصي وكان عمر المختار من ضمن الموجودين في تلك المعركة.
كان الشيخ حسين الجويفي ممن تجرد للجهاد في سبيل الله وطلب رحمة الله تعالى وكان يقول: (أنا لا أريد قيادة ولا منصبًا بل أريد جهادًا رغبة في ثواب الله تعالى).
كان ذلك الصنديد محل تقدير من قبل إخوانه قال في حقه قائده الأعلى عمر المختار عقب استشهاده: أتذكر حسين الجويفي عند اللقاء مع العدو أو عند قراءة القرآن الكريم وقت الورد.
كما عرف عنه انه لم يبرح فرسه يومًا أثناء المعركة لينال من أسلاب العدو، بل يتركها للمجاهدين لعفته وقناعته بما يملك من أموال ومواشي.
واحة التاريخ والحضارة
Photo
لقد أسندت إليه قيادة المعركة لمعرفته بشعاب ودروب المنطقة التي كان يسكنها مع كونه احد قادة الجهاد، وأحد المستشارين لعمر المختار، وقائمقام البراعصة والدرسة في فترة سابقة، فكان في تلك المعركة فوق جواده يجوب الميمنة والميسرة والقلب وهو عاري الرأس لا يخشى الموت يوزع صناديق الذخيرة على المقاتلين تارة ويطلق عبارات التشجيع مرة أخرى، ويقوم بتحريك جبهات القتال، وتنظيم هجومات المجاهدين، وترتيب صفوفهم.
وسقط الشهداء واشتدت المعركة، وارتفعت درجة حرارة البنادق بسبب استمرار إطلاق العيارات النارية واستعمل المجاهدون الخرق البالية لتقيهم حرارة مواسير البنادق التي لا تطيقها يد المجاهد. وكان بعض المجاهدين يملك بندقيتين يستعمل الواحد مدة ثم يتركها حتى تبرد ويتناول الأخرى.
وخصص القائد حسين فرقة من المجاهدين للتصدي للمصفحات المهاجمة من الجنوب وعددها ثلاثون مصفحة ولعب كومندار طابور المعية المجاهد سعد العبد السوداني دورًا بارزًا وأظهر شجاعة نادرة بأن قاد تلك الفرقة المواجهة للمصفحات الايطالية وتمكن من تدمير أغلبها مع رجاله وانتزع المجاهد رمضان العبيدي العلم الايطالي من على أحد المصفحات، وبدأ الجيش الايطالي في التقهقر ودخل الرعب نفوس ضباطه وجنوده الذين وجدوا فرصة الحياة في الهروب وبالرغم من قصف الطائرات إلا أن الإيمان القوي، واحتساب الأجر عند الله كان دافعًا مهمًّا لدى المجاهدين.
كانت خسائر المجاهدين في الأرواح 200 شهيد من بينهم القائمقام محمد بونجوى المسماري الذي استشهد في اليوم الثالث أثر إصابته بجرح مميت، وكانت له مكانة عظيمة في نفوس المجاهدين ووالد زوجة عمر المختار الذي بكاءه بكاءً حارًا وقال بعد أن سمع باستشهاده (راحوا الكل يا عين الجيران وأصحاب الغلا).
واستشهد كل من جبريل العوامي، وستة من قبيلة العوامة، ومحمد بو معير الدرسي والشلحي الدرسي، ومحمد الصغير البرعصي وفقد المجاهدون في تلك المعركة عددًا كبيرًا من الابل والمواشي وتم حرق بعض الخيام من جراء الغارات الجوية.
ومكث المجاهدون طيلة الليل يدفنون الشهداء وينقلون الجرحى، وقبل بزوغ الفجر رحلوا عن ذلك الموقع، بهدف الإعداد والاستعداد للقاء العدو في موقع جديد من مواقع القتال وأصبحت القوات الإيطالية كما يقول تيروتسي: (أصبحت الآن منهوكة القوى تخور إعياء من شدة المعارك المستمرة منذ فترة طويلة دون توقف...).
نتائج المعركة فيما يلي:
كانت معركة أم الشفاتير بداية نقطة فاصلة في اتباع استراتيجية جديدة عند عمر المختار، وهي ضرورة إعادة تنظيم المجاهدين على هيئة فرق صغيرة، تلتحم مع العدو عند الضرورة، وتشغله في أغلب الأوقات مما يقلل في عدد الشهداء أثناء المعارك ويلحق الخسائر الفادحة بالأعداء وفق التكتيك الجديد لحرب العصابات (اهجم في الوقت المناسب وانسحب عند الضرروة).
لمح عمر المختار بنظره الثاقب ملامح السياسة الفاشستية الجديدة وهي الإبادة والتدمير (للمصالح والرجال)، فاتخذ إجراءات ترحيل النساء والأطفال والشيوخ إلى السلوم لحمايتهم من الغارات الجوية الايطالية، وتيسيرًا لسهولة تحرك المجاهدين وفق ما يتطلبه الموقف الجديد.
كما سُمَحَ لأحد الأخوين بالهجرة للمحافظة على وريث لهما فيما بعد حتى يكون دائمًا هناك من يطالب بحقوقه ويزعج المستعمرين الطليان، وللتعريف بالقضية الليبية بتلك البلدان ونتج عنه فيما بعد تشكيل الجاليات الليبية في الخارج
أيقن الايطاليون أنه لا جدوى من الاستمرار في العمليات العسكرية ضد المجاهدين، مما كان سببًا في توقفها طلية سنة 1928م. لقد تحققت لموسليني ما قاله من قبل: (إننا لا نحارب ذئابًا كما يقول غراتسياني بل نحارب أسودًا يدافعون بشجاعة عن بلادهم..إن أمد الحرب سيكون طويلاً)[7].


📚 واحة التاريخ والحضارة
https://hottg.com/awaren
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
واحة التاريخ والحضارة
Photo
🔸كسرى يطلب العون من ملك الترك وملك الصين

كان كسرى يزدجرد قد أقام معاهدات مع الممالك المحيطة بالدولة الفارسية؛ فأرسل خطابًا إلى ملك الصين، وخطابًا إلى ملك الصُّغْد، وخطابًا إلى ملك الترك؛ أما ملك الروم فكان يعيش في الحروب التي تدور في مملكته، غير الحروب الطاحنة التي كانت بين الفرس والروم مما أثَّر على علاقتهما.

ووصلت رسائله إلى الملوك، فأجابه ملك الترك بإرسال جيش لنجدته، وقد دخل الجيش الإسلامي في بلاد الترك، وكان أول من دخل سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي، فوجدها ملك الترك فرصة ليتحد مع ملك الفرس في حرب ضد الجيش الإسلامي، لعله يستطيع إخراجه من بلاده، وتوجه جيش الترك بالفعل تجاه بلخ.

ووافق ملك الصُّغْد على طلب يزدجرد وأرسل جيشًا لمساعدة كسرى فارس.

رد ملك الصين على رسول كسرى :

أما ملك الصين فكان أحكمَ من ملكي الترك والصغد؛ فقد حاور رسول كسرى، وقد سُجِّلَ هذا الحوارُ؛ لأن كثيرًا ممن سمعوا هذا الحوار قد أسلموا، ويقال: إن رسول يزدجرد نفسه أسلم.
ابتدأ ملك الصين قائلاً للرسول: إن حقًّا على الملوك إنجادُ الملوك على من غلبهم؛ فصِفْ لي هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم، فإني أراك تذكر قلةً منهم وكثرةً منكم، ولا يبلغُ أمثالُ هؤلاء القليل الذين تصف منكم -مع كثرتكم- إلا بخير عندهم وشرٍّ فيكم.

فقال الرسول: سلني عما أحببت. فقال ملك الصين: أيوفون بالعهد؟ قلت: نعم. قال ملك الصين: وما يقولون لكم قبل القتال؟ قال الرسول: يدعوننا إلى واحدة من ثلاث: إما دينهم، فإن أجبنا أجرونا مجراهم، أو الجزية والمنعة، أو المنابذة. ويتضح من أسئلة ملك الصين أنه كان يتابع الحروب الإسلامية، فالحروب تدور رحاها في المملكة المجاورة واستمرت اثني عشر عامًا، فهو يسأل عن أمور محددة يريد أن يستوثق منها من رسول يزدجرد. قال ملك الصين: فكيف طاعتهم أمراءهم؟ قال الرسول: أطوع قوم لمرشدهم. وهذه هي مفاتيح النصر، يجيب بها رسول كسرى على أسئلة ملك الصين.

قال ملك الصين: فما يُحِلُّون وما يحرِّمون؟ فعدَّد عليه الرسول بعض الأمور، وقد أثَّر ما ذكره في ملك الصين، لكن ما يهمّ هو السؤال التالي الذي طرحه ملك الصين على الرسول فقال له: هل يحلون ما حرم عليهم، أو يحرمون ما حلل لهم؟ قال الرسول: لا. قال ملك الصين: فإن هؤلاء القوم لا يزالون على ظَفَر حتى يحلوا حرامهم أو يحرموا حلالهم.

وإذا كنا نعيش في وضع من الضعف والهزائم غير الوضع الذي عاش فيه المسلمون من قبل، فقد يكون ما ذكر ملك الصين هو السبب، والحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها، ولو كان قائلها ملك الصين.

ثم قال ملك الصين: أخبرني عن لباسهم؟ فيشرح له الرسول بساطة ثيابهم. ثم قال ملك الصين: أخبرني عن مطاياهم؟ فقال الرسول: الخيلُ العِرَابُ الأصيلة، ووصفها له، والإبلُ العظيمة ووصفها له.

فكتب ملك الصين إلى يزدجرد: إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجند أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحِقُّ عليَّ، ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولُك لو يطاولون الجبال لهدوها، ولو خلا لهم سربهم أزالوني ما داموا على ما وصف، فسالمهم وارضَ منهم بالمساكنة، ولا تهْجُهُم ما لم يهجوك.

ورفض ملك الصين أن يرسل إليه بمدد ينجده خوفًا من حرب المسلمين.

وحوى هذا الحوار حِكمًا كثيرةً من الممكن أن نستفيد منها فالتاريخ يعيد نفسه، ونحن الآن في وضع يدعونا لاستخراج الحكمة والبحث عنها، والحكمة كاملة في ديننا، وسيتضح هذا الأمر في نهاية الدرس في مقولة لسيدنا عمر بن الخطاب .

https://hottg.com/awaren
🔸الخلافة الأموية في ميزان الإسلام
 
الخلافة الأموية في ميزان الإسلام بين منجزات الدولة الأموية والمثالب التي أخذت على الأمويين، فما حقيقة ذلك؟

لا يعد البحث عن حقيقة التاريخ الأموي ضرورة ثقافية فقط، بل يستمد أهمية تربوية ومعنوية خاصة في ضوء ما نلمسه كبارًا وناشئة من فوارق جمة بين نقاء عهد النبوة وعصر الخلفاء الراشدين -كما تصوره صفحات التاريخ- وشدة الظُلْمَة في عصر الأمويين، كما تصفه تلك الصفحات. 
إن هذه النقلة المفتعلة قُصِدَ منها -إلى حد كبير- تقليص سنوات الأسوة والمجد والوَضَاءَة في التاريخ الإسلامي لأغراض يعرفها من يقدرون دور التاريخ في صياغة الأمم، والدفع بها إلى آفاق أرحب. 
إن قبول التاريخ الأموي -كما يُعرض علينا في جُلِّ كتابات القدماء والمحدثين- يضعنا أمام تساؤلات ملحة تفرضها عدة تناقضات حادة: 
فنحن أمام دولة حققت إنجازات كبرى في مجال الفتوح ونشر الإسلام، وقدمت شخصيات فذة تركت آثارًا ضخمة في ميادين السياسة والحرب والإدارة، واستمرت تقود المسلمين -آنذاك- على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأديانهم وطموحاتهم أكثر من تسعين عامًا في دولة واحدة، امتدت من حدود الصين إلى جنوبي فرنسا.
 غير أن كثيرًا مما وصلنا من تاريخ تلك الدولة لا يتفق مع عظمة منجزاتها سالفة الذكر؛ فقد ذاع عن ذلك العصر أنه كان عصر مؤامرات سياسية، ورِدَّةٍ خُلُقية، واضطراب اجتماعي، وخلل اقتصادي، واستهانة بمقدسات المسلمين.. فتولدت عن ذلك ثورات كثيرة، وسالت دماء غزيرة.. وهو العصر الذي شهد -كما استقر في أذهان كثير من المسلمين- توارث الحكم بعد أن كان شورى، وتبديد أموال الدولة على هوى حكامها بعد أن كانت مصونة.. وهو العصر الذي شهد قتل الحسين t وصلب ابن الزبير -رضي الله عنهما- وضرب الكعبة بالمنجنيق، وانتهاك حرمة المدينة المنورة، وظلم الموالي.
 إلى آخر ما يشيع عن بني أمية، وما أصبح يشكل في وعي الكثيرين صورة عن عصر قاتم.
 أما الإنجازات الكبرى التي سبقت الإشارة إليها، فيثور حولها لغط كبير وغبش وجدال تصعب معه الرؤية الصافية والنظرة المتسقة.
 وبعيدًا عن ذلك التباين والتناقض -غير المبرر- بين المنجزات والمثالب.. كان لزامًا علينا أن نستحضر بعض المسلَّمات الأساسية الواضحة: منها أن تاريخ الدولة الأموية يقع في دائرة خير القرون المشهود لها بذلك من المعصوم r في قوله: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". متفق عليه. ولا يمكن للعقل تصور هذه النقلة الكبيرة التي يتحدث عنها المؤرخون بين صفاء عصر الراشدين وظلام عصر بني أمية، وما كان الثاني إلا امتدادًا طبيعيًّا للأول.. فيه عاش بقية رجاله، ومن تبعهم بإحسان، وصاغوا تاريخه وأمجاده، مع التسليم بوجود فارق لا بد منه بين العصرين.
 كما أن ما خلَّفه الأمويون من آثار تاريخية خالدة -سبق بيان بعضها- لا يمكن أن يصدر عن حقبة تاريخية بكل تلك السوءات التي لا تلبث أن تضخِّمها كثير من كتابات المؤرخين وغيرهم. كما أن التاريخ لا ينفرد بصياغته في عصر ما حفنة من الرجال -ولو كانوا متميزين- على امتداد ذه العقود من الزمان التي عمرتها الدولة، وإنما هو نتاج عوامل شتى تتداخل فيها تأثيرات الزمان والمكان والبشر، وتلعب فيها قوى المجتمع وتكويناته الظاهرة والمستترة دورًا كبيرًا. ومن خلال هذا المنظور ينبغي تفسير التاريخ الأموي، فلا يجوز أن يتحمل حكامه من بني أمية كل أوزاره ومثالبه، ولا أن ترد جميعها إلى صنعهم وتأثيرهم.. تمامًا كما ينبغي ألاَّ يُنسب إليهم وحدهم شرف كل أمجاده ومفاخره.
 إن هذه الحقائق الثابتة تقودنا إلى البداية الطبيعية للحديث عن حقيقة التاريخ الأموي، ألا وهي بحث الظروف التاريخية التي دُوِّن فيها ذلك التاريخ، والعوامل المتعددة التي حكمت ذلك التدوين أو أثرت فيه.. فقد تمت كتابة التاريخ الأموي في العصر العباسي، وفي أجواء معادية لبني أمية، وعلى أيدي رجال تعددت مذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية وولاءاتهم السياسية؛ وقد ترك ذلك كله آثارًا ضخمة على تناولهم لتاريخ هذه الحقبة بالغة الأهمية والحساسية. ومن هنا تأتي أهمية دراسة مصادر ذلك التاريخ، وتحليل موقفها من بني أمية، واتجاهات أصحابها ومؤلفيها

https://hottg.com/awaren
النظام السياسي والإداري للدولة العباسية

أ- الخلافة:

وقد أقام العباسيون دولتهم سنة (132هـ= 749م)، وتولى أول خلفائهم أبو العباس عبدالله بن محمد السلطة بناءً على وصية أخيه إبراهيم الإمام بعد وقوعه في قبضة الأمويين، وقد حكم أبو العباس أربع سنوات، وقبيل وفاته عهد إلى أخيه أبي جعفر المنصور بولاية العهد من بعده، ومن بعد أبي جعفر، عيسى بن موسى، وكتب العهد بهذا وصره في ثوب وختم عليه بخاتمه وخواتم أهل بيته وسلَّمه إلى عيسى بن موسى.
ومن هنا نلاحظ أن الحكم قد بدأ وراثيًّا في عهد الدولة العباسية منذ اللحظة الأولى، واقتصر على أهل البيت العباسي، كما أن أكثر الخلفاء كان يُوصي بولاية العهد إلى أكثر من شخص؛ ممَّا أدَّى إلى صراعات ساعدت على تصدُّع الدولة العباسيَّة.
وحين تولَّى أبو جعفر المنصور الخلافة واجه اعتراضًا من عمِّه عبد الله بن علي الذي رفض مبايعته، ودعا لنفسه بالخلافة مدَّعيًا أنَّه ولي عهد أبي العباس، ممَّا دعا المنصور إلى توجيه جيشٍ له بقيادة أبي مسلم الخراساني تمكَّن من القبض عليه والقضاء على دعوته.
وقد نقل المنصور ولاية العهد من ابن أخيه عيسى بن موسى إلى ابنه محمد، الذي تولى الخلافة بعد أبيه المنصور سنة (158هـ= 775م) ولُقِّب بالخليفة المهدي، واستمرَّ في منصبه حتى تُوفِّي سنة (169هـ= 785م)؛ حيث تولَّى ابنه موسى الملقَّب بالخليفة الهادي، ولم يمكث سوى سنةٍ واحدة في الحكم؛ حيث تولَّى من بعده أخوه هارون الرشيد، ومنذ عهد الرشيد أصبح الصراع السياسي على السلطة إحدى السمات المميِّزة للعصر العباسي الأول، وكان الصراع بين الأمين والمأمون من الأمثلة المعبِّرة عن هذه السمة، وقد انتهى بقتل الأمين وتولية المأمون الخلافة.

ب- الوزارة:

تُعدُّ الوزارة المنصب الثاني بعد الخلافة في الدولة العباسية، وقد قسَّم فقهاء المسلمين الوزارة إلى نوعين:

- وزارة التفويض:

حيث يفوض الخليفة الوزير في تدبير أمور الدولة برأيه واجتهاده، فتكون له السلطة المطلقة في الحكم والتصرف في شئون الدولة.

- وزارة التنفيذ:

حيث يكون الوزير وسيطاً بين الخليفة والرعية والولاة، ومجرد منفذ لأوامر الخليفة.
وقد أحدث العباسيون نظام الوزارة في بداية دولتهم متأثرين في ذلك بالنظم الفارسية، ولم تكن مسئوليات الوزير في بداية الأمر تبعد كثيرًا عن مسئوليات الكاتب، وقد حصر أبو جعفر المنصور مهمة الوزير في التنفيذ وإبداء الرأي والنصح، ولم يكن له وزير دائم، ومن وزرائه: الربيع بن يونس الذي اشتهر باللباقة والذكاء وحسن التدبير والسياسة.
وقد ظهرت شخصية الوزراء إلى حدٍّ كبير في عهد الخليفة المهدى، لما ساد الدولة من هدوء نسبى، ومن هؤلاء الوزراء الأقوياء يعقوب بن داود، ثم صار للوزارة شأن كبير في عهد الرشيد والمأمون لاعتماد الأول على البرامكة، والثاني علي بني سهل، فمُنِحَ يحيى البرمكي وزير الرشيد، والفضل بن سهل وزير المأمون صلاحيات وسلطات واسعة، جعلت نفوذهما يمتد إلى جميع مرافق الدولة، ولكن سرعان ما تم التخلص منهما.

ج- الكتابة:

كانت طبقة الكُتَّاب ذات أهمية كبيرة في الدولة العباسية، وكان الكاتب ذا علم واسع وثقافة عريضة؛ لأنه يقوم بتحرير الرسائل الرسمية والسياسية داخل الدولة وخارجها، كما يتولَّى نشر القرارات والبلاغات والمراسيم بين الناس، ويجلس على منصة القضاء بجوار الخليفة لينظر في الدعاوى والشكاوى ثم يختمها بخاتم الخليفة.
ومن أشهر الكُتَّاب في العصر العباسي الأول يحيى بن خالد بن برمك في عهد الرشيد، والفضل والحسن ابنا سهل، وأحمد بن يوسف في عهد المأمون، ومحمد بن عبدالملك الزيات والحسن بن وهب، وأحمد بن المدبر في عهد المعتصم والواثق.

د- الحجابة:

وهي وظيفة تقوم بمساعدة الحكام في تنظيم الصلة بينهم وبين الرعية، فالحاجب واسطة بين الناس والخليفة، يدرس حوائجهم، ويأذن لهم بالدخول بين يدي الخليفة أو يرفض ذلك إذا كانت الأسباب غير مقنعة؛ وذلك حفاظًا على هيبة الخلافة وتنظيمًا لعرض المسائل حسب أهميتها على الحاكم الأعلى للبلاد.
وقد اقتدى العباسيون بالأمويين في اتخاذ الحُجَّاب، وأسرفوا في منع الناس من المقابلات الرسمية، ولعل هذا هو السبب المباشر في نشأة ما أسماه ابن خلدون"الحجاب الثاني"، فكان بين الناس والخليفة حاجزان عبارة عن دارين، أحدهما يُسمَّى دار الخاصة والآخر دار العامة، وكان الخليفة يقابل كل طائفة حسب حالتها وظروفها في إحدى هاتين الدارين تبعًا لإرادة الحُجَّاب على أبوابها.

هـ- ولاية الأقاليم:

المقصود بالأقاليم: المناطق التي تتكون منها الدولة. وقد كان النظام الإداري في الدولة العباسية نظامًا مركزيا؛ حيث صار الولاة على الأقاليم مجرد عمال للخليفة، على عكس ما كانوا عليه في الدولة الأموية.
وقد قسم العباسيون الولاية على الأقاليم إلى قسمين، وخصوصًا في عهد الرشيد، الأول: الولاية الكبرى، وهي التي تكون لأحد أبناء الخليفة أو شخص مقرب من الخليفة؛ حيث يتولى هذا الوالي عدة أقاليم في الدولة ويقوم بتصريف أمورها من العاصمة، أو من أحد تلك الأقاليم بعد الرجوع إلى الخليفة، ويرسل إليها ما يشاء من الولاة. الثانى: الولاية الكاملة، حيث يتمتع الوالي ببعض السلطات التي توسع دائرة نفوذه، مثل النظر في الأحكام وجباية الضرائب والخراج وحماية الأمن وإمامة الصلاة وتسيير الجيوش للغزو.

و- الدواوين:

ظهرت الدواوين في الدولة الإسلامية، كبقية المؤسسات الإدارية، نتيجة لاحتياج المسلمين إليها، وقد جعل ابن خلدون وجود الديوان من الأمور اللازمة للملك. وللديوان أهمية كبرى فيما يتعلق بأموال الدولة وحقوقها وحصر جنودها ومرتباتهم، ويرجع الفضل في تنظيم الدواوين في العصر العباسي إلى خالد بن برمك.
وقد اهتم الخلفاء العباسيون بالدواوين؛ فكثرت اختصاصاتها وتنوعت بسبب التعاون الوثيق بين العباسيين والفرس، فقد أخذ العباسيون الخبرة الفارسية في مجال الإدارة، كما احتفظوا ببعض تنظيمات الدولة الأموية، خصوصًا في الدواوين والدوائر الرسمية، كما استحدثوا بعض الدواوين كديوان المصادرات، وديوان الأزمّة (المحاسبة) وديوان المظالم، وغيرها.

ز- القضاء:

وهو من الوظائف المهمة في الدولة الإسلامية، ويقوم على المحافظة على حقوق الرعية وإقرار العدل والإنصاف بين جميع الطبقات، وحماية الأخلاق العامة، مستمِدا أحكامه من الكتاب والسنة. ونظرًا إلى أهميَّة منصب القضاء، فقد وضع العلماء المواصفات التي يجب توافرها في القاضي، ومنها: أن يكون رجلاً قوياً عاقلاً حرًا مسلمًا عادلاً، ويتمتع بالسلامة في السمع والبصر، وأن يكون عالمًا بأحكام الشريعة.
وقد حظي القضاة في العصر العباسي الأول بالتبجيل والاحترام، وكان تعيينهم وعزلهم يتم بأمر الخليفة، وأول من فعل ذلك الخليفة المنصور، فقد عين قضاة البلاد بأمره سنة (136هـ / 753م). وقد استقرت المذاهب الفقهية في عهد الدولة العباسية، وتحددت مهام القضاة وكيفية الإجراء القضائى، وتوحد القانون، وأصبحت جلسات القاضي علنية في المسجد وخصوصًا في عهد المأمون.
كما اهتم خلفاء العباسيين بالتثبت من الأحكام، فعيَّنوا جماعة من المُزَكِّين، وظيفتهم تتبع أحوال الشهود، فإذا طعن الخصم في شهادة أحد الشهود سُئل عنه المزكى. كما اهتموا بأحوال القضاة المادية حتى يعيشوا في يسر ورخاء. وقد تطور القضاء بصورة ملحوظة في العصر العباسي الأول، وظهر منصب قاضي القضاة، وكان يقيم في عاصمة الدولة، ويقوم بتعيين القضاة في الأقاليم والبلاد المختلفة، وأول من لقب قاضي القضاة أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، صاحب كتاب الخراج، في عهد الرشيد.

📚 واحة التاريخ والحضارة
https://hottg.com/awaren
واحة التاريخ والحضارة
Photo
🔸 الدول المستقلة عن الخلافة العباسية

▪️دولة الأدارسة

تُعَدّ دولة الأدارسة أول دولة علوية هاشمية تقوم في التاريخ الإسلامي. وتعود نسبتها إلى مؤسسها إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي هرب مع مولاه راشد إلى مصر ثم إلى المغرب الأقصى بعيدًا عن أيدي العباسيين؛ وذلك بعدما تمكّن العباسيون من القضاء على ثورة الحسين بن علي بن الحسن في معركة فخ.

وبعد أن استقر إدريس في وَلِيلَى المغربية، اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة "أوربة" البربرية. وقد خلع إسحاق بن عبد الحميد طاعة بني العباس حيث كان من ولاتهم، وتنازل لإدريس عن الحكم، وذلك بعد تعرُّفه على نسب إدريس وقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه وأخلاقه وعلمه.

استقرت الأمور لإدريس بن عبد الله، ودانت له معظم قبائل البربر، وبدأ يطمح إلى مدِّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي تعترف بحكمه، ونشر الإسلام بين القبائل التي لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية، فدخل كثيرٌ من أهل هذه البلاد الإسلام.

وبعد وفاة إدريس بن عبد الله مسمومًا، تولى الحكم مولاه راشد وصيًّا على ابنه إدريس الثاني الذي كان جنينًا في بطن أمه، فلما قُتِلَ راشد كفل إدريسَ أبو خالد يزيد بن إلياس العبدي -أحد شيوخ البربر- حتى كَبُر إدريس، واستقل بالحكم بنفسه في سنة 192هـ/ 808م.
بنى إدريس بن إدريس عاصمة جديدة لدولته سميت (فاس)، وتوسع في فتوحاته، وضمالمغرب الأوسط (الجزائر)، وسعى للقضاء على نفوذ الخوارج، ووصلتالدولة إلى قمتها في عهده. وحكم بعده ثمانية من الأدارسة، كان أعظمهم قوة وأعلاهم قدرًايحيى الرابع بنإدريس بن عمر، الذي امتد ملكه إلى جميع بلاد المغربالأقصى.

أخذ الضعف يتسرب إلى هذه الدولة في عهد خلفاء إدريس الثاني؛ وذلك بسبب تشرذم الدولة وتقسيمها بين الأبناء من ناحية، وبسبب القتال بين أبناء إدريس والخوارج من ناحية أخرى. ومن ثَمَّ عاشت دولة الأدارسة في فوضى واضطراب، وساءت الحالة الاقتصادية والاجتماعية للدولة؛ مما أدى إلى استعادة الخوارج لنفوذهم، وعملوا على تقويض الدولة.
وأخيرًا جاءت الضربة القاضية على يد الدولة العبيدية (الفاطمية) والدولة الأموية الأندلسية، لتغلق الستار على دولة الأدارسة التي استمرت نحو قرنين من الزمان.

وبالجملة فدولة الأدارسة ساعدت في تعريب المغرب، وقامت بنشر الإسلام في غرب إفريقيا، وتثبيت البربر على الإسلام، وحاربت الخوارج وأفكارهم.

دولة الأدارسة.. أول دولة علوية هاشمية

دولة الأدارسةسميت الدولة بالأدارسة نسبة إلى مؤسسها إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
قامت بالمغرب الأقصى، ومذهبها هو الزيدية أقرب مذاهب الشيعة إلى أهل السنة1.
أما الدكتور/ حسين مؤنس فيرى أنها دولة سنية حيث يقول: "من الأخطاء الشائعة القول بأن دولة الأدارسة دولة شيعية؛ لأن مؤسسيها وأمراءها كانوا من آل البيت، والحقيقة أن الأدارسة رغم علويتهم لم يكونوا شيعيين، بل لم يكن أحد من رجال دولة الأدارسة أو أتباعهم شيعيًا فقد كانوا سنيين، لا يعرفون الآراء الشيعية التي شاعت على أيام الفاطميين، ولم يعرفوا في بلادهم غير الفقه السني المالكي، ومن البديهي أن آل البيت لا يمكن أن يكونوا شيعة لأحد، أما الشيعة فهم أنصارهم، والوصف الصحيح لهذه الدولة هو أنها كانت دولة علوية هاشمية، وهي أول تجربة نجح فيها أهل البيت في إقامة دولة لأنفسهم"2.

فلم تنقطع ثورات العلويين بعد تولي أبناء عمومتهم العباسيين الخلافة، وإعلانهم أنهم أحق بها منهم، وقابل العباسيون ثورات أبناء العمومة بكل شدة وقسوة، ونجح أبو جعفر المنصور في القضاء على ثورة "محمد النفس الزكية"، واستشهاده سنة (145هـ = 762م)، ولم تكن ثورة أخيه إبراهيم أفضل حالاً من ثورته، فلقي مصرعه في السنة نفسها، واطمأن أبو جعفر المنصور على سلطانه، واستتب له الأمر3.

معركة فخ بالقرب من مكة

وبعد فشل هاتين الثورتين قامت حركات لبعض العلويين في اليمن وخراسان، لكنها لم تلقَ نجاحًا، وأصابها ما أصاب سالفاتها، وعاش من بقي من آل البيت العلوي في هدوء، وربما استخفوا حتى يتمكنوا من إعداد العُدَّة للخروج وهم مكتملو القوة والعدد، وظلت الأمور على هذا النحو من التربص والانتظار حتى حدث نزاع صغير بين والي المدينة المنورة وبعض رجال من آل البيت أساء التعامل معهم، وأهانهم وأغلظ القول لهم، فحرك ذلك مكامن الثورة في نفوسهم، وأشعل الحمية في قلوبهم، فثار العلويون في المدينة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن، وانتقلت الثورة إلى مكة بعد أن أعلن الحسين البيعة لنفسه، وأقبل الناس عليه يبايعونه.

ولما انتهى خبر هذه الثورة إلى الخليفة العباسي موسى الهادي، أرسل جيشًا على وجه السرعة للقضاء على الثورة، قبل أن يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى؛ فيعجز عن إيقافها، فتحرك الجيش العباسي إلى مكة، والتقى بالثائرين في (8 من ذي الحجة 169هـ =11 من يونيو 786م) في معركة عند مكان يسمى "فخ" يبعد عن مكة بثلاثة أميال، وانتهت
واحة التاريخ والحضارة
Photo
المعركة بهزيمة جيش الحسين، ومقتله هو وجماعة من أصحابه.

نجاة إدريس بن عبد الله: أثار دولة الأدارسة

وكان ممن نجا من قادة الثائرين في هذه المعركة "إدريس بن عبد الله بن الحسن"، الذي اتجه إلى مصر ومعه خادمه راشد، وظل أمرهما مجهولاً حتى بلغا مصر مستخفيْن في موكب الحجيج، ولم يكن اختفاؤهما أمرًا سهلاً؛ فعيون الخلافة العباسية تتبعهما وتقتفي أثرهما، ولم تكن لتهدأ وتطمئن قبل أن تعثر على إدريس بن عبد الله حيًا أو ميتًا، لكنهما نجحا في التحرك والتخفي؛ لا لمهارتهما في ذلك، ولكن لحب الناس آل البيت، وتقديم يد العون والمساعدة لهما.

ومن مصر خرج إدريس وخادمه "راشد" إلى بلاد المغرب، ويقال: إن هذا الخادم كان بربريَّ الأصل، وساعدهما على الخروج من مصر عامل البريد بها؛ فقد كان متشيعًا لآل البيت، فلما علم بوجودهما في مصر قدم إليهما في الموضع الذي يستخفيان به، وحملهما على البريد المتجه إلى المغرب. وتذهب روايات تاريخية إلى أن الذي أعان إدريس على الفرار من مصر هو "علي بن سليمان الهاشمي" والي مصر، وأيًا ما كان الأمر فإن إدريس لقي دعمًا ومساعدة لتمكينه من الخروج من مصر، سواءً كان ذلك بعون من والي مصر أو من عامل البريد.

وبعد أن وصل إدريس بن عبد الله إلى برقة تخفى في زي خشن، يظهر فيه بمظهر غلام يخدم سيده "راشد"، ثم سلكا طريقًا بعيدًا عن طريق إفريقية إمعانًا في التخفِّي، وخوفًا من أن يلتقي بهما أحد من عيون الدولة العباسية التي اشتدت في طلبهما، حتى وصلا إلى تلمسان سنة (170هـ= 786م)، وأقاما بها عدة أيام طلبًا للراحة، ثم استأنفا سيرهما نحو الغرب، فعبرا "وادي ملوية"، ودخلا بلاد السوس الأدنى، حيث أقاما بعض الوقت في "طنجة" التي كانت يومئذ أعظم مدن المغرب الأقصى، ثم واصلا سيرهما إلى مدينة "وليلي"، وهي بالقرب من مدينة مكناس المغربية، واستقرا بها بعد رحلة شاقة استغرقت حوالي عامين.

وبعد أن استقر إدريس في وليلي (قصر فرعون حاليًا) اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة "أوربة" البربرية، صاحبة النفوذ والسيطرة في "وليلي"؛ فلمَّا اطمأنَّ إليه إدريس عرَّفه بنسبه، وأعلمه بفراره من موطنه؛ نجاةً بنفسه من بطش العباسيين، وقد رحَّب إسحاق بضيفه الكبير، وأنزله معه داره، وتولَّى خدمته والقيام بشأنه شهورًا عديدة، حتى إذا حلَّ شهر رمضان من السنة نفسها جمع إسحاق بن محمد إخوته وزعماء قبيلة أوربة، وعرَّفهم بنسب إدريس وبفضله وقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه وأخلاقه وعلمه؛ فرحبوا جميعًا به، وأعربوا عن تقديرهم له، وبايعوه بالخلافة في (14 من رمضان 172هـ=15 من فبراير 788م)، وبعد ذلك خلع "إسحاق بن عبد الحميد" طاعة بني العباس حيث كان من ولاتهم، وتنازل لإدريس عن الحكم.

وتبع ذلك الدعوة لإدريس بين القبائل المحيطة؛ فدخلت في دعوته قبائل: زناتة، وزواغة، وزوارة، ولماية، وسراته، وغياشة، ومكناسة، وغمارة، وبايعته على السمع والطاعة، واعترفت بسلطانه، وقصده الناس من كل مكان.
استقرت الأمور لإدريس بن عبد الله، ورَسُخَت أقدامه بانضمام كل هذه القبائل إلى دعوته، ودانت له معظم قبائل البربر، وبدأ يطمح إلى مدِّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي تعترف بحكمه، ونشر الإسلام بين القبائل التي لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية، فأعدَّ جيشًا كبيرًا زحف به نحو مدينة "شالة" قبالة مدينة الرباط، ففتحها، ثم تحول إلى كل بلاد "تامسنا" فأخضعها، وأتبع ذلك بإخضاع إقليم "تاولا"، وفتح حصونه وقلاعه، ودخل كثيرٌ من أهل هذه البلاد الإسلام، ثم عاد إلى "وليلي" للراحة والاستجمام في (آخر ذي الحجة 172هـ= مايو 789م)، ثم عاود حملته الظافرة عازمًا على دعوة من بقي من قبائل البربر إلى الإسلام، ونجح في إخضاع قبائل: قندلاوة ومديونة وبهلولة وغيرها من القبائل البربرية التي كانت متحصنة بالجبال والحصون المنيعة، ثم رجع إلى وليلي في (15 من جمادى الآخرة 173هـ=10 من أكتوبر 789م).

https://hottg.com/awaren
🔸 الباطنية..المنهاج والتاريخ

ازدهرت الحركات الباطنية نتيجةً للمذهبية والركود اللذين ضربا الفكر الإسلامي السُّني ومؤسساته، ونتيجةً للمظالم الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تمارسها السلطات القائمة وقتئذٍ.
وكان المناخ مناسبًا لهذه الحركات لتنفث سمومها في عصر ضعف الخلافة العباسية؛ حيث سقطت هيبة المسلمين، واستشرت الأدواء الفكرية الخبيثة لهذه الحركات السرية الهدامة، وتعرَّض سلاطين المسلمين ووزراؤهم وقادتهم العسكريون وعلماؤهم للاغتيال وهم على أسرَّتهم، إلى غير ذلك من الظواهر المفجعة التي امتلأت بها كتب التاريخ قاطبة، وكانت أكبر عوامل نجاح الحملات الصليبية والمغولية.
وجدير بالذكر أن الفكر الباطني في الأصل هو حَلْقة في سلسلة المحاولات التي قامت بها سلالات الأرستقراطيات الفارسية التي فقدت امتيازاتها بانهيار حكم الأكاسرة، وهي ترمي إلى استعادة ذلك المجد الغابر.
ولتحقيق هذا الهدف لجأتْ إلى أساليب وشعارات جديدة، تتفق مع المنعطف العقائدي والحضاري الذي تحوَّل إليه الشعب الفارسي بعد الفتوحات الإسلامية، وهذه الأساليب الجديدة تتجلى في الشعوبية والباطنية والتشيُّع الغالي، وإحياء اللغة الفارسية.
على أن بداية ظهور الفكر الباطني كانت في القرن الثاني الهجري، ثم نشطت الحركات الباطنية في القرن الرابع الهجري وما تلاه؛ حيث ضمَّت بين صفوفها جماعات مختلفة، يجمعها هدف مشترك؛ هو إفساد العقيدة الإسلامية وتدمير المؤسسات العلمية والحكومية السُّنية التي تمثل هذه العقيدة؛ فقد ضمَّت فلاسفة ومفكرين كإخوان الصفا، وشعراء كأبي العلاء المعري، وعلماء كأبي حيان التوحيدي وابن سينا. كما أفرزت دولاً كالعبيديين والصفويين، وحركات كالقرامطة والحشاشين.
ولا نبالغ حين نقول بأن من الفرق الخطيرة جدًّا التي ابتليت بها الأمة الإسلامية عبر تاريخها المديد وإلى يوم الناس هذا -إن لم تكن هي أخطر الفرق على الإطلاق- الفرق الباطنية بمختلف أطيافها.
ولا نشك لحظة واحدة بأن هذه الطوائف الخارجة عن الدين وتحمل فكرًا متناقضًا مضطربًا هدامًا، هي طوائف مخذولة وفئات مرذولة، وهي مأوى لكل من أراد هدم الإسلام، بل كانت في بعض مراحل التاريخ الإسلامي عونًا للصليبيين والوثنيين التتار الذين جاءوا لغزو المسلمين في عُقر دارهم.
والمعروف عن الفرق الباطنية تدبير المؤامرات وتهييج الفتن وحَبْك الدسائس في طول البلاد وعرضها، وقد ابتلي أهل السُّنة خاصة بها بلاءً عظيمًا، وكانت أفكارها وأفعالها عبر التاريخ الإسلامي شاهدة على زيغها وضلالها وسوء اعتقادها، وأسست دولاً في المغرب والمشرق الإسلاميَّين سامت خلالها المسلمين صنوف الاضطهاد والتنكيل؛ بفرض الأفكار الدخيلة والبدع عليهم وتفضيل النصارى، ومصادرة أموالهم، واستباحة دمائهم، كدولة العبيديين في بلاد المغرب والدولة الصفوية في بلاد فارس.
كما قامت حركتا (القرامطة والحشاشين) بكثير من الغارات وأعمال السلب والنهب وترويع الآمنين وقتل الأبرياء، وظهرت من بين هذه الفرق جماعة إخوان الصفا التي لبست لَبُوس العلم لخداع الناشئة وعوام المسلمين والتلبيس عليهم، فنشرت بينهم الفكر الوثني الفلسفي باسم الحكمة.
وفي العصر الحديث برزت كيانات سياسية من هذه الفرق كالنصيرية والدروز، مكَّن لها الاستعمار الغربي واستعملها كوسيلة لإضعاف كيان الإسلام من الداخل، وعرقلة جهود المسلمين في الوحدة والبناء والتنمية.
وعندما نمعن النظر في أسلوب عمل هذه الفرق جميعًا، نلاحظ أن القواسم المشتركة بينها كثيرة، ومقاطع الاتفاق بينها جلية، كأنها تسير على منهاج واحد.
خصائص منهاج الفرق الباطنية:
- السرية والتكتم في حالة الاستضعاف، وعند الظهور والغلبة ينادون بآرائهم جهارًا، ويعلنون ما كانوا يخفون. كما كان المستجيب لهم المنضوي تحت لوائهم لا يعرف شيئًا عن الدرجة التي تلي درجته، ولا يعرف أصحابَ الرتب الأخرى في الدعوة.
- الاستدراج والحيلة: فهم يُظهرون الإسلام، وحبَّ آل البيت، والعفاف والتقشف، وترك الدنيا، والإعراض عن الشهوات؛ وذلك لاستمالة الناس إليهم. ويخاطبون كل فريق بما يوافق رأيه بعد أن يظفروا منه بالانقياد والموالاة لهم. ويتوسل دعاتهم بوسائل وحيل كثيرة لاصطياد الأتباع، وهي: التفرس، والتأنيس، والتشكيك، والتعليق، والربط، والتدليس، والتلبيس، والخلع، والسلخ.
- انتهاز الفرص: وذلك باستغلال ظروف الناس المعيشية المتدنية، وعواطفهم الملتهبة للإصلاح، برفع شعارات براقة، واتخاذ الدين مطية لبلوغ أهدافهم.
- التلبيس على العوام: بطرح أسئلة محيرة عليهم، ثم إشعارهم بأنهم في حاجة إلى التسليم وقبول كلِّ ما يعرض عليهم؛ لأنهم كالطفل يغذى باللبن، ثم بعد ذلك بما أقوى منه.
- التدرج والمرحلية: باعتماد أسلوب التدرج في بث الفكرة والتلطف في عرضها على الناس؛ ففي المرحلة الأولى ينادون بالتشيع لآل البيت، وفي مرحلة ثانية يقولون بالرجعة والعصمة والتقية، وفي مرحلة ثالثة يقولون ببطلان ما عليه أهل ملَّة الإسلام. كما كانت التعاليم تُعطَى للمستجيبين على شكل خطوات مرحلية تتدرج من المبادئ البسيطة إلى التأويلات الفاسدة التي يراد منها إبطال أصول الإسلام وأحكامه.
- التخطيط: وخططهم تدل على دهاء وخبث، وحنكة وذكاء في الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومعرفةٍ بنفسية الناس، وظروفهم وبيئاتهم؛ فقد كانوا يختارون بدقة الزمان والمكان والأشخاص لتنفيذ خططهم.
- الاهتمام بالمراكز والخلايا والحلقات: وذلك لاستقطاب الأتباع والأنصار لدعوتهم، وتكوين التلاميذ الذين يُلقَّنون تعاليم الدعوة.
- غربلة المعلومات: وذلك بتعيين مخبرين تنحصر مهمتهم بنقل أسرار الدولة الحاكمة ومعلومات عن حكام الأقاليم وأخبار المجتمع السُّني إلى مركز الدعوة الرئيسي؛ ليُصَار إلى دراستها وغربلتها واستغلال خيرها وشرها لمصلحتهم.
- التراتبية والنظام: فالدعوة مراتب ودرجات وذات مستويات تصعد من القاعدة إلى القمة؛ ولذلك فهي أربع مراتب عند إخوان الصفا وسبع مراتب عند الحشاشين.
وبالجملة، فإن كشف عقائد هذه الفرق الهدامة وأساليبها التنظيمية لَحَريٌّ بهتك سترها وكشف حقيقتها أمام أعين المسلمين حتى لا يُخدَعوا بما يروِّجه تلاميذ المستشرقين من المؤرخين العَلمانيين والباطنية المعاصرين الذين يلقِّنون تاريخ القرامطة والعبيديين (الفاطميين) والحشاشين والصفويين

https://hottg.com/awaren
واحة التاريخ والحضارة
Photo
🔸 الحروب الصليبية عبر التاريخ

حاول الباحثون الغربيون تحديد سبب معين لاندلاع نار الحروب الصليبية القديمة، وذهبوا في ذلك مذاهب شتى، فمنهم من زعم أن هذه الحروب قد جاءت نتيجة استيلاء الأتراك السلاجقة على بلاد الشام، وسيطرتهم على طريق حج الفرنج إلى القدس، ومنهم من زعم أن ما ظهر من ضعف دولة الروم البيزنطيين في معركة ملاذكرد والتي انتصر فيها السلطان ألب أرسلان السلجوقي على امبراطور الروم أرمانوس سنة 463هـ= 1070م كان هو السبب في استثارة الغرب لتجريد الحملات الصليبية.
 
وحاول آخرون إيجاد هذا السبب في وسط الغرب ذاته، فالفقر والجهل وسيطرة الكنيسة والانغلاق الفكري مقابل ما كان يعيشه العالم الإسلامي من تقدم فكري ورفاه اقتصادي وتطور اجتماعي قد استثار شهوة النهب والتدمير في وسط قيادات الغرب، ومارست الكنيسة دورها لتوجيه الجهود ضد المسلمين، وقد لا تكون هناك حاجة لدحض هذه المزاعم، أو إقرار بعضها ودحض بعضها الآخر.
 
والحقيقة أن منطق التاريخ لا يقبل مثل هذا التجديد الزمني والمكاني للأحداث، فتيار التاريخ المتدفق، ونسيجه المتصل يرفض الانقطاع ويمتنع عن التجزئة، فلقد كانت الأماكن المقدسة تحت حكم العرب المسلمين منذ قرون، وحاصر العرب المسلمون عاصمة الروم مرات كثيرة، ولم تكن قضية حفنة من الحجاج – حتى لو وجدت مثل هذه القضية- جديرة بتجريد مثل هذه الحملات الضخمة، ولو كان الأمر كذلك أيضًا لما كانت للفرنج حاجة لإقامة أماراتهم ومملكتهم في بلاد الشام، ولما أوغلوا في عمق البلاد فحاولوا الوصول إلى بغداد والأماكن المقدسة في الجزيرة العربية، ولما حاولوا احتلال مصر ودمشق.
 
يظهر استعراض النسيج التاريخي المتصل أن أرض الأندلس، وجزائر البحر الأبيض المتوسط، كانت هي المهد المبكر للحروب الصليبية، وقد عملت الكنيسة – روما – باستمرار على توجيه الجهد وحشد القوى ضد المسلمين، غير أن انتصارات المسلمين على الجبهات كافة، دفعت قوى الفرنج الصليبيين لمهادنة المسلمين أحيانًا، أو اتخاذ سياسة دفاعية في مواجهتهم في أحيان أخرى، حتى إذا ما أحرز الفرنج، حتى إذا ما أحرز الفرنج انتصارهم الكبير على المسلمين فانتزعوا منهم طليطلة سنة 478هـ= 1085م.
 
وجدت الكنيسة أن الفرصة قد باتت مناسبة أو مواتية للانتقال إلى الهجوم الشامل، وضرب المسلمين في عقدر دارهم بالاستيلاء على بلاد الشام، ووقف البابا ايربان الثاني في مجمع كليرمونت بفرنسا سنة 489هـ= 1095م، فأعلن بندائه الشهير بداية الحروب الصليبية عندما قال: "فلينهض الغرب لنجدة إخوانه المسيحيين في الشرق".
 
هكذا لم يكن إعلان البابا للحرب الصليبية إلا ثمرة مخاض طويل، وإلا نتيجة جهود مستمرة عبر أزمنة متتالية، بدأت بمسرح الصراع الرئيسي على أرض أندلس المسلمين، وامتدت إلى جزائر البحر الأبيض المتوسط، وانتهت على أرض بلاد الشام، حيث القاعدة الأساسية لانطلاق جيوش الفتح العربي الإسلامي.
 
اصطدمت جحافل الفرنج الصليبيين بجند المسلمين في كل مكان، وهبت جيوش المدن الإسلامية لمقاومة قوات الغزو، وظهرت منذ البداية محاولات لتنسيق التعاون بين جيوش المدن الإسلامية، واصطدمت هذه المحاولات بعقبات كثيرة حتى استطاع الزنكيون الانطلاق من الموصل إلى حلب ومنها إلى دمشق ثم مصر، فأمكن تشكيل جبهة إسلامية متماسكة أوقفت مد الفرنج، وانتزعت منهم بعض إماراتهم (الرها)، مما دفع الفرنج لتجريد حملة صليبية ثانية، وجاء الأيوبيون في أعقاب الزنكيين الذين مهدوا لهم سبيل الحكم، فتابعوا حمل راية الجهاد في سبيل الله، ووصلوا اوج قوتهم في معركة حطين وإعادة فتح القدس، وتبع ذلك تحول حاسم، حيث ظهر وجود الفرنج في بلاد الشام بأنه وجود ضعيف، مما دفع الفرنج لتجريد حملة صليبية ثالثة، وجاء بعد المماليك فتابعوا السير على درب الجهاد، وقد اتضحت معالمه وتحددت أهدافه، فقادوا جموع المسلمين لخوض أكبر معركة ضد المغول – التتار (عين جالوت)، وتبع انتصار المسلمين هجوم عاصف على بقايا الفرنج، ولم تنجح الحملات المتتالية إلا في إطالة أمد الحرب وإلا في التعرض للمزيد من الخسائر على طرفي جبهات الصراع المسلح.
 
فقد شرع الأتراك العثمانيون في ممارسة دورهم برفع راية الجهاد، وانطلقوا من شمال بلاد الشام وآسيا الصغرى، فأمكن لهم نقل الصراع المسلح إلى أوروبا، وجابهوا هناك الحملات الصليبية المتتالية ودمروها، ولم يكن فتح القسطنطينية، إلا ثمرة من ثمار تحول مسرح الصراع المسلح من بلاد الشام إلى شرق أوروبا.
 
هكذا اشتركت الشعوب الإسلامية من عرب وبربر وكرد وترك وديلم وفرس وسواهم من أمم الأرض في احباط الحملات الصليبية ودحرها، وقد اجتهد الباحثون والمؤرخون في تصنيف هذه الحملات - في إطارها الزمني- فكان منها التصنيف التالي:
واحة التاريخ والحضارة
Photo
1- الحملة الصليبية الأولى: سنة 493هـ= 1099م، وانتهت باحتلال انطاكية والقدس ومدن الساحل في بلاد الشام.
2- الحملة الصليبية الثانية: 542هـ= 1147م/ 544هـ= 1149م، وقد جاءت بعد فتح الرها وطرد الفرنج منها على أيدي الزنكيين، وقد حاولت هذه الحملة الاستيلاء على دمشق.
3- الحملة الصليبية الثالثة: 585هـ= 1189م/ 588هـ= 1192م، وقد جاءت بعد انتصار المسلمين في حطين وإعادة فتح القدس، ولم تحقق نتائج هامة.
4- الحملة الصليبية الرابعة: 599هـ= 1202م/ 601هـ= 1204م، واتجهت إلى القسطنطينية واستولت عليها ودمرتها، واكتفت بهذا الإنجاز.
5- الحملة الصليبية الخامسة: 616هـ= 1219م/ 618هـ= 1212م، وقد حاولت الاستيلاء على مصر لعزلها عن المشرق الإسلامي، وانتهت الحملة إلى الفشل.
6- الحملة الصليبية السادسة: 626هـ= 1228م/ 627هـ= 1229م، وأعادت القدس إلى حكم الفرنج، مع شريط أرضي يربطها بالساحل – حيث إمارات الفرنج.
7- الحملة الصليبية السابعة: 646هـ= 1248م/ 652هـ= 1254م، وحاولت للمرة الثانية احتلال مصر، وفشلت في المنصورة.
8- الحملة الصليبية الثامنة: 669هـ= 1270م، وانتهت بالفشل أمام تونس.
9- الحملة الصليبية التاسعة: 767هـ= 1365م، وقد هاجمت الاسكندرية في مصر، ونهبتها ودمرتها وعادت إلى قبرص.
10- الحملة الصليبية العاشرة: 798هـ= 1395م، وأحبطها الأتراك العثمانيون في نيقوبوليس.
11- الحملة الصليبية الحادية عشرة: 848هـ= 1444م أحبطها الأتراك العثمانيون في فارنا.
 
ولم تتوقف الحملات الصليبية بفتح الأتراك المسلمين للقسطنطينية سنة 857هـ= 1453م، ولا باستيلاء الفرنج الصليبيين على غرناطة سنة 897هـ= 1491م، وانما استمرت بعد ذلك في إطار حملات منظمة ضد أقطار المغرب العربي الإسلامي (المغرب- الجزائر- تونس- برقة)، وهي الحملات التي قادها الإسبانيون والبرتغاليون.
 
غير أن هذه الحملات لم توضع في إطار الحملات الصليبية، وكذلك الأمر بالنسبة للحملات الصليبية التي جرت تحت رايات الاستعمار الغربي، والتي تركزت على أقطار العالم العربي والإسلامي بصورة عامة، مما حمل الكثير من المؤرخين على تصنيف هذه الحملات تحت عنوان الحملة الصليبية الثانية عشرة...[1].

📚 واحة التاريخ والحضارة
https://hottg.com/awaren
HTML Embed Code:
2024/04/19 21:04:55
Back to Top