من أعظم النعم التي من الله على المؤمنين أنه جعل لهم حظا من الأنس به ، تلتذ به قلوبهم وتسعد ، وتسكن به نفوسهم في المصاب ، فإذا ابتلي العبد ببلاء فإن له في وقوفه بين يدي ربه مسلما نفسه له ، صارفا نجواه إليه ، شاكيا حاله بعين دامعة ولسان بالكاد يبين عما في قلبه ، جامعا بين المحبة والتعظيم والطمع واللجأ = فرجًا لا يقل عن الفرج بزوال الهم وذهاب الأذى.
ولذة التعرف إلى الرب والقرب منه جنةٌ في الدنيا قبل جنة الآخرة ، وأقل الناس من يدخل هذه الجنة ، كما أن أقلهم من يدخل جنة الآخرة ، وأقلهم من يصبر على طرق بابها حتى يدخلها ، فيشهد استحالة بلائه رضا وخيرا وسرورا ، حتى يذهل الناس منه ويعجبون كيف هو ساكن مطمئن مع ما يجد من الألم الذي لا يطاق ؟!
فيا طوبى لمن عرف هذه الجنة فلزم بابها ، ولم ييأس من نيل لذة دخولها ، وتذكر كيف سبقه الموقنون إليها ، واستحضر حين مسته نفحاتها فبرد بها صدره ، وتهللت بأريجها نفسه ، وكلما طال عليه الانتظار تعلل بذكرها ، وأنشد قول القائل :
لها أحاديث من ذكراك تشغلها ..
عن الطعام وتلهيها عن الزادِ
إذا شكت من كلال السير أوعدها ..
روحُ القدوم فتحيا عند ميعادِ
>>Click here to continue<<