TG Telegram Group Link
Channel: قناة أ.د.عبدالرحمن الخميسي 774691936
Back to Bottom
فتوى= 9056
-----------------ا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ي شيخ اذا أخرجنا عن شخص كبير في السن ولايستطيع الصيام كيس دقيق ٥٠ كيلو هل يصح نخرجه لناس يعجنوا سمبوسة ويوزعوها إفطار صائم ام لازم لناس محتاجين؟

((( الجواب))) كفارة صيام رمضان عن العاجز عن الصوم عجزاً دائما هو إطعام ثلاثين مسكينا لكل واحد كيلو من الطعام، ولاتجزئ لأقل من هذا العدد، ولاتجزئ إخراجها فقط سنبوسة، ولكن إن عمل عشاءً متكاملا ثم دعا إليه ثلاثين مسكينا أو وزعه عليهم فتجزئ عنه

( كتاب الصيام )
أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي

https://hottg.com/D_Abdulrahman_Alkhamesi

‏تابع قناة فتاوى أ.د.عبدالرحمن الخميسي. في واتساب: https://whatsapp.com/channel/0029VaDj1GT9sBI7M2xQaN2h

اضغط على الرابط تظهر لك القناة
فتوى= 9057
----------------ا
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا شيخ واحده مات الجنين ف بطنها وقد دخل ف الشهر الرابع و فعلوا لها تنظيف و ما زال الدم عزكم الله ينزل منها ع شكل متقطع منها هل يجوز لها تصلي و تصوم ام تكون ف حكم النفاس

((( الجواب))) هذا الدم النازل منها هو دم نفاس فتمتنع عن الصلاة والصوم والجماع حتى تطهر ولو استمر معها اربعين يوما، فإن انقطع عنها ولو قبل الأربعين فتغتسل وتصلي وتصوم.

( كتاب الحيض والنفاس )
أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي

https://hottg.com/D_Abdulrahman_Alkhamesi

‏تابع قناة فتاوى أ.د.عبدالرحمن الخميسي. في واتساب: https://whatsapp.com/channel/0029VaDj1GT9sBI7M2xQaN2h

اضغط على الرابط تظهر لك القناة
( فضائل القرآن الكريم) (1)
مقدمة:
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين، والآخرين، وإمام الأنبياء والمرسلين، وقائد الغر المحجلين، نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه فضائل القرآن الكريم، ومحاسنه، وحِكَمه وأحكامه،وترغيبه ورغائبه، وترهيبه ورهائبه، مستخلصةً من الآيات البينات، والأحاديث الشريفة الواضحات، مذكراً بها نفسي خاصةً، وإخواني المسلمين عامة، عسى الله أن ينفع بها جامعها وكاتبها، وقارئها ومستمعها، ومعلمها ومتعلمها، وناشرها ومتلقيها، وقد قسمتها إلى أبواب عدة، بلغت أربعةً وعشرين باباً، ويمكن أن تكون أكثر من ذلك لو أردتُ، حيث إني لم أتعرض لما ليس له صلة بالفضائل كما فعل المؤلفون القدامى وقد جمعت فيها من الآيات مايناسب المقام، ومن الأحاديث الصحيحة والحسنة مايتلاءم مع الأبواب، ومن الفوائد، والفقه مايتذكر به أولو الألباب، وليس هذا التصنيف هو أول مؤلف في هذا الباب، فقد سبق أن ألف فيه علماء أخيار، وحفاظ كبار، وأئمة أبرار من أمثال أبي عبيد القاسم بن سلام، المتوفى سنة224،ه، وأبي عبدالله محمد بن أيوب بن يحيى بن ضريس المتوفى سنة294ه والحافظ أحمد بن شعيب النسائي صاحب السنن المتوفى سنة303ه وجعفر بن محمد المستغفري المتوفى سنة432ه والحافظ إسماعيل بن عمر ابن كثير المتوفى سنة774ه، وغيرهم
وألف فيه أيضاً علماء معاصرون فأفادوا وأجادوا جميعاً، وكلهم اتفقوا على مسمى واحد هو" فضائل القرآن" فبدى لي أن أقتدي بهؤلاء العلماء الأخيار، وأن أخوض فيما خاضوا فيه من التأليف في هذه الفضائل حرصاً على نيل ثوابها، وعلى نيل شرف الفوز بفضلها، مستناً بسنتهم، ومقتفياً لآثارهم، ومتبعاً لهديهم في هذا الأمر، لعلي أن أُسلكَ في زمرتهم، وأن أُذكرَ في جملتهم، وإن كنتُ لست منهم، ولكن هم القوم لايشقى بهم جليسُهم، ولايُستنكر أنيسُهم، غير أني حرصت على أن يمتاز مؤلفي عن مؤلفاتهم بالمنهجية العصرية للتأليف لما فيها من تبسيط وتيسير العلم لقاصديه وطالبيه، وبحذف أسانيد الأحاديث، التي لاطائل من ذكرها الآن، وبذكر الآيات التي نصت على فضل القرآن، وبذكرأحاديث كثيرة غفلوا عن ذكرها، وبالإقتصار على الأحاديث الثابتة، وبخلو هذه الفضائل من القصص الغريبة، والمستنكرة.
والله من وراء القصد، وهو حسبي ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله. وصحبه أجمعين

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي.
أستاذ الحديث وعلومه- جامعة صنعاء
الإثنين1 رمضان،1445 للهجرة، الموافق ل11 مارس2024م

وشهر مبارك، وكل عام وأنتم بخير
( فضائل القرآن الكريم )(2)

الباب الأول: ( بيان أن القرآن كلام الله تعالى)
قال تعالى:[ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لايعلمون] التوبة٦،وقال:[ سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لايفقهون إلا قليلا] الفتح١٥
1= عن جابربن عبدالله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس في الموقف، فقال:" ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي" رواه أبوداود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
ويجب عند السلف كافة ومن اتبعهم من الخلف: الإيمان بأن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، وأنه نزل به جبريل عليه السلام، على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، بلسان عربي مبين، مفتتح بالحمد لله رب العالمين، ومختتم بسورة الناس، محفوظ بحفظ الله تعالى له من التبديل، والتغيير، والتحريف، والزيادة، والنقصان، وأن من اعتقد أنه دخله شيئ من التغيير، والتحريف، أو جحد شيئاً منه متفقاً عليه ولو كان حرفاً واحداً فهو كافر بإجماع المسلمين(شرح عقيدة السلف للمؤلف-ص١٨٢)
الباب الثاني:( بيان أن القرآن أنزل في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك)
قال تعالى:[ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان] البقرة١٨٥، وقال:[ إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين] الدخان٣، وقال:[ إنا أنزلناه في ليلة القدر] القدر١
والمراد: كما قال العلماء، ومنهم ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى[ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن]: أن القرآن نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان، ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً بحسب الأحداث والوقائع، وكان ابتداء نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان.
2= وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان- أي القرآن- لأربع وعشرين خلت من رمضان" رواه أحمد، والطبراني، وغيرهما، وصححه الألباني.
ففي هذا الحديث بيان أن القرآن أنزل بعد مضي أربع وعشرين يوماً من رمضان أي في ليلة خمس وعشرين، بمعنى أن هذه الليلة هي ليلة القدر.
وجاء في أحاديث أخرى أن ليلة القدر تكون في إحدى وعشرين، وعن بعض الصحابة أنهم رأوها في السبع الأواخر من رمضان أي في ليلة ثلاث وعشرين، فمابعدها، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" متفق عليه، وفي رواية البخاري:" تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" وثبت في مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال في ليلة القدر:" والله إني لأعلمها، وأكثر علمي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين"
قلت: وبقول أبي بن كعب يقول أكثر المسلمين، ورجح الباحث صفي الرحمن المباركفوري في كتابه القيم" الرحيق المختوم" ص٥٦، أن أنزال القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم كان في يوم الإثنين لإحدى وعشرين مضت من شهر رمضان ليلاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن صيام يوم الإثنين؟ فقال: ذلك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أنزل علي فيه" رواه مسلم، وأيد كلامه بأدلة وقرائن كثيرة شرعية، وفلكية، فليراجعه من شاء.
والجمع بين هذه الأقوال كما قال غير واحد من أهل العلم، ومنهم الحافظ ابن حجر رحمه الله: أن ليلة القدر ليلة متنقلة غير ثابتة، ففي عام تكون في ليلة إحدى وعشرين، وفي عام ليلة ثلاث وعشرين، وفي عام ليلة خمس وعشرين، وفي عام ليلة سبع وعشرين، وفي عام ليلة تسع وعشرين
والمقصود من ذلك أن يجتهد المسلم في طلبها في العشر الأواخر جميعها، ولايقتصر على ليلة واحدة منها، فإنه من اجتهد في جميع العشر بالقيام، والذكر، والقراءة، والإعتكاف، وسائر أنواع العبادات الأخرى، فقد أدرك ليلة القدر لامحالة، وكتب له أجرها، وقيامها حتى لو لم يعلم بها، بخلاف لو قام ليلة واحدة، واجتهد فيها بالطاعات فلايجزم بأنها أدركها لاحتمال أنها انتقلت في هذا العام إلى ليلة أخرى.
قال ابن حجر في الفتح:٢٦٦/٤: بعد أن ذكر ستةً وأربعين قولا في تعيين ليلة القدر: "وأرجحها كلها أنها في وتر من العشر الأواخر، وأنها تنتقل كما يفهم من أحاديث هذا الباب، وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين، انتهى.

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي.
( فضائل القرآن الكريم)(3)

الباب الثالث:( ذكر فضائل القرآن الكريم كما دلت عليها آيات الكتاب الحكيم)
قد أثنى الله تعالى على كتابه العزيز بثناءآت عظيمة، ووصفه بصفات جليلة، لم يصف بها التوراة، ولا الإنجيل، ولاالزبور، بيانا منه لعظم كلامه، وقداسة وجزالة لفظه، ومعجزة بيانه ونظمه، من غير تنقص ولاتهوين لتلك الكتب المقدسة التي لم ينلها التحريف لكونها كلامه أيضا المنزل على أنبيائه المصطفين الأخيار، ومن تلك الأوصاف:
1- أوجب سبحانه الإستعاذة عند تلاوته فقال(فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) النحل٩٨
2- وأوجب الإنصات إليه، والإستماع له عند تلاوته، وتحريم اللغط والكلام في أثناء ذلك فقال( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) الأعراف٢٠٤، وقال( وقال الذين كفروا لاتسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) فصلت٢٦
3- واستحب تدبره والتفكر فيه، فقال( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) النساء٨٢، وقال( أفلايتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد٢٤
4-وبين أنه قرآن عربي مبين غير ملتبس فهمه، ولالفظه، ولانظمه، فقال( ألر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) يوسف١-٢، وقال( ألر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) الحجر١،وقال:( طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين) النمل١
5- وأوضح أنه هدى، للناس، وبينات من الهدى والفرقان، وهدى ورحمة للمؤمنين، فقال:(
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) البقرة١٨٥، وقال( ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين)البقرة٢،وقال( هدى وبشرى للمؤمنين) البقرة٩٧، وقال( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين) آل عمران١٣٨، (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون) الأعراف٥٢، وقال( هدى ورحمة للمحسنين) لقمان٣
6- وبين أنه قرآن عظيم، وقرآن مجيد، وقرآن حكيم، وكتاب حكيم، فقال( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) الحجر٨٧، وقال( ق والقرآن المجيد) ق١،وقال( بل هو قرآن مجيد) البروج٢١، وقال:( ألر تلك آيات الكتاب الحكيم) يونس١ وقال( ألم تلك آيات الكتاب الحكيم) لقمان١-٢
7- وذكر أنه يهدي للتي هي أقوم، وإلى الحق، وإلى طريق مستقيم، ويبشر المؤمنين بكرامتهم وفضلهم ومنزلتهم عند الله، قال تعالى( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً) الإسراء٩، وقال:( قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) الأحقاف٣٠
8- وبين أن فيه شفاءً، ورحمةً للمؤمنين، فقال: ( ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) يونس٥٧، وقال:( وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولايزيد الظالمين إلا خسارا) الإسراء٨٢، وقال:( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لايؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد) فصلت٤٤
9- وأنه معجز في نظمه، ولفظه، ومعناه، ويعجز الخلق جميعا الثقلان الإنس والجن، عن الإتيان بمثله، أو بعشر سور منه، أو بأقصر سورة منه، قال تعالى( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) الإسراء٨٨، وقال:( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) هود١٣
وقال:( وإن كنتم في ريب ممانزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) البقرة٢٣
يتبع:


أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي
( فضائل القرآن الكريم)(4)
يتبع:
ومن فضائل القرآن في القرآن؛
10- أن فيه كل شيئ، وفيه من كل مثل، وأن الله لم يفرط فيه شيئا، قال تعالى( ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيئ جدلا) الكهف٥٤، وقال:( مافرطنا في الكتاب من شيئ ثم إلى ربهم يحشرون) الأنعام٣٨، وقال: ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) النحل٨٩، وقال:( ماكان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) يوسف١١١
11- وأن من اتبعه وعمل به هدي، ولايضل، ولايشقى، ولايحزن، قال تعالى:(طه ماأنزلنا عليك القرآن لتشقى) طه١-٢، وقال( فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون) البقرة٣٨، وقال( فمن اتبع هداي فلايضل ولايشقى) طه١٢٣
12- وأنه كتاب ذو ذكر، فقال:[ ص والقرآن ذي الذكر] ص١، أي ذي الشرف، والمكانة والشأن، وقيل: أي:هو القرآن المشتمل على مافيه ذكر للعباد ونفع لهم في المعاش والمعاد.
13- وأن الله تعالى يسره للذكر، والحفظ، والتعلم، والتعليم، فقال:[ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر] القمر١٧-٢٢-٣٢-٤٠
14- وأنه مصون، لايمسه إلا المطهرون، أي لايمسه إلا الملائكة، وقيل: بل هو نهي للجنب، والمحدث والحائض ، عن مس المصحف، والصواب: الأول، قال تعالى[ إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لايمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين] الواقعة٧٧-٨٠
15- وأنه تتصدع، وتخشع له الجبال الراسيات، فقال:[ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون] الحشر٢١
16- وأن على قارئه أن يرتله ترتيلا، ويجوده تجويداً قال تعالى:[ ورتل القرآن ترتيلا] المزمل ٤،وقال:[ ورتلناه ترتيلا] الفرقان٣٢
17- وأنه قرآن غير ذي عوج، أي ليس فيه اعوجاج، ولازيغ، ولاميل، بل هو كتاب معتدل مستقيم، قال تعالى :[ الحمدلله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا] الكهف١، وقال:[ قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون] الزمر٢٨
18- وأنه قرآن عجب، أي بديع في بلاغته، وفصاحته، وبيانه، ومواعظه، وبركته، وقيل:بل المعنى أنه عظيم، عزيز لايوجد مثله، قال تعالى:[ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً] الجن١-٢
19- وأنه نور من الله، وبصائر للناس يهتدون به، فقال:[ هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون] الجاثية٢٠، وقال:[ وكذلك أوحيناإليك روحاً من أمرنا ماكنت تدري ماالكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم] الشورى٥٢
20- وأنه قرآن حق، ثابت لاريب، ولاشك فيه،ومصدق لما قبله من الكتب، ومفصل لكل شيئ، قال تعالى:[ وماكان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين] يونس٣٧، إلى غير من الأوصاف الكثيرة والصفات الباهرة العظيمة

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي
( فضائل القرآن الكريم)(5)

الباب الرابع:( فضل القرآن الكريم على سائرالكلام)
قال تعالى:[ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه] المائدة٤٨
ومعنى "مهيمنا عليه" أي عاليا عليه، ومرتفعا، وشاهداً، وحافظاً، ومصدقاً، ومؤتمناً عليه.
وقال:[ لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد] فصلت٤٢، أي لايكذبه شيئ مما أنزل الله من قبل، ولاينزل من بعده شيئ يبطله، وينسخه، وقيل: لايقربه شيطان من شياطين الإنس والجن لابسرقة، ولابإدخال ماليس منه به، ولابزيادة ولانقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل الله الذي أنزله بحفظه.(أنظر تفسير السعدي عند تفسيره لهذه الآية.)
وليست هذه الصفة لهذا الكتاب العظيم في غيره من الكتب، ولافي غيره من كلام البشر
3= وعن أبي موسى الأشعري، وأنس بن مالك رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والذي لايقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولاريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لايقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر، ولاريح لها" متفق عليه.
قال ابن كثير في معنى هذا الحديث: في كتابه" فضائل القرآن١٧٣/١ "إن أطيب الرائحة تدور مع القرآن وجوداً وعدماً فدل ذلك على شرفه على ماسواه من الكلام الصادر من البر والفاجر"
4= وعن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ياأبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ياابا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: [ الله لاإله إلا هو الحي القيوم] البقرة٢٥٥، قال: فضرب صدري، وقال:" والله ليهنك العلم أبا المنذر" رواه مسلم.
5= وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله عليه وسلم: " أمابعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهُدى هُدى محمد- صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" رواه مسلم
6= وعن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه- في حديث- قال" إنما بعثتك لأبتليك، وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لايغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان" رواه مسلم.
ومعنى" لايغسله الماء" أي أنه محفوظ في الصدور، لايتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على ممر الزمان، ولايشبهه أي كلام.
قال النووي في شرح مسلم٩٣/٦: تعليقا على حديث أبي بن كعب: قال القاضي عياض: فيه حجة للقول بجواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وتفضيله على سائر كتب الله تعالى، قال: وفيه خلاف للعلماء فمنع منه أبوالحسن الأشعري، وأبوبكر الباقلاني، وجماعة من الفقهاء والعلماء لأن تفضيل بعضه يقتضي نقص المفضول، وليس في كلام الله نقص به، وتأول هؤلاء ماورد من إطلاق أعظم، وأفضل في بعض الآيات والسور، بمعنى عظيم، وفاضل، وأجاز ذلك إسحاق بن راهويه، وغيره من العلماء والمتكلمين قالوا: وهو راجع إلى عظم أجر قارئ ذلك، وجزيل ثوابه، والمختار: جواز قول: هذه الآية أو السورة أعظم أو أفضل، بمعنى أن الثواب المتعلق بها أكثر، وهو معنى الحديث.انتهى.
قلت: إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم على بعض السور والآيات أنها أعظم من غيرها يدل على تفضيل بعض كلام الله تعالى على بعض من غير تنقص ولاتهوين كقوله عن الفاتحة أنها أعظم سورة في القرآن، وأنه لم ينزل في التوراة، ولافي الإنجيل، ولافي الفرقان مثلها، وكذا قوله عن آية الكرسي أنها أعظم آية، وليس بعد قوله صلى الله عليه وسلم قولٌ لأحد. قال ابن الحصار كما نقله عنه السيوطي في الإتقان١٣٧/٤: العجب ممن يذكر الإختلاف في ذلك مع النصوص الواردة بالتفضيل" انتهى.
الباب الخامس:( تنزل الملائكة والسكينة عند تلاوة القرآن الكريم)
7= عن أسيد بن حضير، رضي الله عنه، قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس، فسكتُ فسكتت، فقرأ فجالت الفرس، فسكتُ فسكتت الفرس، ثم قرأت فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريباً منها فأشفق أن تصيبه فلما اجتره، رفع رأسه إلى السماء حتى مايراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ ياابن حضير، اقرأ ياابن حضير، قال: فأشفقت يارسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه فرفعت فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لاأراها قال: وتدري ماذاك؟ قال:لا، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لاتتوارى منهم" متفق عليه.
8= وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" ومااجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم
9= وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين، فتغشته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال: " تلك السكينة تنزلت بالقرآن" متفق عليه
قوله" شطنين" واحده شطن، وهو الحبل

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي.
( فضائل القرآن الكريم)(6)

الباب السادس( وصية النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكتاب الله تعالى)
أي بأن يحافظوا عليه، ويحفظوه، ويعلموه، ويتعلموه، ويعملوا به.
10= وعن طلحة بن مصرف، قال سألت عبدالله بن أبي أوفى، رضي الله عنه: هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، قلت: فلم كتب على المسلمين الوصية؟ أو فلم أمروا بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله عزوجل" رواه مسلم
11= وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ، وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي، فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، وفي رواية" من استمسك به، وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضل" رواه مسلم.
12= وعن جابربن عبدالله رضي الله عنهما- في حديثه الطويل عن حجة الوداع- قال: قال رسول الله عليه وسلم" وإني قد تركت فيكم مالن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله" رواه مسلم.
13= وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع، فقال: قد يئس الشيطان أن يعبد بأرضكم، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم، فاحذروا، ياأيها الناس إني قد تركت فيكم ماإن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم" رواه الحاكم والبيهقي بسند صحيح، وصححه الألباني.
الباب السابع: ( فضل تلاوة القرآن الكريم)
قال تعالى:[ الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفربه فأولئك هم الخاسرون] البقرة١٢١
وقال:[ أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً] النساء٨٢، وقال:[ أفلايتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها] محمد٢٤، وقال:[ إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور] فاطر٢٩، وقال:[ وأن أتلو القرآن) النمل٩٢، وقال[ ورتل القرآن ترتيلا] المزمل٤، وقال:[ ورتلناه ترتيلا] الفرقان٣٢
14= وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:" لاتجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة" رواه مسلم
15= وعن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم.
16= وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذي يقرأ القرآن وهو ماهربه مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران" متفق عليه
قوله" مع السفرة الكرام البررة" أي هو في منزلتهم، قال النووي في شرح مسلم٨٤/٦، قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقاللملائكة السفرة لاتصافه بصفتهم، من حمل كتاب تعالى، ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم.انتهى.
ومعنى" السفرة" أي الرسل،وهم الملائكة، وقيل: هم الكتبة.
والبررة: أي المطيعون.
والماهر: هو الحاذق الكامل الحفظ الذي لايتوقف، ولاتشق عليه القراءة لجودة حفظه، وإتقانه.
ويتتعتع: أي يتردد في تلاوته لضعف حفظه.
وربما يتتعتع فيه لثقل لسانه بالنطق به لمرض، أو لثغ، ونحو ذلك.
قال القاضي عياض وغيره: وليس معناه الذي يتتعتع عليه، له من الأجر أكثر من الماهر به؟ بل الماهر أفضل وأكثر أجراً لأنه مع السفرة، وله أجور كثيرة، ولم يذكر هذه المنزلة لغيره، وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى، وحفظه، وإتقانه، وكثرة تلاوته، وروايته، كاعتنائه حتى مهر فيه(انظر شرح مسلم٨٥/٦)
17= وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لايقرأ القرآن كمثل التمرة لاريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحان ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لايقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر" متفق عليه.
18= وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" لاحسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" متفق عليه.
19= وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: " ألم " حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي.
( فضائل القرآن الكريم)(7)

الباب الثامن :( فضل تلاوة القرآن بالليل على تلاوته بالنهار)
قال تعالى:[ ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون] آل عمران١١٣، وقال:[ إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا] المزمل٦، قال ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية:" والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان، وأجمع على التلاوة، ولهذا قال[ هي أشد وطئاً وأقوم قيلا] أي أجمع للخاطر في أداء القراءة، وتفهمها من قيام النهار، لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات، وأوقات المعاش"
وقال القرطبي في تفسيره في معنى قوله" وأقوم قيلا" أي القراءة بالليل أقوم منها بالنهار، أي أشد استقامة، واستمراراً على الصواب، لأن الأصوات هادئة، والدنيا ساكنة، فلايضطرب على المصلي مايقرؤه" انتهى.
قلت: وهناك معنى آخر وهو أن القراءة بالليل فيها مجاهدة أكبر من القراءة بالنهار من حيث مغالبة النوم، والرغبة في الراحة والدعة، وكلما وجدت عوائق وشدائد على الإنسان كلما كان الأجر أكبر، والثواب أكثر، والأجر على قدر النصب.
20= وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيئ منه، فقرأه مابين صلاة الفجر، وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل" رواه مسلم.
وهذا ظاهر في فضل قراءة القرآن بالليل على قراءته بالنهار
21= وعن جابربن عبدالله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليستك، فإن أحدكم إذا قرأ في صلاته وضع مَلَكٌ فاه على فيه، ولايخرج من فيه شيئ إلا دخل فم الملك" رواه البيهقي في شعب الإيمان، وتمام، والضياء في المختارة، وصححه الألباني.
وفي هذا الحديث دلالة على تفضيل قراءة الليل على النهارلأجل هذا الصنيع من الملك الذي لايحصل منه هذا بالنهار.
الباب التاسع: ( وجوب العمل بالقرآن الكريم، وتحكيمه، والتحاكم إليه، والترهيب من الإعراض عنه )
قال تعالى:[ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لمابين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم عما جاءك من الحق] المائدة٤٨، وقال:[ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون] المائدة٤٤، وقال:[ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون] المائدة٤٥، وقال:[ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون] المائدة٤٧، ومعنى هذه الآيات الثلاث: أن الحكم بغير ماأنزل الله كفر بالله تعالى وهو ظلم وفسق كذلك، لأن الكفر هو أعظم الظلم، وهو فسق لكونه خروجاً على أمر الله، وحكمه، وطاعته
وفصل بعض العلماء فقال: إن من حكم بغير ماأنزل الله معتقداً ومستحلا الحكم بغير ماأنزل الله، أو معتقداً أن ماخالفه أولى وأنفع للعباد من حكم الله، أو أنه مساو له، أو أن العدول عن حكم الله إلى غيره جائز فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وإن حكم بغير ماأنزل الله معتقداً أن حكم الله أولى وأنفع لكنه خالفه بقصد الإضرار بالمحكوم عليه، أو نفع المحكوم له فهذا ظالم وليس بكافر، وإن حكم بغير ماأنزل الله لهوى في نفسه، أو مصلحة تعود إليه، لكنه يعتقد أن حكم الله تعالى أولى وأنفع للعباد فهذا فاسق، وليس بكافر، وعلى هذا المعنى تنزل الآيات الثلاث(انظر: شرح عقيدة السلف للمؤلف ص٨٣،٨٢)
وقال تعالى:[ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بماأنزل إليك وماأنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً] النساء٦٠، وقال:[ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى] طه١٢٤
22= وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما" رواه مسلم.
23= وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين" رواه مسلم.
والمقصود: أنه يرفعهم بعلمهم وعملهم بالقرآن، ويضعهم بإعراضهم عنه. والله أعلم.

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي.
( فضائل القرآن الكريم)(8)

الباب العاشر: ( فضل حافظ القرآن الكريم العامل به على غيره)
لحافظ القرآن الكريم العامل به فضائل كثيرة ليست لغيره ميزه الله تعالى بها وفضله بها على غيره، وماذلك إلا لعظم بركة القرآن، وقداسته، ومنزلته ورفعته عندربه، ومن تلك الفضائل:
١- ثناء الله تعالى عليه ووصفه بالعلم، فقال:[ بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم] العنكبوت٤٩، أي آيات هذا القرآن هي آيات بينة واضحة محفوظة في صدور أهل العلم في قول كثير من المفسرين، قال ابن كثير في تفسيره في معنى هذه الآية: أي هذا القرآن آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق، أمراً ونهياً وخبراً، يحفظه العلماء، يسره الله عليهم حفظاً وتلاوة وتفسيراً. انتهى.
٢- أنه أحق بإمامة المسلمين في صلاتهم من غيره، ولو كان أصغر سناً منهم كما دل عليه
24= حديث أبي مسعود البدري الأنصاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" وفي رواية" أقدمهم قراءة" رواه مسلم.
25= وعن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً" قال: فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين" رواه البخاري.
٣- أن جوف الحافظ عامر وليس بخرب
26= لحديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الذي ليس في جوفه شيئ من القرآن كالبيت الخرب" رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
٤- أن منزلته في الجنة بقدر عدد آي القرآن التي يحفظها
27= لحديث" عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها" رواه أبوداود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح
ومعنى" تقرؤها" أي تحفظها.
٥-أن منزلته في الآخرة هي في منزلة الملائكة الرسل الكرام البررة.
28= لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران" متفق عليه، ومضى بيان معنى الحديث، وظاهره أنه يشمل الحافظ وغيره، ولكن جاء في رواية البخاري مايدل على أن المراد به هو الحافظ، ولفظه" مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده، وهو عليه شديد فله أجران"
٦- أنه لو دفن مع شخص في قبر واحد فهو أولى بالتقديم في اللحد منه.
29= لحديث هشام بن عامر رضي الله عنه، قال لما كان يوم أحد أصاب الناس قرح، وجهد شديد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" احفروا وأوسعوا وادفنوا الإثنين والثلاثة في القبر، قالوا يارسول الله من نقدم؟ قال: أكثرهم جمعاً وأخذاً للقرآن" رواه أبوداود والنسائي، وغيرهما.
٧- أنه خير الناس عند الله تعالى.
30= لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خيركم من تعلم القرآن وعلمه" رواه البخاري.
٨- أن القرآن يشفع له في الآخرة.
31= لحديث أبي أمامة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم.
وهذا الفضل يشمل الحافظ العامل به، وغيرالحافظ ممن عمل به، ولاشك أن الأولى به هو الحافظ لكونه يتميز على غيره بالحفظ له، والله أعلم
يتبع

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي.
( فضائل القرآن الكريم)(9)

يتبع : فضل حافظ القرآن الكريم العامل به على غيره ممن ليس بحافظ له ولاعامل به.
ومن فضائله:
٩- أن الحافظ هو من أهل القرآن، وهو كذلك من أهل الله وخاصته.
32= لحديث: النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة، وآل عمران تحاجان عن صاحبهما" رواه مسلم.
33= وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله عليه وسلم:" إن لله أهلين من الناس" قالوا: من هم يارسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" رواه ابن ماجه، وأحمد، والحاكم، وهو صحيح.
ومعنى الحديث: أن أهل القرآن الحافظين له العاملين به هم أولياء الله تعالى الذين اختصهم بمحبته والثناء عليهم، وتقريبهم منه.
١٠- أن الله تعالى يرفعه بالقرآن في الدنيا، والآخرة.
34= لحديث: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين" رواه مسلم. أي يرفع ذكرهم بالقرآن في الدنيا، ويرفع به منزلتهم في الآخرة.
١١- أن الحافظ لكتاب الله يستحق أن يُغبط على نعمة الحفظ التي آتاه الله إياها.
35= لحديث: عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لاحسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" متفق عليه.
١٢- أن حافظ القرآن العامل به الذي ليس معه شيئ يستحق أن يزوج بالقرآن، ولايستحب رده لفقره.
36= لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فعرضت عليه نفسها، فقال: مالي اليوم في النساء من حاجة، فقال: رجل: يارسول الله، زوجنيها، فقال: ماعندك؟ قال: ماعندي شيئ، قال: إعطها ولو خاتماً من حديد، قال: ماعندي شيئ، قال: فماعندك من القرآن؟ قال: كذا وكذا، قال: فقد ملكتكها بمامعك من القرآن" متفق عليه.
الباب الحادي عشر: ( استحباب مدارسة القرآن الكريم، والإكثار من قراءته في كل وقت، وفي شهر رمضان خاصة، وفي الأزمان، والأوقات الفاضلة، وألا يقل ختمه عن مرة في كل شهر، أو في كل أربعين يوماً، وألا ينقص عن ثلاث)
قال تعالى:[ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان] البقرة١٨٥، وقال: [ إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين] الدخان١، وقال:[ إنا أنزلناه في ليلة القدر] القدر١
وفي هذه الآيات دلالة على استحباب قراءة القرآن ومدارسته، في جميع الأوقات،وخاصة الفاضلة منها، كشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وفي العشر الأواخر منه، وعشر ذي الحجة، وفي المساجد، وفي أوقات الأسحار.
37= لحديث: عبدالله بن عباس رضي الله عنها قال: كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود مايكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل، يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة" متفق عليه.
38= وعن عائشة رضي الله عنها في حديث فاطمة رضي الله عنها، أنها أخبرتها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها أن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل سنة مرة، وأنه قد عارضني به العام مرتين، ولاأرى الأجل إلا قد اقترب" الحديث، متفق عليه.
39= وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألم أخبر أنك تصوم الدهر، وتقرأ القرآن كل ليلة؟ فقلت بلى يارسول الله، ولم أرد بذلك إلا الخير؟، قال: فصم صوم نبي الله داود، فإنه كان أعبد الناس، واقرأ القرأن في كل شهر، فقلت : يانبي الله إني أطيق أفضل من ذلك، قال فاقرأه في كل عشرين، قلت يانبي إني أطيق أفضل من ذلك، قال فاقرأه في كل عشر. قلت: يانبي الله أطيق أفضل من ذلك، قال فاقرأه في كل سبع ولاتزد على ذلك" متفق عليه، وفي رواية عند أبي داود وأحمد، وغيرهما - قال" في سبع، لايفقه من قرأه في أقل من ثلاث"

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي.
( فضائل القرآن الكريم)(10)

الباب الثاني عشر:( فضل تعلم القرآن وتعليمه)
ويدخل في هذا الباب معلم القرآن، ومتعلمه، وحافظه، وقارئه، ومفسره، والمؤلف في فنونه.
40= عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه" رواه البخاري.
41= وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم:" إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين" رواه مسلم
ومعناه: من تعلمه وعلمه وعمل به رفعه الله به في الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنه، وضعه الله تعالى.
42= وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولاقطيعة رحم؟ فقلنا يارسول الله: نحب ذلك، قال: أفلايغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عزوجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل" رواه مسلم.
ومعنى " كوماوين" أي عظيمتي السنام"
وفي هذا الحديث: بيان فضل تعلم القرآن، وتعليمه، وقراءته في المسجد على غيره من الأمكنة كالبيوت، والمدارس، والكليات، ودور تحفيظ القرآن.
الباب الثالث عشر:( الحث على تحسين القارئ صوته بالقرآن مهما استطاع ذلك)
43= وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ماأذن الله لشيئ ماأذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن، يجهر به" متفق عليه.
قوله" أذن الله" أي استمع.
44= وعن أبي لبابة بشير بن عبدالمنذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من لم يتغن بالقرآن فليس منا" رواه أبوداود.
قوله:" يتغنى" أي يحسن صوته بالقرآن.
45= وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء ب( التين والزيتون) فما سمعت أحداً أحسن صوتاً منه" متفق عليه.
46= وعن البراء بن عازب أيضاً قال: قال رسول الله عليه وسلم:" زينوا القرآن بأصواتكم" رواه البخاري معلقا، وأبوداود، والنسائي، وغيرهم.
والمراد: أن يقرأ القارئُ القرآنَ بصوت حسن، فإن لم يكن صوته حسناً فيجتهد في تحسينه مهما استطاع حتى يخالف به قراءة غيره من الكتب
الباب الرابع عشر: ( استحباب استماع القرآن من قارئ مجيد، حسن الصوت)
47= وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له:" لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود" متفق عليه.
وفي رواية ابن حبان والحاكم" لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيراً"
قوله" مزماراً" أي صوتا حسناً تشبيها له بحسن صوت المزمار.
قوله" آل داود" أي نبي الله داود نفسه
قوله" حبرته" أي زينته
48= وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي القرآن، فقلت: يارسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء، حتى جئت إلى هذه الآية[ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً] ٤١، قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان" متفق عليه.
قال ابن بطال كما في الفتح94/9: يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنةً، ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر، ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها" انتهى
قلت: الإستماع للقرآن من الغير أكثر تأثيراً في النفس من قراءة الإنسان لنفسه، ولو كان هو من أحسن الناس صوتا، فيحرص عليها المسلم، وكم رأينا من دموع تُذرف، ونحيب يعلو، وبكاء شديد من المصلين خلف بعض الأئمة حسني الصوت، في حين أن هؤلاء الأئمة أنفسهم لم يحصل لهم شيئ من هذا التأثر.

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي.
( فضائل القرآن الكريم)( 11)

الباب الخامس عشر:( استحباب ترتيل القرآن الكريم)
والمراد بترتيل القرآن كما قال العلماء هو: التأني، والتمهل في قراءته، وعدم العجلة فيها، وتبيين وإظهار الحروف والحركات فيها، وإخراجها من مخارجها، وذهب بعض العلماء إلى وجوبه للقادر عليه.
قال تعالى:[ ورتل القرآن ترتيلا] المزمل٤،وقال:[ وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا] الإسراء١٠٦، وقال[ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا] الفرقان٣٢
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:[ وقرآناً فرقناه ] :في قوله( فرقناه) قراءتان بالتخفيف، أي تخفيف الراء أي فصلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفرقاً منجماً على الوقائع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة.
وقراءة بالتشديد أي تشديد الراء( فرّ قناه) أي أنزلناه آية آية مبيناً مفسراً،( لتقرأه على الناس) أي لتبلغه الناس وتتلوه عليهم، ( على مكث) أي على مهل، ( ونزلناه تنزيلاً) أي شيئاً بعد شيئ. انتهى.
49= وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: كانت قراءته مداً، ثم قرأ( بسم الله الرحمن الرحيم، يمد: بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم" رواه البخاري.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أَنَسُ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ قِراءةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِلقرآنِ كانتْ مَدًّا، أي: ذات مَدٍّ، والمدُّ: هو إطالةُ الصَّوتِ عند النُّطقِ بالحَرفِ، والمرادُ: أنَّه كان يَمُدُّ ما كان في كلامِه مِن حروفِ المدِّ واللِّينِ، وذلك بالقَدْرِ والشَّرطِ المعروفِ في عِلمِ التجويدِ.وليس المقصود أنه يزيد في المد على غير المعروف في علم التجويد فهذا غير مراد قطعاً.
50= وعن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، قالت مارأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته قاعداً حتى كان قبل وفاته بعام واحد أو اثنين، فكان يصلي في سبحته قاعداً، وكان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطولَ من أطولَ منها" رواه مسلم.
 وفي هذا الحَديثِ تقول أمُّ المؤمنين حَفصَةُ رَضِي اللهُ عنها أنَّها ما رأتْ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم صلَّى في سُبحَتِه -أي: نافِلتِه- قاعِدًا؛ فقدْ كانَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُصلِّي النَّافلةَ قائِمًا، حتَّى كانَ قبْلَ وَفاتِه بِعامٍ -وفي رِوايةٍ أُخرى: بِعامٍ واحِدٍ أوِ اثنَينِ- فَكانَ يُصلِّي قاعِدًا؛ وذلك لمَّا بدَّنَ وضعُفَ جِسمُه لكِبَرِ سِنِّه، كما في الصَّحيحينِ مِن حَديثِ عائشةَ رَضِي اللهُ عنها.
 وأخبَرَت أنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كانَ يَقرَأُ بِالسُّورةِ مِن القرآنِ وهو في صَلاتِه، فيَقرَؤُها بِتَمهُّلٍ وَتأنٍّ، «حتَّى تَكونَ أطولَ مِن أطوَلَ مِنها»، أي: أنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بِسَببِ تَمهُّلِه في القِراءةِ يكونُ زمانُ قراءةِ السُّورةِ أطوَلَ مِن زمانِ قِراءةِ سُورةِ أُخرى تَفوقُها في الطُّولِ وعدَدِ الآياتِ.
51= وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها سُئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يُقّطع قراءته آية آية، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين" رواه أبوداود والترمذي، وغيرهما.
52= وعن أبي وائل، قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة، فقال: هذّاً كهذّ الشعر، لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل، سورتين في ركعة" متفق عليه.
والمفصل هو من أول سورة "ق" إلى آخر القرآن، وقيل بل من أول سورة محمد، والأكثر على أنه من أول سورة ق، وهو يساوي بالتجزئة أربعةَ اجزاء وربع الجزء، وقراءته في ركعة ممكنة جداً،وليست بهذّ، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في ركعة واحدة بأكثر من خمسة أجزاء،ومعه ابن مسعود نفسه، فقرأ بالبقرة، والنساء، وآل عمران، ولم يُعدَّ هذا هذّاً كهذ الشعر، فلعل ابن مسعود غاب عنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا، أو أنه أراد من الرجل أن يرفق بنفسه ولايطيل عليها حتى لاتمل
ومعنى" هذّاً" أي تقرؤه قراءة متسرعة ليس فيها تدبر

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي.
( فضائل القرآن الكريم)(12)

الباب السادس عشر:( استحباب الحافظ للقرآن الكريم مراجعته لتثبيته، وعدم تعريضه للنسيان)
53= عن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها" متفق عليه.
54= وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت" متفق عليه.
55= وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله عليه وسلم: " تعلموا كتاب الله، وتعاهدوه، وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من المخاض في العقل" رواه أحمد، وغيره.
والمخاض: هي الإبل.
قلت: ولايتأتى تثبيت القرآن من الحافظ بالمراجعة اليسيرة، بل لابد من الإكثار من ذلك خاصة لمن حفظه غير متقن، أو حفظه في الكِبَر، ولاأقل من أن يراجعه في كل أسبوع مرة، أو على الأكثر في كل أسبوعين مرة، وأما في أكثر من ذلك فهو معرض للنسيان إن لم يكن لجميعه، فلكثير منه، كما علمنا ذلك، وشاهدناه، ومارسناه.
الباب السابع عشر:( المستحب في تلاوة القرآن الكريم)
يستحب لتالي القرآن الكريم، سواء أكان يتلوه من حفظه، أو من المصحف أمور كثيرة ينبغي عليه فعلها، قد جاءت بها النصوص تأكيداً عليها وحثاً على ملازمتها، ومن ذلك:
١- ترتيل القرآن الكريم، وتجويده.
٢- ومدارسته مع الغير، وتعني المدارسة: المبادلة في الإستماع إلى القراءة، بأن يقرأ غيرك وتستمع إليه، ثم تقرأ أنت ويستمع إليك.
٣- والإكثار من قراءة القرآن، خاصة في الأوقات، والأمكنة الفاضلة كشهر رمضان، وعشر ذي الحجة، والمساجد، وألا يقل ختمه عن مرة في الشهر، أو في كل أربعين، وألا ينقص عن ثلاث.
٤- وتحسين القارئ صوته بالقرآن، والتغني به من غير تمطيط.
٥- واستحباب استماع القرآن من قارئ مُجيد، حسن الصوت.
٦- واستحباب الحافظ مراجعة حفظه، وعدم تعريضه للنسيان.
ومضى كل ذلك في الأبواب السابقة
٧- والترجيع في القراءة، ويعني الترجيع: ترديد الكلمة، لحديث:
56= عبدالله بن مغفل رضي الله عنه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو على ناقته، أو جمله يسير به، وهو يقرأ سورة الفتح، أو من سورة الفتح قراءة لينة، وهو يُرجّع" متفق عليه.
٨- والخشوع، والبكاء عند تلاوة القرآن، أو عند استماعه.قال تعالى:[ إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا] مريم٥٨، وقال:[ وإذا سمعوا ماأنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين] المائدة١٣
57= وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ علي القرآن، فقلت: يارسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء، حتى جئت إلى هذه الآية[ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً] ٤١، قال: حسبك الآن، فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان" متفق عليه.
٩- والإستشفاء به بدنياً، ومعنوياً، فبدنياً بالرقية به على النفس، أو على الغير.
ومعنوياً: فبقصد شفاء القلب به من الشك، والشبه، والشبهات، قال تعالى:[ وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولايزيد الظالمين إلا خساراً] الإسراء٨٢، وقال: [ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء] فصلت٤٤، لحديث
58= أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيئ لاينفعه شيئ، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيئ؟ فأتوهم فقالوا: ياأيها الرهط إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيئ لاينفعه، فهل عند أحد منكم شيئ؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جُعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين، فكأنما نشط من عقال، فانطلق ومابه من قلَبَة، قال: فأوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لاتفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر مايأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له فقال: " ومايدريك أنها رقية" ثم قال:" قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهماً" فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم" متفق عليه.
ولاخلاف بين العلماء في جواز الرقية بالقرآن، وأخذ الأجرة على ذلك

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي
( فضائل القرآن الكريم)(13)

الباب الثامن عشر:( المذموم في تلاوة القرآن الكريم)
ويذم في تلاوة القرآن الكريم أمور كثيرة، وصفات، وأفعال، وأقوال عدة، منها:
١-المرآءآة في تلاوته، ومدارسته، وحفظه، وتعلمه، وتعليمه، والعمل به.
قال تعالى:[ فاعبدالله مخلصاً له الدين] الزمر٢، وقال:[ قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين] الزمر١١، وقال:[ وماأمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة] البينة٥
59= وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمته فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فماعملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم وعلمت، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فماعملت فيها؟ قال: ماتركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار" رواه مسلم.
قلت:وجاء في حديث آخر عند مسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" أول مايقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" وفي حديث آخر" أول مايحاسب عليه العبد صلاته" رواه الترمذي والنسائي، وغيرهما.
والجمع بينها: هو أن أول مايقضى فيه بين الناس في حقوقهم هو في الدماء، وفي حقوق الله هو في الصلاة وفي الثلاثة النفر الذين ذكروا في حديث أبي هريرة.
60= وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرءون القرآن لايجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة، ينظر في النصل فلايرى شيئاً، وينظر في القدح فلايرى شيئاً، وينظر في الريش فلايرى شيئاً، ويتمارى في الفُوق" متفق عليه، وفي رواية: " يحقر أحدكم قراءته مع قراءتهم، وصلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم"
قوله" يخرج فيكم قوم" المقصود بهم : الحرورية وهم فرقة من الخوارج.
قوله" تراقيهم" جمع ترقوة وهي أعلى الصدر، قريبة من الحلقوم.
" يمرقون" أي يخرجون من دينهم.
" الرمية" بتشديد الراء والياء وهو الشيئ الذي يرمى به.
" نصله" هي حديدة السهم.
" القدح" بكسر القاف وإسكان الدال، هو السهم الذي لاريش فيه، أو هو عود السهم قبل أن يراش، وينصل.
" الريش" هو عود السهم.
" يتمارى" أي يتشكك، هل بقي فيها شيئ من الدم؟
61= وعن جندب بن عبدالله بن سفيان رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم" من سمّع، سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به" متفق عليه.
قوله" سمع" هو بتشديد الميم أي أشهر عمله للناس من عبادة، وقراءة، وجهاد، وصدقات، وغيرها
" سمع الله به" أي فضحه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق.
" ومن راءى" أي أظهر عمله للناس لقصد ثنائهم ومدحهم له وحتى يعظم عندهم" راءى الله به" أي أظهر سريرته وفضحه على رؤوس الخلائق، كما دل عليه حديث النفر الثلاثة في حديث أبي هريرة.

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي
( فضائل القرآن الكريم)(14)

(يتبع- المذموم في تلاوة القرآن الكريم)

٢- ومما يذم في تلاوة القرآن: التكسب به، والاستئكال به
62= عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" تعلموا القرآن، وسلوا الله به الجنة، قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرؤه لله" رواه أحمد، والحاكم وصححه، وأقره الحافظ ابن حجر، والألباني.
63= وعن جابربن عبدالله رضي الله عنهما، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي، والعجمي، فقال" اقرءوا فكل حسن، وسيجيئ أقوام يقيمونه كما يقام القدح، يتعجلونه، ولايتأجلونه" رواه ابوداود، وأحمد، وصححه الألباني.
معنى قوله "وسيَجِيءُ" بَعْدَ ذلك "أقوامٌ يُقيمونَهُ"، أي: يَجْتهِدونَ ويُبالِغونَ في عَمَلِ قراءةِ القرآنِ؛ مِنْ إصلاحِ الألفاظِ ومُراعاةِ الصِّفاتِ والقواعِدِ، "كما يُقامُ القِدْحُ" وهو جِسْمُ السَّهْمِ المُستَوي قَبْلَ أنْ يُراشَ ويُنْصَلَ، "يتَعجَّلونَه"، أي: يُؤْثِرونَ العاجلةَ- وهي الدُّنيا- على الآجِلَةِ- وهي الآخِرة- فيَطْلُبونَ ثوابَ الدُّنيا، "ولا يتَأجَّلونَه"، أي: لا يَطْلُبونَ الأَجْرَ في الآخِرَةِ.
64= وعن عبدالرحمن بن شبل الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" اقرءوا القرآن ولاتأكلوا به، ولاتستكثروابه، ولاتجفوا عنه، ولاتغلوا فيه" رواه أحمد، وغيره، وصححه الألباني.
65= وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل، فاسترجع، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:" من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيئ أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس" رواه الترمذي، وأحمد، وصححه الألباني.
قلت: وقد تحقق هذا الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال بعض القراء به الناس في زماننا كثيراً، والله المستعان.
66=وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوساً، فقلت: ليست بمال، وأرمي عنها في سبيل الله عزوجل. لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسلنه، فأتيته فقلت: يارسول الله رجل أهدى إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال، وأرمي عنها في سبيل الله؟ قال: إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها" رواه أبوداود، وأحمد، وغيرهما، وصححه الألباني.
قلت: وتحمل هذه الأحاديث على من أراد بتعليمه القرآن الدنيا لاغير، أو على من تعين في حقه التعليم، أو على من جعل القرآن مهنة له يتكسب به في المحافل، وقد أجمع الفقهاء على جواز أخذ الرزق من بيت المال على تعليم القرآن، وتدريس العلم النافع، من حديث، وفقه، ونحو، وغيرها. الموسوعة الفقهية الكويتية(١٤/١٣)
وكذلك ذهب جمهور العلماء إلى جواز الإستئجار على تعليم القرآن، والعلم الشرعي، لحديث" إن أحق ماأخذتم عليه أجراً كتاب الله" رواه البخاري
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية:٢٩١/١

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي
( فضائل القرآن الكريم)(15)

يتبع: (المذموم في تلاوة القرآن الكريم)
٣- ومما يذم فيها: أن يقول الحافظ: نسيت سورة كذا، أو آية كذا، ويستحب له أن يقول: أُنسيتُ سورة كذا، أو آية كذا، لحديث
67= عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بئس مالأحدهم أن يقول: نسيت كيت وكيت، بل هو نُسّي" رواه مسلم.
ومعنى هذا الحديث: أن الحافظ لاينبغي له أن يقول: نسيت سورة كذا أو آية كذا، لأن النسيان ليس من فعله، ويقول: أنسيتُ كذا، وكذا، ودون إضافته إلى الله تعالى تأدباً معه جل وعلا لكون سبب النسيان هو من الشيطان، ومن قصور العبد في تعاهد القرآن، قال تعالى:[ وماأنسانيه إلا الشيطان أن أذكره] الكهف٦٣
٤- والتمطيط في القراءة، وهو توليد حروف المد من الحركات، فالفتحة لها زمن إن زاد تولد منها ألف، والضمة لها زمن إن زاد تولد منها واو، وهكذا،
68= عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " أخاف عليكم ستاً: إمارة السفهاء، وسفك الدم، وبيع الحكم، وقطيعة الرحم، ونشواً يتخذون القرآن مزامير، وكثرة الشرط" رواه الطبراني وغيره، وصححه الألباني.
ومعنى" سفك الدم" أي القتل بغير حق
و" بيع الحكم" أي الرشوة في الحكم.
و" نشواً"
و" كثرة الشُرط" أي كثرة رجال الأمن الذين يأخذون الناس بالتهمة ودون تثبت.
وقد اتفق عامة الفقهاء إلا من شذ على أن القراءة بالألحان إذا أدت إلى تغيير ألفاظ القرآن بالتمطيط ونحوه فهي ممنوعة، قال النووي كما في فتح الباري: ٧٢/٩: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن مالم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج، حتى زاد حرفاً، أو أخفاه حرم" انتهى
٥- والسرعة في قراءته سرعة مخلة.
والسرعة في القراءة، أو الهذرمة، وهي التي يخل القارئ فيها بخروج الحروف من مخارجها تخالف الترتيل الذي أمر الله تعالى به، في قوله[ ورتل القرآن ترتيلا] المزمل٤
69= عن أبي وائل قال: غدونا على عبدالله، فقال رجل: قرأت المفصل البارحة، فقال: هذّاً كهذّ الشعر، إنا قد قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القرناء اللاتي كان يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم ثمان عشرة من المفصل، وسورتين من آل حم" متفق عليه.
قلت: وسبق التعليق على هذا، وأن هذا لايعد هذرمة ولاهذّاً كهذ الشعر وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أحيانا بأكثر من هذا في ركعة وكان مع ذلك يترسل في قراءته
70= وعن عائشة رضي الله عنها، أنه ذكر لها أن ناساً يقرءون القرآن في الليل مرة أو مرتين: كنت أقوم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ سورة البقرة، وآل عمران والنساء فلايمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله، واستعاذ، ولايمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله، ورغب إليه" رواه أحمد، وغيره، وهو صحيح.
71= وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله [ لاتحرك به لسانك لتعجل به] القيامة١٦، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي، وكان مما يحرك به لسانه، وشفتيه، فيشتد عليه، وكان يعرف منه، فأنزل الله الآية التي في لاأقسم بيوم القيامة:[ لاتحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه] ١٧، قال: فإن علينا أن نجمعه في صدرك، وقرآنه[ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه] فإذا أنزلناه فاستمع[ ثم إن علينا بيانه] علينا أن نبينه بلسانك، قال: فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عزوجل" متفق عليه.
قال ابن كثير في فضائل القرآن:٢٣٥/١-٢٦١: وفي هذا الحديث دليل على استحباب ترتيل القراءة والترسل فيها من غير هذرمة، ولاسرعة مفرطة، بل بتأمل وتفكر، وقراءة القرآن في أقل من ثلاث هذرمة وسرعة مفرطة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو بن العاص" لاتفقه في قراءته في أقل من ثلاث" رواه أحمد، وهكذا كره أكثر السلف قراءته في أقل من ثلاث، وترخص بعضهم في قراءته في أقل من ذلك، وروي ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، فصلى به في ركعة، وكذا تميما الداري رضي الله عنه قرأه في ركعة، وروي ذلك عن بعض التابعين كعلقمة صاحب ابن مسعود، وروي عن بعضهم قراءته في ليلة أكثر من مرة كالقاضي سليم بن عتر التجيبي أنه قرأه في ليلة ثلاث مرات، وعن علي الأزدي أنه كان يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة في رمضان، وعن الإمام الشافعي رحمه الله أنه كان يختم في اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين، وفي غيره ختمه، وعن البخاري صاحب الصحيح أنه كان يختم في الليلة ويومها من رمضان ختمة. فهؤلاء وأمثالهم إما أن هذه الأخبار في كراهة قراءة القرآن في أقل من ثلاث لم تصح عندهم، وإما أنهم لم تبلغهم" انتهى بتصرف
قال النووي رحمه الله في التبيان، ونقله عنه ابن كثير في فضائل القرآن٢١٦/٢: إن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم مايقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم وغيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لايحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء فليستكثر
ماأمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة"
قلت: قراءة القرآن في الليلة ثلاث مرات كما روي عن القاضي سليم بن عتر، أو قراءته فيما بين المغرب والعشاء كما روي عن علي الازدي غير ممكنة عقلا أبداً، والعجيب من ابن كثير رحمه الله كيف يصدق مثل هذا، وهو الحافظ المحدث الفقيه المفسر، ولم أجد لهذا تفسيرا إلا حسن ظنه بهؤلاء واعتقاده فضلهم وكرامتهم على الله.وأعدل الأقوال، وأوسط الأحوال أن يختم في سبعة أيام، أو في سبع ليال
قال الإمام السيوطي رحمه الله في كتابه الإتقان في علوم القرآن:٣٦١/١: وهذا أوسط الأمور، وأحسنها، وهو فعل الأكثرين من الصحابة وغيرهم.

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي.
(فضائل القرآن الكريم)(16)

الباب التاسع عشر:( جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم، والرقية به)

أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم أجازه جمهور العلماء، وأماأخذ الأجرة على الرقية به،وكذا أخذ الرزق من بيت مال المسلمين على تعليم القرآن وعلوم الشريعة فأمر مجمع على جوازه بين العلماء، لحديث:
72= ابن عباس رضي الله عنهما، أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ، أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلا لديغاً، أو سليماً، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجراً، حتى قدموا المدينة، فقالوا يارسول الله : أخذ على كتاب الله أجراً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أحق ماأخذتم عليه أجراً كتاب الله" رواه البخاري.
قوله" على شاءٍ" أي غنم، وكانت ثلاثين رأساً من الغنم.
قال ابن حجر في الفتح: ٤٥٣/٤، واسُتدل به للجمهور في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وخالف الحنفية فمنعوه في التعليم، وأجازوه في الرقى، كالدواء،قالوا:لأن تعليم القرآن عبادة، والأجر فيه على الله، وهو القياس في الرقى إلا أنهم أجازوه فيها لهذا الخبر، وحمل بعضهم الأجر في هذا الحديث على الثواب، وسياق القصة التي في الحديث يأبى هذا التأويل، وادعى بعضهم نسخه بالأحاديث الواردة في الوعيد على أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وقد رواها أبوداود، وغيره، وتعقب بأنه إثبات للنسخ بالإحتمال وهو مردود، وبأن الأحاديث ليس فيها تصريح بالمنع على الإطلاق، بل هي وقائع أحوال محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب، وبأن الأحاديث المذكورة أيضاً ليس فيها ماتقوم به الحجة، فلاتعارض الأحاديث الصحيحة" انتهى.
قلت: بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن يقول الإمامُ البخاري رحمه الله، وقد روى في صحيحه آثاراً معلقةً على جوازها عن بعض التابعين، فمن ذلك:
- عن الشعبي قال: لايشترط المعلم، إلا أن يعطى شيئاً فيقبله. أي لايشترط أجرةً على تعليم القرآن، فإن أعطي أجرة فيقبلها ولاحرج عليه.
- وعن الحكم قال: لم أسمع أحداً كره أجر المعلم.
- وعن الحسن أنه أعطى دراهم عشرة، أي أعطاها للمعلم
- وعن ابن سيرين أنه لم ير بأجر القسام بأساً- والقسام: بفتح القاف وتشديد السين هو الذي يوظفه القاضي أو غيره ليقسم بين الناس أراضيهم وغيرها، قال ابن سيرين: كان يقال: إن السحت: الرشوة في الحكم، وكانوا يعطون على الخرص وهو حزر الثمار. انتهى.
ومقصوده بقوله" إن السحت الرشوة في الحكم" أي أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن ليست بسحت، والسحت هو في الرشوة في الحكم وغيره من المحرمات.
الباب العشرون:( أحوال القراءة)
والمراد بذلك: المواضع التي تجوز فيها قراءة القرآن، والمواضع التي تحرم فيها، أو تكره فيها قراءته.
73= عن عياض بن حمارالمجاشعي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث:" إنما بعثتك لأبتليك، وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لايغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان" رواه مسلم.
قوله" لايغسله الماء" أي أنه محفوظ في الصدور.
74= وعن عبدالله بن مغفل رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح" متفق عليه.
وفي هذا الحديث والذي قبله بيان أنه لايمنع القارئ أن يقرأ القرآن حضراً، وسفراً، ونائماً أي مستلقيا على قفاه، ويقظان، وقائماً وقاعداً، وماشياً، وراكباً على دابته، أو سيارته، أو دراجته، أو في الطائرة، أو السفينة، أو في أثناء عمله، ومتدبراً وهو الأولى، أو غير متدبر، وفي كل أحواله، إلا في الأحوال الآتية، فتحرم
يتبع

أ.د.عبدالرحمن إبراهيم الخميسي.
HTML Embed Code:
2024/06/14 04:35:40
Back to Top